مسؤول إعلامي بحزب الله: لا يمكن إلغاء البعد الديني للحزب ولكنه يقرأ الأمور اللبنانية بموضوعية ومدنية

الحزب من «النظام الكافر» في 1985 إلى «الدولة الراعية» في 2009

TT

انشغل لبنان أمس بتداعيات إعلان حزب الله دستوره السياسي الجديد الذي اختلفت القوى السياسية في توصيفه، وإن أجمعت على كونه يشكل «قفزة» في أداء الحزب السياسي، مع اختلاف في تقييم مدى فعالية هذا التغيير وأهميته. وتعتبر هذه الوثيقة بمثابة «الجمهورية الثانية» في أداء حزب الله، بعد البيان التأسيسي الأول الذي دخل الحزب تحت إطاره في العمل السياسي اللبناني في أوائل التسعينات، وفيه قفزة نوعية في توصيف الدولة اللبنانية التي لم يكن الحزب يعترف بها آنذاك ويعتبر نظامها «مجرما وكافرا». واللافت أن الحزب اختار لحظة سياسية هامة في تاريخ لبنان لإعلان وثيقته الجديدة، بعدما كان قد امتنع عن إصدار وثيقة مماثلة عام 1990 بعد إقرار الطائف أو عام 1992 عند إجراء أول انتخابات نيابية دخل فيها الحزب في البرلمان اللبناني.

تقول مصادر في حزب الله لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الوثيقة اقتصرت على البعد السياسي وابتعدت عن البعد «العقائدي ـ الآيديولوجي»، دون أن يعني هذا عدم وجود تقدم نوعي في نظرة الحزب الداخلية والإقليمية والخارجية. وأشارت المصادر إلى أن الوثيقة تضمنت اعترافا بالتنوع في المجتمع اللبناني والمجتمعات العربية، وتجنبت مهاجمة الأنظمة، بل دعتها إلى التعاون، معتبرة أن في هذه الخطوة انفتاحا من قبل الحزب على الأنظمة العربية و«واقعية كبيرة» تعمل على تحسين الأداء بدلا من السعي إلى نسفه واستبداله. ومشيرة إلى أن الحزب ابتعد عن «الوسائل الانقلابية» التي طبعت العمل الثوري في العالم العربي انطلاقا من تفهمه لواقع وجود «خصوصيات» في البلدان والمجتمعات العربية، وانطلاقا من أن محاولة الانقلاب على هذا الواقع قد تؤدي إلى انتكاسة في ملف التقارب وإلى إيجاد «دينامية تفتيت» يخشاها الحزب.

وتشير مصادر الحزب إلى أن وثيقة التفاهم التي وقعها الحزب مع التيار الوطني الحر بقيادة العماد ميشال عون عام 2006 كانت «نقلة نوعية» في أداء الحزب. معتبرة أن توقيعه على النقاط العشر مع تيار مسيحي علماني واعتماده خطابا لبنانيا بالكامل كانت بداية الوصول إلى هذه الوثيقة التي أعلنت بالأمس. ولا يرى عضو كتلة نواب حزب الله نواف الموسوي «تغييرا نوعيا» في مواقف الحزب الجديدة التي تضمنتها الوثيقة، مشيرا إلى أن ما قالته الوثيقة، قاله سابقا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله وتقوله قيادات الحزب في الخطابات والكلمات والمناسبات العامة. معتبرا أن هذه الوثيقة لم تأت بجديد سوى أنها «أطّرت» في وثيقة كل ما كنا نقوله. وكشف الموسوي لـ«الشرق الأوسط» عن أن «الحزب كان بصدد إعداد وثيقة ثانية عام 2000، لكننا انشغلنا بافتتاح مرحلة جديدة من العمل المقاوم بعد تحرير معظم الأراضي اللبنانية في ذلك التاريخ». مشددا على أن «توقيت إعلانها الآن يرتبط بأن الحزب خاض تجربة ليس لها مثيل في حركات المقاومة منذ عام 2005 وحتى اليوم، وقد عكسنا هذا الجو في الوثيقة».

ويشير الموسوي إلى أن «قيادات الحزب كانت تصطدم في السابق، عندما يأتي باحثون إلى لبنان للبحث في تجربة المقاومة وحزب الله، بواقع أنه لا يوجد سوى وثيقة صادرة عام 1985»، وأضاف: «ولما كانت الأوضاع تغيرت، أملت تغييرا في الأحكام».

