«العدل الدولية» تبدأ النظر في الطعن الصربي في استقلال كوسوفو

بلغراد: الاستقلال يتحدى سلطة الأمم المتحدة * بريشتينا: تعرضنا لاحتلال بدون استشارة شعبنا

TT

بدأت محكمة العدل الدولية أمس النظر في شرعية الإعلان الأحادي الجانب لاستقلال كوسوفو عن صربيا، بالاستماع إلى موقفي الطرفين. وأعلن الطرفان الصربي والكوسوفي أنهما سيظلان على موقفهما من الاستقلال مهما كان الرأي الاستشاري للمحكمة الدولية، بينما تنتظر الكثير من دول العالم قرار القضاء الدولي لتحديد موقفها من الاستقلال وما إذا كانت ستعترف به أم لا.

وخاطب رئيس الوفد الصربي دوشان باتاكوفيتش القضاة في افتتاح الجلسة قائلا «لموقفكم الاستشاري أهمية قصوى وسيشكل دليلا للجمعية العامة ومجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة». وقال باتاكوفيتش، سفير صربيا في فرنسا، إن «إعلان استقلال كوسوفو تحد للنظام القانوني الذي يستند إلى مبدأ سيادة الدول». وأضاف أن «المسألة المطروحة أمامكم أساسية بالنسبة لبلدي، فكوسوفو تشكل المهد التاريخي لصربيا وركن من أركان هويتها». وتابع مدير معهد بلغراد للدراسات البلقانية أن الإعلان الأحادي الجانب لاستقلال كوسوفو يشكل «محاولة لوضع حد لسلطة الأمم المتحدة والسيادة الصربية على هذا الإقليم»، مشيرا إلى أن كوسوفو خاضعة لسلطة الأمم المتحدة منذ 1999. ومن جانبه، قال الرئيس الصربي بوريس طاديتش، أمس «مهما كان الرأي الاستشاري الذي ستبديه المحكمة فإنه لن يغير من الوضع الشرعي للسيادة الصربية».

بدورهم، أشار ممثلو كوسوفو وفي مقدمتهم الرئيس فاطمير سيديو، إلى أن صربيا احتلت كوسوفو بدون استشارة شعبها، وكانت بالنسبة لها غنيمة حرب سائغة منذ هزيمة الإمبراطورية البيزنطية أمام العثمانيين. وذكروا في الوقت ذاته أن الصرب ليسوا من السكان الأصليين للمنطقة، وإنما قدموا إليها من وراء جبال الأورال في القرنين السابع والتاسع. وتحدث الكوسوفيون عن المعاناة التي تعرض لها الألبان في ظل الاحتلال الصربي، والاضطهاد الذي عانوه على مدى قرون، لا سيما في الفترة التي تولى فيها الرئيس اليوغوسلافي الأسبق سلوبودان ميلوسيفيتش السلطة في صربيا. وقال وزير خارجية كوسوفو، إسكندر الحسيني، الذي تحدث باسم بلاده أمام المحكمة «لدينا وثائق دامغة تؤكد حقنا في الاستقلال أقوى من حجج خصومنا». ويطالب الألبان بالتعويضات عن فترة الاحتلال الصربي.

واعتبر البعض ما يجري في لاهاي ابتداء من اليوم وحتى العاشر من الشهر الجاري، صراعا بين الحق التاريخي للألبان، كأقدم شعب في منطقة البلقان، وترتيبات ما بعد حرب البلقان 1912 ـ 1913 والحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1919. ويحضر الجلسات 28 دولة من بينها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وهي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين، إضافة إلى كل من المملكة العربية السعودية، وألبانيا، والأرجنتين، والنمسا، وأذربيجان، والبحرين، وروسيا البيضاء، وبوليفيا، والبرازيل، وبلغاريا، وبوروندي، وكرواتيا، وقبرص، والدنمارك، وفنلندا، وألمانيا، والأردن، وسيراليون، ونيوزيلندا، والنرويج، ورومانيا، وإسبانيا، وأيرلندا، وفنزويلا، وفيتنام. وستحصل كل دولة من الدول المشاركة على 45 دقيقة للحديث عن موقفها من استقلال كوسوفو أمام المحكمة الدولية.

وعلى المتحدثين استخدام اللغتين الإنجليزية والفرنسية وعلى من يريد التحدث بلغته جلب مترجمين على حسابه الخاص. وتتسع المحكمة لـ 250 مقعدا، ولن يسمح للصحافيين والباحثين والمنظمات الدولية بالدخول للقاعة ولكن يمكنهم متابعة وقائع القضية من غرفة مجاورة عبر الستالايت. ويعرب الطرفان الصربي والكوسوفي، عن تفاؤله بأن يكون قرار المحكمة لصالحه، بحكم وجود دول قوية مؤيدة لما يعتبره حقه الشرعي. وتعول صربيا على كل من روسيا والصين والدول الأرثوذوكسية في الاتحاد الأوروبي إلى جانب إسبانيا التي لم تعترف بعد باستقلال كوسوفو، مثل بلغاريا واليونان ورومانيا وقبرص. في حين تشعر جمهورية كوسوفو بأن موقفها قوي بوجود الولايات المتحدة، و22 دولة أوروبية عضو في الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنمسا وسلوفينيا التي لعبت دورا كبيرا في حصول كوسوفو على استقلالها. ولا يتوقع أن يعلن الرأي الاستشاري للمحكمة الدولية بعد انتهاء فترة المداولات وهي 10 أيام، كما أعلن عن ذلك من قبل، لكن ورود ذلك ممكن في مستهل العام المقبل، لا سيما إذا ما توصل القضاة الـ15 لقرار مشترك ولم يتنازعوا حول الرأي الصائب الذي ينبغي إعلانه. بيد أن رأي المحكمة لن يكون قاضيا ببطلان الاستقلال لأن ذلك، كما يقول المراقبون، سيدفع لموجة عنف جديدة لا تحمد عقباها، ولكنه سيكون رأيا يسعى لإرضاء الطرفين قدر الإمكان، مثل «كان الأفضل موافقة صربيا قبل إعلان الاستقلال».

وتطالب صربيا باستئناف محادثات الوضع النهائي حول كوسوفو، في الوقت الذي تؤكد فيه السلطات في بريشتينا بأن ذلك ماض وانتهى، ولن تكون هناك وتحت أي ظروف، محادثات جديدة حول مستقبل كوسوفو. وتدعو بريشتينا بلغراد إلى إقامة علاقات طبيعية وعلاقات حسن جوار كشعبين جارين، وترك الماضي الأليم خلف ظهر الجميع. تجدر الإشارة إلى أن 63 دولة من بين الدول الـ192 في العالم تعترف باستقلال كوسوفو، بينما تنتظر الكثير من الدول قرار محكمة العدل الدولية الاستشاري لتعلن اعترافها بالاستقلال من عدمه.