العصا لإيران.. بعد أول قرار إدانة لأنشطتها النووية منذ 4 سنوات

مسؤول غربي لـ «الشرق الأوسط»: محاولات طهران للمراوغة فشلت * سلطانية في اجتماع مغلق: لا العقوبات ولا الضربة العسكرية ستغير موقفنا ولو لثانية

سلطانية خلال مؤتمره الصحافي في فيينا أمس (أ.ب)
TT

في ضربة قاسية لإيران يرجح أن تفتح باب العقوبات الدولية ضدها عام 2010، إذ لم تتعاون مع المجتمع الدولي لطمأنة العالم لنواياها النووية، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا أدانت بموجبه إيران بسبب برنامجها النووي المثير للجدل، مطالبة إياها بـ«تجميد» بناء منشأة نووية جديدة قرب «قم»، وبتزويد الوكالة الدولية للطاقة الذرية «بمعلومات عن أهداف هذه المنشأة الجديدة والبرنامج الزمني لأعمال بنائها». كما يطالب القرار طهران كذلك بأن «تؤكد» أنها «لم تصدر أي قرار يتعلق ببناء أو الترخيص ببناء أي منشأة نووية من أي نوع كان لم يتم إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية عنها». وسارعت طهران إلى شجب القرار، ملوحة برفض مشروع اتفاق تخصيب اليورانيوم، واعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية أن القرار «غير مجد»، موضحة «لا نعتبر أن الوفاء الكامل بالتزاماتنا حيال الوكالة أمر ضروري إذا لم يتم احترام الحقوق البديهية لإيران بوصفها عضوا في معاهدة حظر الانتشار النووي».

وفسر التصويت لصالح القرار من جانب كل من الصين وروسيا اللتين ظلتا مترددتين حيال إدانة إيران، على أنه تعبير عن استياء المجتمع الدولي من رفض إيران التعاون. وكانت موسكو وبكين قد رفضتا تأييد قرار إدانة صدر ضد طهران عام 2006 في الوكالة، مما يشي بأن موقفهما أمس يعد تغيير كبيرا حيال طهران، وقد يدعم العقوبات الدولية المتوقعة ضد طهران في مجلس الأمن إذا ما سدت مسارات التفاوض خلال الأشهر المقبلة.

وبعد صدور قرار الإدانة أمس، اعتبر مندوب إيران لدى الوكالة الذرية علي أصغر سلطانية أن هذا القرار «يقوض الأجواء المواتية» للمفاوضات، مؤكدا أن بلاده ستدرس «خيارات أخرى» غير مشروع الاتفاق الذي اقترحته الوكالة الذرية ووافقت عليه الدول الكبرى، والذي ينص على حصول طهران على الوقود النووي اللازم لمفاعل الأبحاث في طهران.

ومن أصل الدول الـ35 الأعضاء في مجلس حكام الوكالة الذرية، صوتت 25 دولة لصالح القرار وثلاث دول ضده (فنزويلا وماليزيا وكوبا)، في حين امتنعت ست دول عن التصويت (أفغانستان والبرازيل ومصر وباكستان وجنوب أفريقيا وتركيا)، بينما غابت أذربيجان عن الاجتماع عند التصويت. وهي المرة الأولى التي يصدر فيها مجلس حكام الوكالة قرارا ضد إيران منذ فبراير (شباط) 2006.

وسيحال هذا القرار إلى مجلس الأمن الدولي الذي سيكون عليه أن يستخلص منه العبر، وأن يقرر، على الأرجح، فرض عقوبات جديدة على إيران تضاف إلى سلسلة العقوبات التي سبق للمجلس أن فرضها بحق طهران في ثلاثة من قراراته، ولكنها لم تؤت أي نتيجة فيما يتعلق بتعاون إيران مع المجتمع الدولي، وإن أدت إلى مصاعب متزايدة بات يواجهها الاقتصاد الإيراني.

