اليمن: معاناة المحتجزين السابقين في غوانتانامو تزيد المخاوف الأميركية من إطلاق سراح آخرين

تخشى جهات التوظيف الاستعانة بهم ويعتمدون على عوائلهم كمصدر للدعم المالي

TT

منذ عامين، أطلق سراح محسن العسكري من معسكر الاحتجاز في غوانتانامو. ومع ذلك عجز عن نيل حريته أو فرصة بناء حياة جديدة داخل وطنه، حيث تخشى جهات التوظيف من الاستعانة به. ورغم بلوغه الـ28 من عمره، لا يزال يعتمد على والده كمصدر للدعم المالي، وعلى المنظمات الخيرية لتوفير الرعاية الصحية له. مع كل رفض يقابله، تتفاقم مشاعر الإحباط بداخله، وكذلك الإغراءات للعودة إلى حياة الجهاد القديمة. وبصوت مفعم بالمرارة، قال العسكري «لم تفعل الحكومة أي شيء لمساعدتي». كان من شأن أسلوب تعامل اليمن مع المحتجزين السابقين في غوانتانامو والمتطرفين المحتجزين في سجونها إثارة المخاوف إزاء إعادة محتجزين إلى هذه البلاد، التي تعد الأكثر فقرا على مستوى العالم العربي، خشية ألا يسفر ذلك سوى عن خلق مزيد من المسلحين العازمين على مهاجمة الولايات المتحدة. تعد الخلافات الدائرة حول مصير 67 محتجزا يمنيا، يشكلون حوالي 40% من إجمالي سجناء غوانتانامو حاليا، السبب الرئيس وراء تراجع الرئيس أوباما عن وعده بإغلاق منشأة الاحتجاز تلك بحلول يناير (كانون الثاني). كما يساور القلق المسؤولين الأميركيين إزاء الرقابة الواهنة التي تفرضها السلطات اليمنية على الإرهابيين المتهمين. جدير بالذكر أن الكثير ممن سجنوا لتورطهم في تدبير تفجير المدمرة الأميركية «كول» عام 2000، مما أسفر عن مقتل 17 بحارا أميركيا، تمكنوا من الفرار أو أطلق المسؤولون اليمنيون سراحهم. علاوة على ذلك، رفضت الحكومة ترحيل اثنين من مدبري الهجوم المزعومين إلى الولايات المتحدة لمواجهة اتهامات بارتكاب جرائم قتل. بيد أن الامتناع عن إعادة المحتجزين المؤهلين لذلك إلى اليمن أو إرجاء إغلاق سجن غوانتانامو ربما يثير مزيدا من مشاعر الغضب ضد واشنطن ويتسبب في مزيد من الانتشار للتوجهات الراديكالية داخل دولة منهارة بها وجود متزايد لتنظيم «القاعدة»، حسبما حذر دبلوماسيون ومسؤولون يمنيون ومحللون. المعروف أن الحكومة اليمنية طالبت بترحيل محتجزيها في غوانتانامو، متعهدة بالعمل على إعادة تأهيلهم. لكن المسؤولين الأميركيين لا يثقون في قدرة اليمن على الحيلولة دون معاودة المقاتلين السابقين الانضمام إلى «القاعدة». في هذا الإطار، أوضح خالد الأنسي، المدير الإداري لـ«هود» (HOOD)، وهي جماعة يمنية تعنى بحقوق الإنسان، أن «عندما يفقدون الأمل في حياة كريمة، عندما يشعرون بأنهم موتى، ربما سيشجع ذلك البعض على التحول إلى تفجيريين انتحاريين، سعيا للانتقام». بوجه عام، تجابه الحكومة المركزية الضعيفة في اليمن أزمات عدة، بينها وجود حركة انفصالية في الجنوب وخوضها حربا أهلية ضد المتمردين الشيعة في الشمال. في تلك الأثناء، تقيم «القاعدة» ملاذات في