أطفال الزيجات المختلطة.. التحدي الأكبر أمام كوريا الجنوبية

استقدام أجنبيات للزواج أمام نقصان الذكور أبرز جيلا متنوع الثقافات لكنه معزول اجتماعيا

TT

قبل أعوام قليلة، كان عدد النساء الحوامل داخل هذه المدينة قد تراجع بنسبة كبيرة لدرجة أن جناح الولادة داخل مستشفى يونغوانغ العام المكون من غرفتين للتوليد على وشك تجميد عمله. ولكن هذا الجناح، أصبح، حاليا، مشغولا من جديد. وتكمن المفاجأة الأكبر في تركيبة هذه الزيادة في عدد المواليد، حيث نجد أن الأطفال يعودون لأصول عرقية مختلطة، فآباؤهم كوريون ولكن الأمهات جئن من الصين أو فيتنام أو غيرهما من الدول الآسيوية. وقد أصبحت هناك ثقافات متعددة داخل هذه العائلات لدرجة أن هناك من الممرضات من تقلن إن عليهن تعلم التعامل بأربعة لغات. إنها قصة شائعة في أنحاء كوريا الجنوبية، حيث هاجرت مئات الآلاف من النساء الأجانب خلال الأعوام الأخيرة إلى هنا، ويحدث ذلك في الأغلب من خلال زيجات يديرها سماسرة. وتغطي هذه النسوة النقص في النساء الكوريات المؤهلات للزواج لا سيما داخل المناطق الريفية التي تعاني من ضعف في التنمية مثل المناطق الريفية الموجودة جنوب غرب البلاد. وتمثل الظاهرة تحديا كبيرا للمجتمع حتى يستوعب هؤلاء الأطفال ذوي الأصول الإثنية المختلطة. وعموما، تعد كوريا الجنوبية أكثر انفتاحا على التنوع الإثني مقارنة بغيرها من الدول الآسيوية التي بها أقليات صغيرة نسبيا، كما هو الحال مع اليابان. ولكن ذلك، لا يعد جيدا بالنسبة لهؤلاء الأطفال الذي يعرفون على نطاق واسع هنا باسم «الكوريون الآسيويون».

وتقول كواك أوك جا، 48 سنة، رئيسة التمريض بقسم الولادة في مستشفى يونغوانغ العام: «نحن من نخرج هؤلاء الأطفال إلى الحياة، ولكن في بعض الأحيان نشعر بالقلق حيث يجب أن يتعامل المجتمع مع التحيز الموجود ضد هذه العائلات». ويشار إلى أن ثلث المواليد داخل مستشفى يونغيانغ العام منذ بداية العام، والبالغ عدهم 132 مولودا، أطفال من أصول إثنية مختلطة، مع أنه لم يكن هناك أي مولود بهذه الصورة قبل عشرة أعوام. وتعد الزيادة في عدد المواليد ذوي الأصول المختلطة نتيجة لنمو كبير مشابه هنا في حالات الزواج من أجانب، حيث دفعت الزيادة في عدد العزاب وانتقال النساء المؤهلات للزواج إلى مدن كبرى مثل سيول الرجال الكوريين داخل المناطق الريفية إلى البحث عن عروس في مناطق أكثر فقرا داخل آسيا. كذلك، فإن الميل إلى الأطفال الذكور أي إلى نقصان عدد النساء في البلاد. وتقول وزارة الأمن العام، إن العدد الإجمالي للأطفال القادمين من عائلات متعددة الثقافات داخل كوريا الجنوبية ارتفع إلى 107.689 في مايو (أيار) من العام الحالي مقارنة بـ58.007 سجلت في ديسمبر (كانون الثاني) على الرغم من أن الوزارة قالت إنها ربما تكون قد سجلت عددا أقل بنسبة بسيطة خلال العام الماضي. ويتعلق ذلك فقط بنحو 1 في المائة من قرابة 12 مليون طفل في كوريا الجنوبية أقل من 19 عاما. ولكن إذا استمرت حالات الزواج من الأجنبيات في الازدياد بالمعدل نفسه الحالي (بلغت نسبة هذه الحالات 11 في المائة من مجمل حالات الزواج المسجلة العام الماضي) فإن أكثر من واحد لكل تسعة أطفال يمكن أن يكون من أصول مختلطة بحلول 2020، حسب ما يقوله باحثون ديموغرافيون. ويَظهر هذا الاتجاه بدرجة أكبر داخل المناطق الريفية، حيث تقع معظم حالات الزواج من هذا النوع. ومن بين أسر المزارعين نجد أن 49 في المائة من كافة الأطفال سيكونون متعددي الثقافات بحلول 2020، حسب ما تفيد به وزارة الزراعة. وتأتي هذه الزيادة مع تراجع معدل المواليد الإجمالي داخل كوريا الجنوبية إلى 1.22 طفل لكل امرأة في عمر يؤهلها للحمل، ويعد ذلك من أقل معدلات المواليد في العالم. ورغم أن الكثير من الكوريين يقولون إنهم يأملون في أن يساعد العدد المتزايد من الأطفال المختلطين على بعث الشباب في مجتمعهم الذي يشيخ سريعا، فإنهم يقولون أيضا إنهم يخشون من أن العجز عن استيعابهم يمكن أن يؤدي إلى ظهور طبقة منعزلة فقيرة من الأقليات الإثنية كما يرون داخل الولايات المتحدة وأوروبا. وقد بدأت الزيادة في عدد الأطفال ذوي الأصول المختلطة في الدفع لعملية قومية لمعرفة ماذا يعني أن يكون المرء كوريا. ورغم أن معظم هؤلاء الأطفال لهم آباء كوريون ويحملون الجنسية الكورية، فإن أثنيتهم المزدوجة تضفي عليهم وضعية تحفوها الشكوك. والزيادة في عدد الأطفال الذين يعودون إلى أصول مختلطة حديثة لدرجة أنه لم يصل إلى سن المدرسة الابتدائية سوى عدد قليل منهم. وتقول وزارة التعليم إن عدد المتسربين من المدارس بين الأطفال الذين يعودون إلى أصول مختلطة من المدرسة الابتدائية يبلغ 15.4 في المائة، ويزيد ذلك 22 ضعفا عن المعدل الوطني. ويقول خبراء اجتماعيون إن جزءا من المشكلة هو ضعف مهارات التحدث باللغة الكورية لدى الأمهات مما يمنعهم من لعب الدور الاجتماعي المتوقع بخصوص إرشاد الأطفال عبر المنظومة التعليمية. ومما يضاعف من المخاطرة حقيقة أن معظم النساء الأجانب يتزوجن من عمال يدويين أو مزارعين أكبر في السن. وتعيش 53 في المائة من العائلات المختلطة على دخول تمثل أقل دخول على المستوى الوطني (4 آلاف وون أو أقل من 3.50 دولارا في الساعة) حسب ما ذكرته وزارة الشؤون الاجتماعية. ومع ذلك، يقول خبراء اجتماعيون إن التهديد الأكبر للأطفال ذوي الأصول المختلطة هو أنهم سيكونون منبوذين داخل مجتمع بدأ يعرف التنوع الإثني بعد أن دفع النقص في عدد العمال كوريا الجنوبية إلى قبول عمال أجانب خلال التسعينات. وأكدت دراسات حديثة على المخاطرة وأظهرت أن الأطفال الذين يعودون إلى أصول مختلطة أكثر عرضة إلى العنف الأسري أو أعمال العنف داخل المدارس. (* خدمة «نيويورك تايمز»)