وقال مسؤول غربي رفيع المستوي على صلة بالملف الإيراني إن قرار وكالة الطاقة الذرية يظهر أن «محاولات إيران للمراوغة فشلت. وأن استنزاف الوقت سيؤدي فقط إلى تضييق الخناق عليها». وتابع المسؤول في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» في لندن: «القرار يضع إيران أمام خيارين: إما التعاون والحوار البناء أو تحمل عواقب أفعالها». وكان لافتا أن قرار الإدانة جاء قبل 24 ساعة من انتهاء ولاية محمد البرادعي على رأس وكالة الطاقة. وخلال سنوات عمله الطويلة في الوكالة سعى البرادعي إلى أن يكون همزة الوصل القادرة على توصيل الرسائل بشكل حيادي مفهوم بين طهران والغرب، خصوصا في ظل حالة انعدام الثقة بين الطرفين، إلا أن انتهاء ولاية البرادعي بقرار إدانة ضد طهران يشي بأنه وصل إلى قناعة بضرورة الضغط على إيران بصورة واضحة. وفي هذا الصدد يقول المسؤول الغربي لـ«الشرق الأوسط»: «هناك الكثير من العوامل التي أدت إلى قرار أمس، من بينها أن الوكالة ومديرها ما زالت لديهما علامات استفهام حول منشأة قم، وهناك شكوك حقيقية في أن الهدف منها عسكري. فهي صغيرة بحيث لا تتسع لبرنامج مدني، وكبيرة بما يكفي لبرنامج عسكري. لا أحد في الوكالة يمكن أن يجزم أن منشأة قم للأغراض المدنية، لهذا صدر قرار الإدانة».

وكانت واشنطن قد بذلت جهودا هائلة خلال الأسابيع الستة الماضية لتوحيد موقف المجتمع الدولي إزاء إيران، إذ أرسلت عددا من كبار المسؤولين للخارج من بينهم دنيس روس، لإقناع دول مثل الصين وروسيا بأنه «لا بد من وقفة حاسمة وموحدة إزاء إيران وإلا غامرنا بحرب في الشرق الأوسط إذا اضطرت إسرائيل للتحرك منفردة وقامت بقصف المواقع النووية الإيرانية».

إلا أن إيران ظهرت متمسكة بموقفها. ففي اجتماع مغلق أمس قال سفير إيران لدى وكالة الطاقة علي أصغر سلطانية لأعضاء دول مجلس الأمناء إنه «لا الضغوط ولا القرارات الدولية ولا العقوبات ولا التهديد بضربة عسكرية سوف تحيد إيران عن برنامجها النووي السلمي ولو لثانية»، كما أكد المسؤول الغربي لـ«الشرق الأوسط».

وكان سلطانية قد هدد قبل التصويت بـ«تقليص» طهران تعاونها مع الوكالة إلى «الحد الأدنى» في حال تبني مجلس حكام الوكالة مشروع قرار الإدانة. وبعد صدور القرار قال سلطانية للصحافيين في فيينا إن هذا القرار «يقوض الأجواء المواتية» للمفاوضات، مؤكدا أن بلاده ستدرس «خيارات أخرى» غير مشروع الاتفاق الذي اقترحته الوكالة الذرية ووافقت عليه الدول الكبرى والذي ينص على حصول طهران على الوقود النووي اللازم لمفاعل الأبحاث في طهران مقابل تخصيب اليورانيوم الإيراني في الخارج. وتابع سلطانية «في ما يخص مفاعل طهران للأبحاث، نحن بحاجة إلى الوقود النووي في أسرع وقت ممكن. نحن مستعدون للتفاوض من أجل الحصول عليه ولكن إذا لم نكن سنحصل على رد إيجابي فليس باستطاعتنا الانتظار أكثر. الوقت أساسي، ولهذا السبب علينا درس خيارات أخرى»، موضحا: «على الأقل في هذه المرحلة أقول كلا لن نتراجع أو ننسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي».

ووصف السفير الإيراني قرار وكالة الطاقة بـ«الفاشل» و«الهادم للتيار الذي كان سائدا»، والذي «سيغير المناخ من الدبلوماسية والتفاوض للمواجهة»، مضيفا أن إيران «لا تخشى ولا تتعامل بردود فعل غير مدروسة»، وأنها سبق أن أكدت أن التعامل معها لا يتم عبر قرارات إدانة وتوبيخ تستخدم منطق التحدي والأوامر، نافيا أن تكون إيران قد تجاهلت مسودة الاقتراح التي تقدم بها البرادعي لتوفير وقود لمفاعل طهران بنقل يورانيوم إيراني ومعالجته بالخارج في فرنسا وروسيا. وأصر السفير الإيراني على أن كل ما طالبت به طهران ولا تزال تطالب به هو «أن تجلس والأطراف الراغبة في الاتفاق لدراسته بندا بندا، ومن ثم الموافقة عليه بعد أن تحصل إيران على ضمانات كافية وتطمينات بأنها لن تسلم وقودها وأموالها لدول قد تلتزم وقد لا تلتزم بالسداد».

