إيران ترد على إدانة الغرب بالتصعيد وتعلن بناء 10 محطات لليورانيوم

طهران تعلن خططا لتخصيب اليورانيوم على أراضيها بنسبة 20% * واشنطن محذرة: تتجهون لانتهاك جديد * مصدر إيراني لـ«الشرق الأوسط»: الحرس الثوري يعتقد أن المغامرة محسوبة العواقب

صورة من الأقمار الصناعية توضح احد المواقع المقترحة لبناء مفاعل نووي بالقرب من مدينة قم جنوب طهران (إ.ب.أ)
TT

في خطوة تصعيدية من شأنها أن تثير ردود أفعال دولية غاضبة وتزيد التوتر بين طهران والمجتمع الدولي، أعلنت إيران أنها قررت بناء 10 محطات جديدة لتخصيب اليورانيوم، موضحة أن العمل في بنائها سيبدأ خلال شهرين. كما أعلنت أنها تبحث إمكان تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% على أراضيها وهو الإعلان الذي سيؤدي حتما إلى حالة قلق شديد في الكثير من العواصم الغربية، إذ إن تخصيب اليورانيوم بتلك الدرجة العالية يقرب إيران بشكل أسرع من إنتاج ما يكفي في اليورانيوم عالي التخصيب اللازم لقنبلة نووية. وتخصب إيران اليورانيوم حاليا إلى مستوى 3.5 % فقط.

وجاء الإعلان الإيراني المباغت بعد يومين فقط من أول قرار إدانة تتخذه وكالة الطاقة الذرية ضد إيران منذ 4 سنوات، إذ طالبت الوكالة طهران بـ«تجميد» بناء منشأة نووية جديدة قرب «قم»، وبتزويد الوكالة في فيينا «بمعلومات عن أهداف هذه المنشأة الجديدة والبرنامج الزمني لأعمال بنائها»، كما طالب القرار طهران بأن «تؤكد» أنها «لم تصدر أي قرار يتعلق ببناء أو الترخيص ببناء أي منشأة نووية من أي نوع كان لم يتم إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية عنها».

وردت واشنطن فورا على الإعلان الإيراني، وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن مضيّ إيران في مشروعها لإنتاج اليورانيوم المخصب وإنشاء محطات جديدة يعني أنها تنتهك مجددا «التزاماتها لجهة تعليق كل أنشطة التخصيب». وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية: «إذا تم المضيّ في هذا الأمر، فسيشكل ذلك انتهاكا جديدا من جانب إيران لالتزاماتها لجهة تعليق كل أنشطة التخصيب، بما فيها بناء مصانع جديدة. فيما أوضح البيت الأبيض في بيان أن الإعلان الإيراني دليل آخر على «عزلة إيران». وقال روبرت غيبس المتحدث باسم البيت الأبيض في بيان: «إذا صح الأمر سيكون هذا خرقا خطيرا آخر لالتزامات إيران الواضحة في إطار قرارات مجلس الأمن المتعددة ومثالا آخر على اختيار إيران أن تعزل نفسها. الوقت يضيق على فرصة إيران لتبديد مخاوف المجتمع الدولي المتنامية بشأن برنامجها النووي». وبدورها اعتبرت بريطانيا إعلان طهران مصدر «قلق بالغ» ومن شأنه أن يشكل انتهاكا لقرارات مجلس الأمن الدولي، بينما قالت المتحدثة باسم الخارجية الألمانية إن برلين تتابع «بقلق» المعلومات المتعلقة بمشروعات إيران لبناء مصانع جديدة لتخصيب اليورانيوم.

