الأمم المتحدة تحذر من أسوأ كارثة إنسانية في الصومال منذ 18 عاما

قائد أميصوم: الرئيس الصومالي ما زال حليفا جيدا.. وحركة الشباب تسيطر على مدينة على حدود كينيا

صورة تعود إلى يونيو الماضي للاجئة صومالية في معسكر داجالي في كينيا (رويترز)
TT

حذرت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة أمس من أن الوضع الإنساني في الصومال قد وصل إلى أسوأ حالاته منذ 18 عاما، مشيرة إلى أن القطاع الصحي في البلاد ينقصه التمويل إلى حد كبير.

وقال مسؤول الطوارئ الإنسانية في منظمة الصحة العالمية «أريك لاروش» الذي زار مقديشو مؤخرا إن مستوى الرعاية الصحية في الصومال يعد الأسوأ في العالم في الوقت الحالي، وإن الوضع يمر في مرحلة عي الأصعب والأسوأ منذ 18 عاما من الأزمة». ويأتي تحذير منظمة الصحة العالمية في الوقت الذي يستمر فيه تشريد المزيد من المدنيين بسبب العنف والقتال المستمر في مقديشو، حيث إن الآثار المضاعفة المتمثلة في استمرار الصراع ونزوح المدنيين وشح الأمطار وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية وتفاقم الجفاف في مناطق من وسط وجنوب الصومال، هي أمور ستسهم في تدهور الوضع الإنساني إلى أسوأ، وتحوله إلى وضع مثير للقلق جدا. وقال لاروش أيضا إن قطاع الصحة في الصومال يواجه نقصا حادا في التمويل، في حين أن نصف سكان الصومال (3.78 مليون نسمة) يعتمدون على المساعدات الخارجية، وأضاف: «يعاني 20% من الأطفال دون الخامسة سوء التغذية، بمعني أن طفلا واحدا من كل أربعة أطفال دون سن الخامسة يعاني سوء التغذية، وأن 5% من هؤلاء الأطفال يعانون سوء تغذية حادا، مشيرا إلى أن مستوى الرعاية الصحية للطفل والأم في الصومال يعد الأسوأ في العالم، كما أن مئات الآلاف من سكان مقديشو الذين اضطُرّوا إلى ترك منازلهم بسبب الحرب الدائرة بين قوات الحكومة الصومالية ومقاتلي الفصائل المعارضة يواجهون ظروفا إنسانية صعبة في مخيمات النازحين.

وذكر لاروش أنه بسبب الوضع الأمني المتدهور في جنوب ووسط الصومال تم تقليص الكوادر الدوليين إلى الحد الأدنى، على أن يتم الاعتماد على الجمعيات غير الحكومية المحلية ومتطوعي الهلال الأحمر والموظفين المحليين، حيث تعرض موظفو المنظمات الإنسانية العاملة في الصومال لاعتداءات متكررة من قبل جماعات مسلحة مجهولة. وكانت الأمم المتحدة قد علّقت جميع نشاطاتها في كثير من المدن بجنوب الصومال، وذلك بسبب المخاوف الأمنية التي تواجه على حياة موظفي وكالات الأمم المتحدة، وكان برنامج الغذاء العالمي آخر منظمة دولية تنقل موظفيها الدوليين من جنوب الصومال، حيث تم إجلاء نحو 12 موظفا دوليا من مدينة بوءالي الأسبوع الماضي لدواع أمنية. وذكر البرنامج أن الموظفين المحليين سيواصلون تنفيذ برامجه في الإقليم ريثما يتحسن الوضع الأمني في المنطقة. يضاف إلى ذلك أن السلطات المحلية في بعض الأقاليم الصومالية أمرت بوقف نشاط عدد من المنظمات التي تعمل في المجال الإنساني وإغلاق مكاتبها، الأمر الذي أثر سلبا على المتضررين الصوماليين الذين كانوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي كانت تقدم لهم تلك المنظمات الإنسانية، حيث اضطُرّ الكثير من وكالات الغوث إلى إغلاق مكاتبها بجنوب الصومال. وفي مواجهة هذه الأزمة، أشار لاروش إلى أن القطاع الصحي في الصومال لا يتلقى سوى 37% من الأموال اللازمة التي تقدر بـ39 مليون دولار لهذه السنة فقط. وألقى أريك لاروش باللوم على ما وصفه بتقاعس المانحين.

على صعيد آخر سيطرت حركة الشباب المجاهدين أمس السبت على مدينة دوبلي الواقعة على بعد بضعة كيلومترات من الحدود الكينية، فيما بدأ المدنيون الفرار من ديارهم محاولين عبور الحدود إلى كينيا. واستولي مقاتلو الحركة على المدينة دون قتال، حيث أُخليَ مقاتلو الحزب الإسلامي فيها صباح السبت قبيل ساعات من دخول مسلحي الحركة. وكان فصيلا حركة الشباب والحزب الإسلامي (جماعتان إسلاميتان كانتا حليفتين قبل فترة وجيزة) يتقاتلان في الأشهر الأخيرة من أجل السيطرة على مدينة كسمايو الاستراتيجية، كبرى المدن في جنوب الصومال.

