البرادعي ينهي ولايته بإنجاز بنك الوقود النووي.. ومدير جديد لوكالة الطاقة

أخرج وكالة الطاقة الذرية لدائرة الضوء وجعلها لاعبا محايدا في الملفات الحساسة

TT

تودع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، اليوم، الدكتور محمد البرادعي، وذلك بعد ثلاث دورات متتالية قضاها بين أروقتها بالعاصمة النمساوية فيينا كمدير عام، وكقانوني ومستشار خبر ملفاتها ودرس قضاياها منذ عام 1984.

يغادر البرادعي، الدبلوماسي المصري الجنسية، الوكالة وقد تناصفا عام 2005 جائزة نوبل للسلام، كما يغادرها وقد أمست من أهم الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، وذلك لفاعلية ما تتداوله من شؤون نووية تكتسب يوما بعد يوم المزيد من الأهمية بسبب التركيز على الذرة سواء كانت آمنة الاستخدام أو مدمرة. ولم يغفل البرادعي مطلقا أو يمل من ترداد الحديث على ضرورة الاهتمام أكثر وأكثر حتى لا تتمكن المنظمات الإرهابية من استغلال السلاح النووي والمتاجرة به أو تداوله في سوق نووية سوداء. لم يسلم البرادعي من الاتهام بممالأة مختلف الجهات يمنة ويسرة. ويوم رشحه الأميركيون للمنصب ظن البعض أنه سيكون ميالا لواشنطن والدول الغربية.. لكن سجله كان مخالفا.

فقد وقف البرادعي وقفة قوية معارضا حرب العراق، نافيا وجود أسلحة دمار شامل بعد تلك التي حصرتها الوكالة بتفويض من مجلس الأمن، وهاجمته الولايات المتحدة الأميركية وبذلت جهودا كبيرة حتى لا يعاد ترشيحه لدورة جديدة. أما إسرائيل فقد تجاوز سفيرها كل حدود الدبلوماسية يوم هاجم البرادعي علنا متهما إياه بالتقصير ومحاباة سورية بسبب ما استجد بينهما بعد الهجوم الذي شنته إسرائيل على منطقة دير الزور مدعية أن سورية تعمل على بناء مفاعل نووي.

وبسبب الملف النووي الإيراني أصاب البرادعي ما أصابه من هجوم ونجاحات وإخفاقات. وقد ظلت الأمور ولسنوات بل حتى لحظته الأخيرة بالوكالة متقلبة ما بين يوم تدعم طهران مواقفه ويوم ترميه بتهم القصور والخضوع لمحاولات تسييس الوكالة ومجافاة مهامها الأصلية بتقديم التقنية النووية لدولها الأعضاء.

ورغم ذلك فقد سعت الوكالة تحت قيادة البرادعي لتوفير حل دبلوماسي لقضية الملف النووي الإيراني من دون نجاح، إذ أعلن البرادعي نفسه في آخر كلمة له، أول من أمس أمام اجتماعه الأخير مع مجلس محافظي الوكالة، عن إحساسه باليأس وخيبة الأمل لرد الفعل الإيراني السلبي تجاه مقترحه بتوفير وقود نووي لمفاعل طهران الطبي بنقل 70% من اليورانيوم الإيراني المخصب لمعالجته خارج إيران على أن يعود لها كوقود نووي لتشغيل مفاعلها وتوفير ما تحتاجه من علاجات لأمراض السرطان، ساعيا في الوقت ذاته لنقل اليورانيوم الذي نجحت إيران في تخصيبه، مما سيساعد في تهدئة مخاوف الدول المتشككة في سلمية النشاط النووي الإيراني، ويقلل من خطورة أن تحوله إيران لأسلحة نووية، مما سيؤدي بدوره لتبديد الشكوك وفتح نوافذ لحوار دبلوماسي، ولكسر الحصار الدولي المفروض ضد إيران. إلا أن الانقسامات والتناقضات داخل إيران قد حرمت البرادعي فيما يبدو من الفوز بتمهيد طريق ورصفه لحل دبلوماسي دائم لواحد من أكثر الملفات التي شغلت دورته الأخيرة ونصف دورته الثانية.

في سياق مواز، يجد المتابع أن حكومة كوريا الشمالية قد حسمت سلبا قضية الملف النووي الكوري الشمالي، وذلك بإعلانها الانسحاب كلية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مفاجئة البرادعي ومعاونيه أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2002 بطرد المفتشين الدوليين وخلع كاميراتهم وأجهزتهم للمراقبة، مفضلة الانغلاق على نفسها بحيث لا يعلم احد الآن ماذا يدور بداخلها. فيما ظلت تواصل من حين لآخر الإعلان عن مزيد من التفجيرات النووية.

في جانب آخر، وقبل أكثر من عامين طرأ على منضدة أجندة مجلس المحافظين «الملف النووي السوري» الذي لا يزال مطروحا قيد النقاش، فيما يغادر البرادعي مخلفا من ورائه أصداء نداءاته لسورية بضرورة بذل مزيد من التعاون، ولإسرائيل بمزيد من التعاون، بينما الكل ماض وفق ما يتناسب ومصالحه الذاتية وظروفه القومية.

وبينما نجح البرادعي في إجازة فكرة إنشاء بنك للوقود النووي ترعاه الوكالة، إلا أن تنفيذ الفكرة يجابه الكثير من التساؤلات والتخوفات بسبب اعتراضات من دول مثل مصر لخشيتها من محاولات تسييس تطال قرارات المنح والمنع للوقود النووي.

وإن اختلف الحكم حول إنجازات وإخفاقات فترة البرادعي، إلا أن الاتفاق من دون شك سيتحقق عند الحديث عما بذله من جهد كوسيط أمن وسلام سعى للمساعدة في توفير عالم يخلو من استخدامات شريرة للذرة. وأنه قد عمل بنشاط لمد يد العون للدول أعضاء الوكالة للاستفادة من التقنية النووية السلمية لمزيد من التطور، وأنه قد ترك لخلفه المدير العام الجديد، الياباني، يوكيا أمانو مقعدا جد كبير وملفات نووية ملتهبة.