استعدادات القوات الأميركية للحرب في قرية أفغانية بتكساس

على مساحة 100 ألف فدان بها أكواخ من الطمي وقرويون يجيدون لغة البشتون

جنود يرتدون ملابس «طالبان» خلال تدريبات في القرية الأفغانية (نيويورك تايمز)
TT

تدور معركة حامية الوطيس مع متمردين مسلحين بالقرب من مسجد ذي قبة ذهبية اللون، بينما انهمكت طائرة مروحية في نقل ضحايا انفجار سيارة مفخخة. وفي الوقت ذاته، يجري اجتماع مع عدد من الزعامات القبلية المستاءة من تردي الأوضاع الأمنية.

هل هذه المشاهد تمثل مجرد يوم آخر في أفغانستان؟ في الواقع، تنتمي المشاهد إلى تدريبات يجريها الجيش الأميركي داخل قاعدة في غابة صنوبرية على مساحة 100000 فدان بالقرب من حدود تكساس.

هنا، يستعد آلاف الجنود للانتشار شهريا من خلال الاضطلاع بدوريات داخل قرى أفغانية جرى بناؤها على مجموعة من المصممين المحترفين. وخلال التدريبات، يشتبك الجنود مع متمردين، يقوم بأدوارهم جنود أميركيون أيضا. علاوة على ذلك، يدخل الجنود الأميركيون في مفاوضات مع عناصر تمثل كبار الزعامات القبلية، ممن يجيدون لغة البشتون.

يطلق على هذه التدريبات «مكافحة التمرد 101» (كاونتر إنسرجنسي 101)، وتتميز بأكبر صبغة واقعية ممكنة تسمح بها بيئة لويزيانا. وتعج المنطقة بمستنقعات بها تماسيح وأكواخ مبنية من الطمي، وبـ«قرويين» أفغان يعملون على تقليب آنية الأرز والغلال ما بين غارة وأخرى لتنظيم طالبان. جرت صياغة سيناريوهات التدريب اعتمادا على تقارير استخباراتية حديثة ترد من الجبهة. وأشار القادة إلى أن التدريبات تدفع أحيانا الجنود ممن يعانون من ضغط عصبي شديد إلى حافة البكاء.

من جهته، علق كولونيل جون إس ليهر، المشرف على عملية التدريب، بقوله: «نرغب في محاكاة البيئة المعاصرة للعمليات، لكن علينا أن نعد الجنود للأيام الأسوأ التي قد يواجهونها».

الملاحظ أن عملية التدريب، التي يتولى «مركز التدريب والاستعداد المشترك»، التابع للجيش، الإشراف عليها، ازدادت تعقيدا بمرور السنوات، مثلما الحال مع مهمة الجيش ذاتها. تتضمن كل جولة ممتدة لثلاثة أسابيع أكثر من 2000 عامل في مجال الدعم، من كتاب وخبراء لوجستيين ممن يقضون أكثر من عام في صياغة سيناريوهات، بجانب خبراء المفرقعات الذين يتولون صناعة المتفجرات والمئات من الأفراد الذين يضطلعون بأدوار تمثيلية في التدريبات، وينتمون في حقيقة الأمر إلى مدن في لويزيانا أو الجالية الأفغانية المهاجرة وتجري الاستعانة بهم كي يسكنوا في قرابة 12 قرية أفغانية تم بناؤها في منطقة التدريبات.

وتشكل هذه التدريبات تقدما كبيرا عما كان عليه الحال منذ 40 عاما، عندما وقع الاختيار على فورت بولك لتكون قاعدة تدريبية ضخمة لوحدات المشاة الخفيفة، نظرا لمناخها الاستوائي وغاباتها الكثيفة التي بدت مثالية لإعداد الجنود لخوض الحرب في فيتنام. منذ ذلك الحين، ساهمت هذه القاعدة في إعداد الجنود على قتال الجيش السوفياتي في أوروبا، وتنفيذ مهام لحفظ السلام في البوسنة وغزو العراق.

بيد أن التركيز الآن ينصب على أفغانستان وجهود مكافحة التمرد بها، التي ترمي إلى حماية المراكز السكانية وبناء حكومة محلية، الأمر الذي يعني أن التدريبات الجارية في فورت بولك لا تقتصر على المناورات القتالية فحسب، وإنما تمتد لأمور مثل تهدئة الجماهير الغاضبة والعمل إلى جانب القوات الأفغانية والتودد إلى الزعامات القبلية التي لا تتحدث الإنجليزية.

وقد سلطت زيارة قمنا بها مؤخرا إلى فورت بولك الضوء على مدى تغلغل جهود مكافحة التمرد في التدريبات الجارية هناك.

في إطار مواقف يجرى تنقيحها وتحديثها يوميا، جرى الضغط على قادة مجموعات قتالية من اللواء الثالث، «الفرقة 101» المحمولة جوا ـ التي من المقرر نشرها في أفغانستان مطلع العام المقبل ـ لاتخاذ قرارات بالغة الأهمية من شأنها تحديد ما إذا كانت أخطار ما تستهدف قواتهم.

في أحد المواقف، ألقت إحدى الوحدات القبض على متمرد يحمل رشوة إلى عمدة محلي. وهنا، واجه قائد مجموعة الجنود معضلة، هل ينبغي أن يلقي القبض على العمدة أم يسعى إلى كسب صداقته؟ وأخيرا، اختار القائد الخيار الأخير وصادر المال لصالح القرية الأفغانية التي يترأسها العمدة، واعدا أهلها بتوفير مزيد من المساعدات في المستقبل. ونظرا لاتباع هذه الوحدة النهج الصحيح في إطار استراتيجية مكافحة التمرد، تلقت الوحدة مكافأة، لكن احتفال تكريمها ألغي جراء وقوع تفجير انتحاري.

في ظل سيناريو آخر، توجه متدرب يضطلع بدور عميل يتبع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وأخبر ضابطا شابا (لفتنانت) بأن لديه معلومات حول اختباء متمرد بالغ الأهمية في مبنى قريب. وطالب اللفتنانت بإصدار أوامر لشن ضربة جوية ضد المكان. ووافق اللفتنانت.

إلا أن هذه الاستجابة جاءت خاطئة، لأنه، تبعا لأحدث السياسات التي أقرها جنرال ستانلي إيه ماكريستال، قائد القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان، ينبغي تفحص أي قرار بشن ضربات جوية من قبل ضباط ذوي مرتبة أعلى لتجنب سقوط ضحايا مدنيين.

* خدمة «نيويورك تايمز»