أفغانستان تعرض وظائف وأموالا على عناصر طالبان لجذبهم للحياة المدنية

9000 متمرد سلموا أسلحتهم وأعلنوا موافقتهم على الالتزام بالدستور الأفغاني

TT

جرى تدشين حملة تدعمها الولايات المتحدة بهدف إقناع مقاتلي تنظيم طالبان بالتوقف عن القتال مؤخرا من داخل أحد القصور المزخرفة القائمة هنا في حضور زعامات قبلية أفغانية وأحد كبار لوردات الحرب السابقين. خلال المناسبة، وجه غول أغا شيرزاي، حاكم جلال آباد، حديثه إلى مجموعة مؤلفة من 25 من القيادات القبلية من أربعة أقاليم شرقية: «حسنا، أودّ أيها الرجال أن تخرجوا وتقنعوا طالبان بالتوقف عن القتال والدخول في محادثات». جدير بالذكر أن واشنطن سبق أن وقع اختيارها على شيرزاي لتولي منصب حاكم إقليم قندهار في أعقاب سقوط حكم طالبان عام 2001. وأخبر شيرزاي الحشد رفيع المستوى: «أفعلوا ما يحلو لكم، سأدعمكم دوما». بعد الحديث على امتداد ما يقرب من ساعتين، نهض شيرزاي والزعامات القبلية، وتوجه كل منهم إلى الإقليم الذي ينتمي إليه، واعدا بالشروع في العمل على اجتذاب العدو وإثنائه عن نهجه الراهن. يأتي هذا اللقاء في إطار جهود رامية إلى اجتذاب المقاتلين المحليين والقادة بعيدا عن طالبان من خلال عرض وظائف عليهم في مشروعات تنموية تساعد القيادات القبلية الأفغانية في انتقائها، بينما تتولى المؤسسة العسكرية الأميركية والحكومة الأفغانية سداد الرواتب المرتبطة بها. من خلال ضم القيادات القبلية للمساعدة في اختيار المشروعات التنموية، يأمل الأميركيون أيضا في أن يعزز ذلك موقف الحكومة الأفغانية والشبكات القبلية الخاصة بالبشتون. الملاحظ أن هذه الجهود تركز على الأعضاء والمقاتلين العاديين في صفوف طالبان، ذلك أنه في الوقت الذي تبذل فيه بعض الجهود للتفاوض مع قيادات الجماعات المتمردة الرئيسة، ليست لدى أي من المسؤولين الأميركيين أو الأفغان ثقة كبيرة في احتمالات نجاح مثل هذه المحادثات. جدير بالذكر أن أفغانستان تتسم بتاريخ طويل على صعيد تبديل مقاتليها لولاءاتهم، في بعض الأحيان أكثر من مرة. ومع ذلك، لم تحرز الجهود الرامية إلى إقناع مقاتلي طالبان بالتخلي عن القتال حتى الآن نجاحا كاملا. حتى اليوم، أقدم نحو 9.000 متمرد على تسليم أسلحتهم وأعلنوا موافقتهم على الالتزام بالدستور الأفغاني، حسبما صرح محمد أكرم خابالواك مدير «لجنة السلام والمصالحة» في كابل. إلا أنه في إطار هذه البلاد المعدمة التي تدمرت جراء معاناتها من الحرب طوال 30 عاما، قال الزعماء القبليون إن أعداد أكبر من المقاتلين سترحب بالتخلي عن سلاحها حال توافر شيء أكثر قيمة أمامهم للقيام به في الحياة. في هذا الصدد، قال حاج فاضل رحيم، زعيم قبيلة عبد الرحيم زاي، التي تمتد عبر ثلاثة أقاليم: «ينتمي معظم أعضاء طالبان في منطقتي إلى رجال شباب بحاجة إلى عمل. ليس علينا سوى الإبقاء عليهم مشغولين. إذا قدمنا إليهم عملا، يمكننا إلحاق الضعف بطالبان». في إطار البرنامج الخاص بجلال آباد، من المقرر أن يعمل الزعماء القبليون على التواصل مع قادة طالبان للضغط عليهم كي يبدلوا بولاءاتهم. وفي هذه الحالة، سيعرض على القادة وجنودهم وظائف من قبل برامج التنمية المحلية. من جانبهم، يشكل البشتون، الذين يمثلون لب طالبان، مجتمع قبلي في معظمه، ترتبط الأسر والعائلات في إطاره بصلات قرابة وتتزعمها مجموعات من الشيوخ. على مر سنوات عديدة، لحق ضعف بالغ بقبائل البشتون، حيث انقسمت إلى مجموعات: منها مقاتلو طالبان والمتمردون الذين حاربوا الاتحاد السوفياتي السابق. وكان من شأن تفكك القبائل انهيار المجتمع الأفغاني وتشرذمه بدرجة بالغة. من جانبهم، يأمل مسؤولون أفغان وأميركيون أن تأتي خطة عقد سلام مع مجموعات مقاتلي طالبان مكملة للجهود التي تقودها الولايات المتحدة لتشكيل ميليشيات مناوئة لطالبان في الكثير من أرجاء البلاد، بحيث تساعد قبائل البشتون في قتال طالبان، وإبرام اتفاقات معها. من خلال ذلك، يمكن إعادة تنشيط المجتمع القبلي الأفغاني.