وفيما اعتبر المسؤول عن الإعلام الإلكتروني في حزب الله حسين رحال «أنه لا يمكن إلغاء البعد الديني لحزب الله»، لافتا إلى أن «الحزب يقرأ الأمور السياسية اللبنانية بموضوعية ومدنية، وهو حزب مدني ذو بعد ديني».وقال عضو كتلة نواب الحزب النائب علي فياض إن «ورقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر شكلت أحد المصادر التي استندت إليها الوثيقة السياسية للحزب»، لافتا إلى أن «هناك فقرة في وثيقة حزب الله أخذت على النحو الحرفي من ورقة التفاهم وتحديدا ما يتصل بطبيعة النظام السياسي لناحية كونه نظاما توافقيا والاستمرار في اعتماد التوافقية ما لم نصل إلى ديمقراطية حقيقية». ولفت إلى أن «الروحية التي صيغت فيها ورقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر إنما كانت حاضرة في كل الجوانب التي استندت إليها الوثيقة، بشكل أو بآخر فيما يتعلق بالشأن اللبناني»، معتبرا أن «ورقة التفاهم بين الحزب والوطني الحر كانت بالمعنى السياسي نوعا من التأسيس لهذه الوثيقة فيما يتعلق بالشأن اللبناني». وردا على سؤال عما إذا قصد في الوثيقة تأكيد لبنانية حزب الله، شدد فياض على أن «هذا الكلام فيه شيء من الإساءة إلى الحزب لأن الحزب لا يحتاج لتأكيدات على لبنانيته، ولكن فيما يتعلق بالمقاربة السياسية للقضايا اللبنانية، أصبح حزب الله في الوثيقة أكثر وضوحا في الشؤون اللبنانية التفصيلية الداخلية». وشدد على أن «الوثيقة الراهنة هي وثيقة سياسية بامتياز محكومة تماما بقرار نهائي لدى حزب الله بالتعاطي مع الشأن السياسي اللبناني من موقع احترام الخصوصية اللبنانية واحترام التعددية اللبنانية واعتبار ركيزة أي موقف سياسي شرعي يجب أن ينتمي إلى التمسك بالعيش المشترك»، لافتا إلى أن «هذه الوثيقة تقوم على التطور وعلى التحديث وعلى الأخذ بعين الاعتبار كل ما يحيط بالبلد من تعقيدات».

وفيما يشير أمين سر تكتل «التغيير والإصلاح» النائب إبراهيم كنعان إلى وجود إجماع على بدء ظهور الخصوصية اللبنانية عند حزب الله. يرى النائب عقاب صقر، عضو تكتل «لبنان أولا» الذي يرأسه رئيس الحكومة سعد الحريري، أن «تطور حزب الله بطيء مقارنة بعمره الزمني، وإن كان تطورا مقبولا». مشيرا إلى أن بين الخطاب السياسي السابق للحزب الذي كان يصف النظام اللبناني بالنظام الكتائبي العميل، وبين الآن مسافة شاسعة إذ تحولت المطالبة بإسقاط «النظام الجائر» كما ورد في الوثيقة الأولى إلى مطالبة بالوصول إلى دولة ترعى الجميع مما يشكل قفزة نوعية، وإن تكن متأخرة بعض الشيء. وإذ لاحظ صقر أن الحزب تطور في نظرته إلى العالم العربي وانتقل من الاتهام بالعمالة والتبعية إلى الحديث عن مفهوم الوحدة، أشار إلى استمرار وصفه الغرب بالأوصاف «الشيطانية»، رغم اعترافه بوجود تطور في هذا الموضوع وابتعاد الحزب عن «النظرة القاعدية» (نسبة إلى تنظيم القاعدة) التي تقسم العالم إلى دار الإسلام ودار الكفر.

وأشار صقر لـ«الشرق الأوسط» إلى «إيجابية تتمثل بتوجه حزب أصولي إسلامي إلى مسيحيي الشرق معترفا بدورهم ووجودهم»، ورأى أن العمل على طمأنة المسيحيين في لبنان يحتاج إلى أكثر من النصوص، بالانتقال إلى عمل ملموس. ويقول: «مسيحيو الشرق ولبنان تحديدا يقلقهم كل فائض قوة يتجاوز سقف المؤسسات التي تحميهم، أي مؤسسات الدولة. ولهذا كان السلاح الفلسطيني عامل قلق لديهم في الستينات ثم العامل السوري، وكذلك العامل الإسرائيلي الذي أقلق المسيحيين رغم تعامل بعضهم معها»، مشيرا إلى أن سلاح حزب الله يأتي اليوم في مصاف «فائض القوة».

ورأى صقر أيضا أن الحزب لم يستطع في وثيقته أن يطمئن المسيحيين واللبنانيين عموما حول سلاحه الذي ربطه بالعدوانية الإسرائيلية ووضعه إلى جانب سلاح الجيش دون أن يذكر أيهما يتقدم على الآخر، وأرسى ثنائية تقلق المسيحيين واللبنانيين معا. مشيرا إلى أنه في الملف الفلسطيني تحدث الحزب عن «دعم» لا عن مجرد مساعدة، مما يعزز الشعور بعدم زوال فكرة تحرير القدس من الخطاب السياسي للحزب.

أما في الملف الداخلي، فلم يقتنع صقر بما ساقه الحزب في وثيقته عن الطائفية السياسية والديمقراطية التوافقية. وقال: «صحيح أن نصر الله قال بعدم إلغاء الطائفية السياسية الآن، إلا أنه اشترط الديمقراطية التوافقية حتى الإلغاء والتي تعني أن كل حكومة ستكون حكومة وحدة وطنية وأن الثلث المعطل يجب أن يبقى بيد الأقلية». وختم مشيرا إلى أن النص الذي قدمه الحزب محكوم بالنظرة الآيديولوجية بلغة مسيسة حديثة. معتبرا أنه حافظ فيها على موقعه الأساسي فلم يتحدث عن «وطن نهائي»، بل عن وطن ولم يتكلم عن هوية، فبقيت هويته هوية الأمة الإسلامية، محافظا على مرتكزات الحزب الأصولي مع التطعيم بنص حديث.