دبلوماسي بريطاني: حرب العراق افتقرت إلى الشرعية.. وواشنطن عرقلت التفويض

غرينستوك امام لجنة التحقيق البريطانية في الحرب: مجموعة في واشنطن أصرت على تخطي مجلس الأمن واعتبرته مضيعة للوقت

سفير بريطانيا السابق لدى الأمم المتحدة السير جيريمي غرينستوك في طريقه للإدلاء بشهادته أمام لجنة التحقيق في حرب العراق أمس (أ.ف.ب)
TT

شكك الدبلوماسي البريطاني، جيريمي غرينستوك، الذي شغل منصب سفير بلاده للأمم المتحدة بين عامي 1997 و2003، في شرعية الحرب على العراق، وميز في شهادته أمام لجنة التحقيق في الحرب التي بدأت عملها مطلع الأسبوع في لندن، بين قانونية الحرب وشرعيتها.

وقال غرينستوك الذي أصبح بعد الغزو، المبعوث البريطاني للعراق، أمام اللجنة المستقلة المؤلفة من خمسة أعضاء، إن الحرب في رأيه كانت «قانونية، إلا أنها افتقرت إلى الشرعية لأنها لم تكن تحظى بدعم شعبي في بريطانيا أو معظم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة». وأضاف: «كان هناك فشل في إرساء شرعية للحرب، رغم أنني أعتقد أننا حققنا بنجاح الأرضية القانونية في مجلس الأمن، وفي الأمم المتحدة... لدرجة ما على الأقل. فلم يتم تحدينا في مجلس الأمن أو في المحكمة الدولية لهذه الأفعال».

وكشف السفير السابق أنه هدد بالاستقالة في حال أرادت بريطانيا المشاركة في الحرب من دون اللجوء إلى مجلس الأمن. وتعتبر بريطانيا والولايات المتحدة أن القرار 1441 الذي صدر عن مجلس الأمن بالإجماع في نوفمبر (تشرين الثاني) 2002، شرع الحرب على العراق، إلا أن الدول الأخرى اعتبرت أن هناك حاجة لإصدار قرار ثان يشرع الحرب. وقد نص القرار 1441 على عودة المفتشين الدوليين إلى العراق بعد أن كان طردهم صدام حسين في عام 1998، لإعطاء العراق فرصة أخيرة للتجاوب مع المطالب الدولية والتخلي عن أسلحة الدمار الشامل التي يملكها. وقد وافق العراق على القرار.

وتحدث غرينستوك عن محاولات بريطانيا العمل على إصدار قرار ثان في مجلس الأمن بعد القرار 1441 يفوض شن الحرب على العراق، بعد تقارير عن عدم تعاون صدام حسين مع المفتشين الدوليين. واتهم واشنطن بعرقلة صدور هذا القرار، وحتى أنه تحدث عن مجموعة في واشنطن رأت في اللجوء إلى مجلس الأمن لإصدار القرار الأول (1441) مضيعة للوقت. وقال: «كانت هناك أصوات تعتبر أن هذا مضيعة للوقت، وأن المطلوب تغيير النظام، لماذا نتلهى بهذه الأمور، يجب وضعها جانبا، وفعل ما يجب فعله في كل الأحوال، والتعاطي مع الأمر عبر استعمال القوة». وأضاف أنه عندما تقدمت واشنطن بهذا الاقتراح لبريطانيا، رفضته فورا وشددت على ضرورة استصدار قرار من مجلس الأمن. وقال غرينستوك إنه في تلك النقاشات، هدد بالاستقالة من منصبه إذا قررت بريطانيا الانضمام إلى الحرب من دون قرار دولي.

واعترف السفير السابق بأن نص القرار 1441 كان «ملتبسا» حول ما يجب أن يحصل في حال لم يمتثل صدام لأحكامه، ومن يجب أن يكون الحكم في ما يجب أن يحصل. وقال: «لم نحاول أبدا كفاية بعد إقرار القرار 1441 أن نوضح الغموض...».

وانتقد غرينستوك في إفادة مكتوبة قدمها للجنة قبل بداية الاستجواب، موقف واشنطن العدائي تجاه اللجوء لمجلس الأمن لإصدار قرار ثان يفوض الحرب. وقال: «إن محاولة بريطانيا لإعادة بناء إجماع في الرأي كان لديه حظوظ قليلة في النجاح، وقد أضعفت تلك الحظوظ أكثر، واقع أن الولايات المتحدة لم تكن تدعم الجهود البريطانية بشكل فعال، وبدت وكأنها تحضر للحرب بغض النظر عما تقرر بريطانيا فعله».

وقال في إفادته المكتوبة أيضا، إنه على الرغم من تلقيه أدلة على أن الأوامر أعطيت من مسؤولين كبار في إدارة بوش لبدء التحضر لشن حرب على العراق بعد 11 سبتمبر (أيلول)، فإن أيا من تلك النقاشات وصلت إلى البعثة البريطانية في نيويورك. وأضاف: «كنت أعرف بوجود الخيار المبدئي للترويج لتغيير النظام عبر القوة العسكرية، ولكن لم يكن الأمر واضحا حتى فبراير (شباط) ومارس (آذار) 2002، عندما سمعت أن تحضيرات جدية قد تكون بدأت في واشنطن لشن حرب ضد العراق».

وكشف أن بريطانيا حاولت تأجيل الحرب حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2003، إلا أنها فشلت، واعتبر أنه لو حصل ذلك لكان هناك فرصة أكبر لشرعنة الحرب. ولكنه قال إن «الزخم لتحرك مبكر في الولايات المتحدة كان أقوى بكثير من الوقوف بوجهه». وأضاف: «لم أشعر أنني في مارس كان بإمكاني أن أقدم حجة لمجلس الأمن أن المفتشين أعطوا الوقت الكافي (لأداء مهمتهم)». وأشار إلى أن رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، تمكن من أن يقنع الأميركيين بتأجيل الحرب أسبوعين فقط وليس أكثر. إلا أنه أضاف أنه حتى لو أعطت واشنطن فرصة للمفتشين الدوليين حتى أكتوبر، لم يكن ليتمكن من الحصول على إجماع من أعضاء مجلس الأمن على إعطائه تفويضا للذهاب إلى الحرب إذا كان المفتشون لم يعثروا على أسلحة الدمار الشامل.

وتحدث غرينستوك عن الخلافات التي كانت منتشرة بين أعضاء مجلس الأمن حول العراق قبل 11 سبتمبر، وكيف تغير المزاج بعد الاعتداءات. وقال وهو يتحدث عن مرحلة ما بعد 11 سبتمبر: «عموما في نيويورك لا يتصرف الأعضاء الخمسة كجسد واحد، ولكن حول العراق تحولوا إلى جسد واحد...». وقال إنه حتى قبل الاعتداءات لم يكن أي عضو في مجلس الأمن يعتقد بأن صدام حسين يتعاطى مع القرارات الدولية «بصدق».

وأضاف متحدثا عن مرحلة ما بعد 11 سبتمبر: «كان هناك تعاطف كبير مع الولايات المتحدة في مجلس الأمن وإجماع على أن ما حصل ذهب بعيدا جدا». وأشار إلى أن الإجماع على مسودة القرار الذي تقدمت به واشنطن حول أفغانستان، وقال إنه لم يحصل أبدا خلال وجوده في مجلس الأمن، أن قدمت واشنطن اقتراح قرار من دون أن يعترض أحد من البلدان عليه.