منظمات حقوقية أميركية: النغمة الجديدة في واشنطن «انتخابات حرة نزيهة» في السودان

في البداية كانت تريد تدخلا عسكريا في دارفور.. ثم أرادت مثول البشير في لاهاي.. والآن تحولت نحو الانتخابات

TT

مع عودة الجنرال المتقاعد سكوت غرايشن، مبعوث الرئيس باراك أوباما للسودان، إلى واشنطن بعد رابع زيارة له للسودان، خالي الوفاض، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بيانا شككت فيه في حرية ونزاهة الانتخابات العامة التي حدد لها شهر أبريل (نيسان) القادم. وأيضا شككت في حرية ونزاهة الاستفتاء في جنوب السودان الذي حددت له سنة 2011. لكن، يبدو أن أميركا تريد الضغط على التحالف الحاكم بين حزب المؤتمر (بزعامة الرئيس عمر البشير)، والحركة الشعبية (بزعامة سلفا كير) لتجرى انتخابات حرة ونزيهة أكثر من إعلانها بأن الانتخابات لن تكون حرة ونزيهة.

لكن التغير الكبير الذي حدث في السياسة الأميركية الجديدة نحو السودان أحدث تغيرات في مواقف منظمات ومراكز أميركية ظلت تعادي حكومة الرئيس السوداني، عمر البشير. في البداية، كانت تريد تدخلا عسكريا أميركيا في دارفور، ولكن بعد حدوث هدوء نسبي في دارفور، عقب سياسة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، «المعتدلة»، تريد مثول البشير في لاهاي، حيث كانت محكمة الجنايات الدولية أمرت بالقبض عليه بسبب ما قالت إنها إبادة في دارفور.

الآن، يبدو أن هذه المنظمات والمراكز المعادية بدأت تحول أنظارها من مشكلة دارفور ومشكلة البشير إلى الانتخابات العامة. وبدأت تشكك في نية الرئيس البشير في إجراء انتخابات «حرة ونزيهة». مؤخرا، أصدرت واحدة من هذه المنظمات، منظمة «إيناف» (كفاية)، تقريرا قالت فيه: «يشتهر حزب المؤتمر الحاكم بتجاهل حكم القانون، ومحاكمة المعارضين، والتملص من اتفاقيات هامة. لماذا نصدق أن حزب المؤتمر سوف يتصرف بنزاهة بالنسبة للانتخابات؟ وما هي ضمانات منعه من الغش؟ وكيف ستجرى الانتخابات في دارفور وهناك ثلاثة ملايين دارفوري مهجرين، داخل السودان، وفي الخارج؟ وكيف ستجرى الانتخابات في الجنوب مع اقتراب فصل الأمطار، وقلة خبرة الناس بالعملية الانتخابية؟».

في الوقت نفسه، دعا معهد «هيرتدج»، الذي ينتمي إلى الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري، الرئيس أوباما إلى «تدخل كبير وأساسي، وتقديم مساعدات» في السودان، ليضمن أن الانتخابات ستكون «حرة ونزيهة». وحذر التقرير أوباما من أن الرئيس البشير سوف «يتحايل»، ولا يجري انتخابات «حرة ونزيهة»، أو لا يجري أي انتخابات. وأيضا، حذر التقرير من أن الانتخابات ستكون «صعبة، في أحسن احتمال». وذلك بسبب «غياب تقاليد ديمقراطية، وغياب مؤسسات حديثة في السودان، وخصوصا في جنوب السودان». وأن كل الانتخابات، أو بعضها، ربما سيؤجل «لأسباب فنية مشروعة، أو لمؤامرة» من جانب الرئيس البشير.

وشك التقرير في قدرة أوباما على التغلب على الرئيس البشير والذين يحكمون السودان معه. ووصفهم بأنهم «قطاع طريق». وأضاف التقرير أنه، لهذا السبب وأسباب أخرى، يجب على أوباما التأكد من أن الانتخابات ستكون «حرة ونزيهة». ويمكن القول إن النغمة الجديدة في أميركا، في ما يخص السودان، ستكون «انتخابات حرة ونزيهة».

إلى ذلك، تقول الحكومة الأميركية إنها «قلقة» من أن الانتخابات لن تكون كذلك. وفي جانب، تقول منظمات ومراكز معادية للرئيس البشير إنها «متأكدة» من أن الانتخابات لن تكون كذلك. في جانب، يأمل الرئيس أوباما والجنرال غرايشن أن ينجحا في الضغط على البشير (وعلى سلفا كير)، وفي جانب، تقول هذه المنظمات والمراكز إن لا فائدة من الضغط.

لا بأس، في كل الأحوال، تبدو أن هناك فرصة لإجراء انتخابات «حرة ونزيهة» في السودان. بل إن الاختلاف بين أوباما والمنظمات ربما بادرة طيبة بأن الأميركيين، كلهم، حريصون على تأسيس الديمقراطية الرابعة في السودان. في سنة 1956، سنة الاستقلال، بدأت الأولى، حتى أسقطها، بعد سنتين، الفريق عبود. وفي سنة 1964، بدأت الثانية، حتى أسقطها، بعد خمس سنوات، المشير نميري. وفي سنة 1985، بدأت الثالثة، حتى أسقطها، بعد أربع سنوات، المشير البشير.

حكم عبود ست سنوات، حتى أسقطته ثورة شعبية، وحكم نميري ست عشرة سنة، حتى أسقطته ثورة شعبية.

والآن يحكم البشير عشرين سنة. هذه المرة، يبدو أن «ثورة أميركية» ستقدر على إسقاطه (أو فوزه) في انتخابات «حرة ونزيهة».