وكانت الجماعتان متحالفين لقتال الحكومة الصومالية وقوات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال، إلا أن العلاقة بينهما تدهورت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما اختلفتا حول من يحكم مدينة كسمايو، وباستيلاء حركة الشباب على مدينة دوبلي تصبح الحركة قد أحكمت سيطرتها جميع المدن والبلدات في أقاليم غوبا المتنازع عليها. وقال قيادي من الحركة لم يكشف عن اسمه إن مقاتليه «استولوا على مدينة دوبلي دون قتال، وأصبحت الآن تحت سيطرتهم، وإنهم سيواصلون كفاحهم ضد الأعداء حتى يتم استئصالهم من المنطقة». وهناك مخاوف من أن يجتاح المسلحون المتشددون الحدود الكينية، وكانت كينيا أغلقت حدودها مع الصومال منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، وقامت عدة مرات بحشد قوات كبيرة على المناطق الحدودية بين البلدين.

من جهة ثانية يعتبر قائد القوة الإفريقية في الصومال (أميصوم) أن الرئيس الصومالي شيخ شريف أحمد لا يزال «شريكا جيدا تستطيع قوة الاتحاد الإفريقي أن تتعامل معه، داعيا مرة جديدة جميع المتناحرين للتفاوض. وقال الجنرال ناثان موجيشا قائد قوة حفظ السلام منذ أغسطس (آب) 2009، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن شريف الذي يترأس الصومال منذ يناير (كانون الثاني) «لا يزال حليفا جيدا يمكن العمل معه في السعي إلى السلام». وأكد الجنرال موجيشا الذي يوجد مقر قيادته عند أطراف مطار مقديشو الدولي: «لا أرى أي فشل، فهو ما زال يتفاوض ويحث (المعارضة المسلحة) على الانضمام إلى الحكومة الانتقالية».

وينتشر نحو 5300 جندي من «أميصوم» حاليا في نقاط استراتيجية عدة من العاصمة لا سيما في المطار والمرفأ وفي «فيلا صوماليا» مقر الرئاسة. وهذه القوات تتدخل لدعم الحكومة الانتقالية التي تقتصر سلطتها على بعض أحياء مقديشو في مواجهة المتمردين الإسلاميين في حركة الشباب المجاهدين وحلفائهم في الحزب الإسلامي.

وقد شن هؤلاء في مايو (أيار) هجوما واسعا في العاصمة أدى حينها إلى ترنح الحكومة الانتقالية التي يتحصن أعضاؤها في مقر الرئاسة.

وأوضح الجنرال موجيشا: «لدينا قنوات اتصال مع الشباب ونحث جميع المتناحرين على وقف الأعمال العدائية». ولفت إلى أن «المجتمع الدولي عليه أن يلعب دورا كبيرا. هو لا يستطيع أن يترك الصوماليين لأمرهم». وتابع أنه عندما «لا تكون مجموعة قادرة على الغلبة فإن الحل لا يمكن إلا أن يكون سياسيا. وقد حان الوقت لكي يفهم الصوماليون ذلك».

واعتبر قائد القوة الإفريقية أن على المتنازعين «أن يكونوا قادرين على احترام الاتفاق الذي توصلوا إليه. ومع دعم المجتمع الدولي فان السلام سيكون دائما». وتتدخل قوة السلام بتفويض من مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي وهي منتشرة في مقديشو منذ 2007 للتحضير مبدئيا لانتشار جنود القبعات الزرق التابعين للأمم المتحدة. ومن المفترض أن يبلغ عددها عند اكتمالها ثمانية آلاف جندي لكن لا يسهم فيها حتى الآن سوى أوغندا وبوروندي.

وأقر الجنرال موجيشا بأن «عددنا محدود وبالتالي أنشطتنا محدودة. وتنفيذ مهمتنا يمثل تحديا إلى حد ما». لكنه أكد أنهم «راضون عن المهمة الحالية، فليس هناك مشكلات» مضيفا أن «قواعد تدخلنا عدلت مؤخرا وباتت تسمح لنا بالضرب بصورة وقائية. والتفويض (الموكل للقوة) مرن جدا وهو يسمح لنا بالعمل وفقا لوسائلنا».

وأكد الضابط ردا على انتقادات بشأن الخسائر في صفوف المدنيين في تبادل إطلاق النار بمدافع الهاون بين أميصوم والمتمردين: «نحاول الحد من عدد الضحايا المدنيين». وأضاف: «نحن هنا لدعم الحكومة الانتقالية ومؤسساتها، ولا نرد إلا بعد كثير من الاستفزازات». وضباط أميصوم يتحلون في رأيه «بدرجة عالية من ضبط النفس».

وقال الجنرال موجيشا الذي أصيب بجروح طفيفة في الهجوم الانتحاري المزدوج على مقره العام في 17 سبتمبر (أيلول) مما أدى إلى مقتل 17 من رجاله بينهم مساعد قائد المهمة إن «الأخطار حقيقية» ما بات الشباب والقاعدة «متكافلين». وخلص إلى القول إن «المهمة معقدة لكنها قابلة للتنفيذ»، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة «تدريب قوات الحكومة الانتقالية لتحل مكان القوات الدولية».