ومن غير الواضح ما إذا كان قرار إيران سينفذ فعليا وتخاطر طهران باحتمال خطوات غربية قوية ضدها، أم أن طهران تستغلّ الإعلان كورقة ضغط في إطار مفاوضاتها النووية مع الدول الغربية. وقال مسؤول غربي رفيع المستوى في فيينا إن القرار الإيراني «يعد ردا على قرار وكالة الطاقة دعوة إيران للتعاون بشكل أكبر». وأوضح ذلك المسؤول القريب من ملف إيران لـ«الشرق الأوسط»: «الخطوة الإيرانية لن تحل أي شيء، وأعتقد أنها تعكس إما عدم رغبة إيرانية في التعاون على الإطلاق وإما حسابات إيرانية خاطئة مفادها أنه كلما تشددت طهران كان مناخ التفاوض في صالحها». وكان التلفزيون الإيراني الرسمي أعلن أمس بشكل مباغت ودون تمهيد أن إيران ستبني 10 محطات جديدة لتخصيب اليورانيوم وأن محطات التخصيب الجديدة ستكون بنفس حجم محطة «ناتانز» النووية الرئيسية لتخصيب اليورانيوم وأن العمل في بنائها سيبدأ خلال شهرين. وأضاف التلفزيون أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قال إن إيران تسعى لإنتاج ما بين 250 و300 طن من الوقود النووي كل عام. ونقلت وكالة أنباء «مهر» شبه الرسمية عن علي أكبر صالحي رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية قوله: «سيتم بناء عشر محطات جديدة للتخصيب». وقالت الإذاعة الحكومية إنه تم تحديد مواقع خمس من هذه المحطات وإن العمل في بنائها سيبدأ في غضون شهرين. كما قالت إيران إنها تبحث إمكان تخصيب اليورانيوم حتى 20%. ونقل التلفزيون الإيراني على موقعه على الإنترنت أن أحمدي نجاد أعلن أمس أن الحكومة الإيرانية ستدرس خلال اجتماعها الأربعاء خطة لتخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، مضيفا أنه لن يسمح بإهدار أي من الحقوق الإيرانية. ووفق الخطة التنموية الرابعة فإن الحكومة الإيرانية ينبغي أن تبني محطات نووية لتوليد عشرين ألف ميغاوات من الكهرباء حيث إن الخطوة المهمة في هذا السياق تتمثل في تشييد عشر منشآت نووية لتخصيب اليورانيوم بحجم منشأة ناتانز. وأوضح أحمدي نجاد أنه من أجل تأمين عشرين ألف ميغاوات من الكهرباء فإن هناك حاجة إلى تشغيل 500 ألف جهاز طرد مركزي بالحجم الراهن. ولفت إلى أن إيران وضعت تصميمات لأجهزة طرد مركزي تعمل بطاقة أعلى، لذلك فإن العدد سينخفض لإنجاز هذه المهمة وبمجرد دخولها حيز التدشين فسيتم الاستفادة منها.

وأكد الرئيس الإيراني على ضرورة بلوغ هدف إنتاج وقود نووي يتراوح بين 250 و300 طن لذلك سيتم الاستفادة من أجهزة طرد مركزي جديدة ذات سرعة أعلى.

وتتباين التقديرات، لكن خبراء الانتشار النووي يقولون إن كمية تتراوح بين 1000 و1700 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب لمستوى منخفض إذا تم تحويلها إلى يورانيوم عالي التخصيب تكون كافية لصنع قنبلة ذرية.

وجاءت الخطوة الإيرانية التصعيدية قبل أقل من شهر على المراجعة المفترض أن يُجريها البيت الأبيض في ما يتعلق بنتائج الحوار مع إيران. وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد بدأ ولايته بمد اليد إلى إيران ودعوتها لفتح صفحة جديدة، ثم انخرط في محاولات لإحياء حوار مباشر مع طهران عبر مشاركة واشنطن في مباحثات دول «5+1». ومهدت الخطوة لاجتماع جنيف في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الذي شارك فيه بيل بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الأميركية الذي أجرى أول لقاء مباشر وجها لوجه مع كبير المفاوضين الإيرانيين سعيد جليلي. وتم خلال الاجتماع وضع مسودة اتفاق تخصيب اليورانيوم الإيراني في الخارج مقابل حصول طهران على الوقود النووي لتشغيل مفاعل الأبحاث في طهران، كما تم الاتفاق على عقد اجتماع آخر نهاية أكتوبر، إلا أن طهران لم توافق على مسودة الاتفاق ولم يعقد اجتماع أكتوبر مما ألقى ظلالا قاتمة على احتمال نجاح مساعي إدارة أوباما ببدء حوار ذي مغزى مع طهران قبل نهاية العام الجاري.