الجنوب والشرق. وتتفاقم مشكلات البلاد جراء ارتفاع معدلات الأمية والبطالة وانحسار مخزونات النفط والمياه. منذ تفجير المدمرة «كول»، شن مسلحو «القاعدة» عشرات الهجمات، بينها عملية هروب ضخمة عام 2006 من سجن مركزي في العاصمة، صنعاء. ومن بين الهاربين ناصر الوحيشي، الذي أصبح لاحقا زعيم تنظيم «القاعدة» داخل شبه الجزيرة العربية. العام الماضي، دبرت المجموعة الخاضعة لإمرته عدة تفجيرات لسيارات مفخخة خارج السفارة الأميركية، مما أدى إلى مقتل 16 شخصا، بينهم المهاجمون الستة. حتى الآن، عاد 15 محتجزا إلى اليمن. وقد أطلق سراحهم جميعا من غوانتانامو، نظرا لأنه لم يجر النظر إليهم كمصدر تهديد أو عدم توافر أدلة كافية لمحاكمتهم بتهمة التورط في الإرهاب. من جانبه، اعترف العسكري بأنه كان جندي مشاة لصالح «طالبان» في أفغانستان، لكن لم تكن له أي صلة بـ«القاعدة». يذكر أن القوات الأميركية ألقت القبض عليه في باكستان في أواخر عام 2001 وأرسلته إلى غوانتانامو. في ديسمبر (كانون الأول)، عاد إلى اليمن. وألقي به في أحد السجون الحكومية لمدة 45 يوما، ولم يطلق سراحه سوى بعد موافقة أحد رجال الأعمال على توقيع «تعهد» بأن العسكري لن يسبب أي مشكلات. وقد كلف هذا التعهد أسرة العسكري 30.000 ريال، أي ما يعادل 150 دولارا، وهو مبلغ باهظ هنا. من ناحيته، قال العسكري، وهو أعزب ويعيش في مدينة تياز، الواقعة جنوب اليمن «من الأسهل دفع كفالة لإطلاق سراح لص عن شخص كان في غوانتانامو». من جانبهم، تؤكد جماعات معنية بحقوق الإنسان ومسؤولون استخباراتيون يمنيون أنه لم يعاود أي من المحتجزين المطلق سراحهم الانضمام إلى «القاعدة». لكن الغالبية العظمى منهم لا تزال غاضبة وحانقة، وعاجزة عن التخلص من عار غوانتانامو. يذكر أنه تحت ضغوط من الولايات المتحدة، تبقي اليمن على رقابة وثيقة على هؤلاء الأشخاص. كلما ازدادت مشاعر الإحباط، ارتفعت احتمالات تحولهم مجددا إلى التطرف، حسبما حذر أنصار لحقوق الإنسان. وحذر العسكري من أنه «حال عدم القيام بشيء لمساعدتهم، قد يعاود بعضهم الانضمام إلى (القاعدة)». يذكر أنه من بين اليمنيين المتبقيين في غوانتانامو، أشار تقرير مراجعة اشتركت في وضعه عدة وكالات بقيادة فريق عمل من وزارة العدل أن هناك 34 فردا مؤهلا لإطلاق سراحه. إلا أن العديد من المحتجزين صدر تصريح بحقهم يتيح فقط إمكانية مشاركتهم في برنامج إعادة تأهيل في السعودية يحظى بتقدير بالغ، حسبما أوضح مسؤول أميركي في واشنطن، رفض الكشف عن هويته بسبب الحساسية الدبلوماسية لهذه القضية. إلا أن السعودية، من ناحيتها، رفضت فكرة ضم يمنيين إلى برنامجها. هذا العام، تعهد الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، ببناء مركز لإعادة التأهيل على غرار آخر قائم في السعودية. وأكد دبلوماسيون غربيون أن هذا الوعد لم يتحقق بعد.

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»