في هذا الصدد، قال أحد المسؤولين العسكريين الأميركيين في كابل يشارك في جهود المصالحة: «نحاول ممارسة ضغوط على القيادات، وفي الوقت ذاته اجتذاب المقاتلين الشباب العاملين تحت إمرتهم. ولا يتعلق هذا الأمر بتقديم حوافز مالية للمتمردين».

الملاحظ أن خطة المصالحة الأفغانية ترمي إلى تكرار تجربة «حركة الصحوة» في العراق، حيث وافقت قيادات قبائل سنية، كان الكثيرون منهم من المتمردين، على وقف القتال، وفي الكثير من الحالات تلقوا أموالا مقابل القيام بذلك. وقد أسهمت الحركة في التراجع الملحوظ في أعمال العنف داخل العراق.

في خريف 2001، خلال الفترة الأولى من الحرب التي قادتها واشنطن في أفغانستان، وافق العشرات من لوردات الحرب ممن كانوا يقاتلون لحساب طالبان على الانشقاق لصالح المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة. ومثل ما حدث في العراق، غالبا ما جرى اجتذاب المنشقين بالمال، الذي جرى توزيعه في بعض الأحيان من قِبل ضباط بالقوات الخاصة التابعة للجيش الأميركي. من ناحية أخرى، في أثناء احتفال عُقد في وقت سابق من هذا الشهر في كابل، ألقى نحو 70 متمردا بأسلحتهم أمام المفوضين ووافقوا على الالتزام بالدستور الأفغاني. وكان بعض هؤلاء المقاتلين قد حاربوا لحساب طالبان، وآخرون لحساب «الحزب الإسلامي»، وهي مجموعة متمردة أخرى. وتنوعت دوافع المتمردين بين إدراكهم الحقيقة وسقوط الغمامة التي كانت على أعينهم والشعور بالإنهاك. من بين المتمردين مولوي فضل الله، ملازم أول في صفوف طالبان استسلم مع تسعة آخرون. قال مولوي: «إلى متى علينا الاستمرار في محاربة الحكومة؟ كم عدد السنوات التي سنقضيها في القتال؟ لقد ضلّلَنا قادتنا، ودمرنا بلادنا». مثلما الحال مع الكثير من المقاتلين الذي أعلنوا تخليهم عن حمل السلاح خلال الاحتفال، حرص مولوي على تغطية وجهه، خوفا من تعرف أقرانه السابقين عليه.