وأشار المسؤول الإيراني إلى أن الدول الغربية التي سعت وعملت بشدة لإدانة إيران هي الدول ذاتها التي ترفض أن تجلس معها لجلسة ثانية لبحث التفاصيل التقنية والقانونية الخاصة بتحقيق مسودة الاتفاق الذي قدمه البرادعي. وأكد سلطانية أن إيران وحتى اللحظة باقية على مطلبها بضرورة عقد هذه الجلسة الثانية للاتفاق على التفاصيل، مشيرا إلى أن إسراع هذه الأطراف بإصدار قرارات توبيخ وإدانة لإيران «لن يؤدي سوى إلى الاستفزاز وممارسة ضغوط غير مجدية لن تغير من موقف إيران، وإن ستدفعها للإحجام عن القيام بأي أعمال طوعية، مكتفية فقط بالبنود الملزمة وفقا لاتفاق الضمان الموقعة بينها وبين الوكالة لا أكثر».

كما استنكر السفير الإيراني ما وصفه بمحاولات «فرض هيمنة وتسييس عمل الوكالة ووضع عراقيل ومحاولات لرسم سياسة لمديرها الجديد الياباني يوكيا امانو» الذي سيخلف البرادعي بعد غد، مشيرا إلى أن أسلوبا كهذا «سيؤدي لزيادة صعوبات أمام مسيرة المدير الجديد الذي من المفترض أن يبدأ عهدا جديدا لا أن يكبل بقرارات تحد من حقوق دولة عضو يرغبون أن يبادرها بالعداء».

ولاحظ سلطانية أن مجلس أمناء الوكالة لم يجز القرار بالإجماع كما هي عادته، معربا عن اعتقاده أن القرار «قرار سياسي لا أساس تقنيا أو فنيا له» و«أنه سعي باطل لإغلاق النوافذ التي تفتحت للحوار والدبلوماسية». وتساءل السفير الإيراني: «لقد سمعنا وتوقعنا الكثير بشأن التغيير.. فأين هو هذا التغيير؟»، موجها شكره لدول أعضاء في مجموعة عدم الانحياز لم تؤيد القرار، مبديا تسامحا تجاه دول أخرى من المجموعة نفسها صوتت لصالح القرار، مرجعا ذلك لثقل «الضغوط السياسية التي مورست ضدها».

أما السفير الأميركي لدى الوكالة الذرية غلين ديفيز فقال بعد صدور القرار إن «الصبر ينفد» حيال الملف النووي الإيراني، مشددا على أن هذا ليس «قرارا عقابيا»، ومعربا عن أمله في أن «يعطي هذا القرار دفعا جديدا للمسار الدبلوماسي». واعتبر السفير الأميركي أن «القرار للفت نظر إيران بضرورة الإسراع بالتجاوب مع الأيدي الممدودة لها للتفاوض والحوار والعمل من أجل استعادة ثقة العالم»، مؤكدا أن القرار «رسالة تؤشر للقلق المتنامي بسبب ما تبديه إيران من عدم التزام وعدم اهتمام بتبديد المخاوف المتزايدة مما يدور بداخلها من أنشطة نووية، فيما تواصل في سياساتها المتجاهلة من دون اعتبار لكل المحاولات والمبادرات الساعية بجدية لجذبها والتعامل معها في صبر طويل وممدود دفعته للنفاد». كما أكد السفير الأميركي عدم فائدة الحوار من أجل الكلام المجرد من دون الوصول لأهداف محددة. وأوضح ديفيز في رد على سؤال لـ«الشرق الأوسط» أن إجازة القرار بالأغلبية وليس الإجماع لا تضعف منه، والعبرة في عدد مؤيديه، مؤكدا أن «مهمة مجلس الأمناء تنتهي بلفت نظر إيران، أما ما سيحدث بعد ذلك داخل مجلس الأمن وسواء قرر فرض مزيد من العقوبات أم لا فذلك سيتم بحثه مستقبلا». كما أشاد السفير الأميركي بالدور الذي لعبه الدكتور محمد البرادعي لإقناع إيران بمقترح تبادل اليورانيوم بالوقود النووي الذي لم ترد طهران عليه حتى الآن.

وبعد إصدار القرار حضت روسيا إيران على أن تأخذ «على محمل الجد» الإشارة التي أرسلتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتعاون معها في برنامجها النووي. وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان «نأمل أن تأخذ إيران بقوة على محمل الجد الإشارة الواردة في قرار مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأن تضمن تعاونا كاملا مع الوكالة بغية التوصل في أقرب وقت ممكن إلى حل» النزاع حول برنامجها النووي.

فيما قال رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون إن المرحلة المقبلة في النزاع النووي مع إيران «يجب أن تكون فرض المزيد من العقوبات عليها إذا لم تستجب للقرار» الذي أصدره مجلس محافظي الوكالة الدولية. وقال براون إن التصويت الحاسم «هو أوضح إشارة ممكنة لإيران بأن عليها أن تتخلى عن خططها النووية، وبأن العالم يعلم ما تفعله».

من ناحيتها، رحبت إسرائيل بقرار إدانة إيران، داعية إلى متابعة هذا القرار.