وأمام أوباما مهمة صعبة في ما يتعلق بتقييم فعالية سياساته حيال إيران بنهاية العام الجاري. فبعدما شعرت الإدارة الأميركية أنها حققت اختراقا كبيرا بعد اجتماع الأول من أكتوبر في جنيف بعدما لمح الإيرانيون إلى أنهم بصدد الموافقة على مسودة الاتفاق النووي، أدت تطورات الأسابيع الماضية إلى إعلان المحافظين في أميركا أن سياساتهم حيال إيران هي الأكثر فعالية. وأشار مسؤول أميركي مقرب من ملف إيران عمل في إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «أوباما سيجد من سيقول له إن جون بولتون كان على حق في نهاية المطاف، فبولتون قال بعد اجتماع الأول من أكتوبر إن شيئا لن يتغير وإن إيران لن تغير سياساتها. الكثيرون وسط الجمهوريين والكونغرس يرون هذا ويريدون أن يتحركوا انطلاقا من هذه النقطة، مما قد يشكل ضغطا على أوباما الذي يريد أن يستنفد كليا سبل الحوار، قبل فتح باب المواجهة بعقوبات جديدة أو بما هو أشد». وكانت مصادر أميركية مطّلعة قد قالت لـ«الشرق الأوسط» إن ملامح التشدد التي أظهرها أوباما مؤخرا، ومن ذلك مساعي إدارته لاستصدار قرار إدانة من وكالة الطاقة الذرية، قد لاقت استحسانا من الكثيرين، إلا أن آخرين حذروا من أن إيران يمكن أن ترد بشكل عكسي وتميل إلى التصعيد. وفي هذا الصدد قال راي تكي الخبير في «معهد العلاقات الخارجية»بواشنطن الذي عمل مستشارا حول إيران في الخارجية الأميركية إن «السرعة التي يتحرك بها أوباما في الملف قد تأتي بنتائج عكسية»، موضحا: «عندما بدأ هنري كسينغر الحوار مع الصين، استغرقه الأمر عاما كاملا كي يحصل من الصين على كلمة نعم. نحن لا نعطي إيران نفس الوقت ونضغط، وهذا قد يكون سلبيا».

لكن يعترف الكثيرون داخل واشنطن وحتى في إيران أن القرارات النووية في إيران لا تتعلق فقط بالحوار مع الغرب، بل كذلك بتوازن القوى الداخلي. وفي هذا الصدد قال مصدر إيراني مطّلع إن الملف النووي الإيراني بات «الورقة الأساسية» في يد النظام في إطار التجاذب السياسي والخلافات والاستقطاب الذي لم ينتهِ بعد الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) الماضي. وأكد المصدر الإيراني الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» بشرط عدم الكشف عن هويته أن محمود أحمدي نجاد كان ميالا إلى دعم مسودة الاتفاق النووي مع الغرب، وأن المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي لم يكن بعيدا جدا عن فكرة الانفتاح على إدارة أوباما. وتابع: «أرسل أوباما خطابين شخصيين إلى خامنئي تضمنا دعوة للحوار وفتح صفحة جديدة، أكد فيها أوباما أنه لا يريد تغيير النظام في إيران، بل استبدال الحوار والتفاهم بالعداء. وتردد أن خامنئي في لحظة من اللحظات كان ميالا إلى ذلك الطرح على أساس أنها ربما لحظة ذهبية لا تتكرر، إلا أن قادة نافذين بالحرس ومقربين من خامنئي لم يكونوا متحمسين لفكرة الانفتاح على أميركا. وأعتقد أن أهم الأسباب التي سيقت إلى خامنئي في هذا السياق أن الانفتاح يستلزم درجات أعلى من التسامح إزاء المجتمع المدني والمعارضة والإصلاحيين مما يهدد قبضة الحرس والمرشد نفسه في رأى هؤلاء».

ولفت المصدر الإيراني إلى أن الحرس الثوري يعتقد أنه بالتصعيد «يغامر مغامرة محسوبة»، موضحا: «الاعتقاد السائد لدى الكثيرين من نخبة الحرس الثوري أن أميركا لن تهاجم إيران عسكريا خلال عام 2010 وأنها ستمنع إسرائيل من ذلك أيضا بسبب التكلفة الكبيرة للهجوم على إيران. هم يعتقدون أن أقصى ما سيفعله أوباما والدول الغربية خلال العام المقبل هو فرض مزيد من العقوبات على إيران، وهم لا يمانعون في ذلك على أساس أن العقوبات ستشدد قبضة الحرس الثوري على إيران وستعطيهم ذريعة أقوى لمد سيطرتهم ومحو الحركة الإصلاحية».

وتابع: «ما يصلنا أن أحمدي نجاد غير راض عما يحدث لأنه لا يخدم مصالحه، فهو لا يريد ولاية ثانية مكدسة بالمشكلات الاقتصادية، إلا أنه لا يستطيع أن يفعل شيئا، فهو لا يجرؤ على معارضة الحرس الثوري. الشيء الذي ينبغي ملاحظته أنه لم يتحدث كثيرا في الآونة الأخيرة».

وكان الحرس الثوري الإيراني قد عزز سيطرته في الفترة الأخيرة بعدد من القرارات من بينها إنشاء وحدة استخبارات جديدة تضمن 7 أجهزة مستحدثة من بينها جهاز للرقابة على الإنترنت وجهاز استخباراتي يخضع مباشرة لسلطة الحرس والمرشد الأعلى لإيران. كما تم إخضاع المدارس الابتدائية لإشراف الحوزات العلمية عوضا عن إشراف وزارة التعليم الإيرانية.