بريطانيا حذرت واشنطن من التفاؤل من نتائج غزو العراق.. والأميركيون اعتقدوا أن جنودهم سيستقبلون بالرقص في الشوارع

مسؤولان بريطانيان انتقدا «التقصير الرهيب» لمرحلة ما بعد الحرب في شهادتهما أمام لجنة شيلكوت

TT

قال مسؤولان في وزارة الخارجية البريطانية إن بريطانيا حذرت الولايات المتحدة من التفاؤل بنتائج حرب العراق، وكشف المسؤولان أمام لجنة التحقيق في حرب العراق في لندن، أمس، أن الأميركيين كان لديهم شعور قوي بأن قواتهم ستكون مرحب بها في شوارع العراق، وأن الديمقراطية ستزدهر بعد الإطاحة بصدام حسين.

وكانت لجنة شيلكوت التي بدأت أعمالها الأسبوع الماضي، قد استمعت، أمس، إلى دايفيد مانينغ، مستشار رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، حتى عام 2003، وانتقد مانينغ بشدة ضعف التخطيط الأميركي لما بعد الغزو. إلا أن المسؤولين السابقين اللذين تحدثا، أمس، رسما بصورة أوضح الموقف الأميركي من مرحلة ما بعد الحرب.

وقال إدوارد شابلن، الذي كان يترأس قسم الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية خلال التحضير للحرب: «المسؤولون الأميركيون ظنوا أنهم يعرفون أنه متى ما تم تحرير العراق من طغيان صدام حسين، فسيكون الجميع ممتنين ويرقصون في الشوارع، ولن تكون هناك أي مشكلات أخرى... وبعد ذلك سيأخذ العراقيون بطريقة سحرية مقاليد السلطة ويعيدون بناء الدول، دولة ديمقراطية. لقد حاولنا أن نقول لهم إن هذه النظرة متفائلة جدا».

وأضاف: «مرحلة ما بعد الحرب نقطة عمياء كليا... كان هناك تقصير رهيب في التخطيط، لأنه كان هناك شعور في واشنطن بأنه لا يجب أن نولي مرحلة ما بعد الغزو قلقا كبيرا لأنها ستكون مرحلة عذبة ومضيئة». وقال إن المسؤولين الأميركيين وضعوا ثقة كبيرة في المعارضة العراقية، وأشار إلى أنه ربما «كانوا يسمعون تطمينات من أشخاص مثل (أحمد) شلبي أنه إذا خرج صدام كل شيء سيكون على ما يرام.. ولا داعي للقلق».

وأكد شابلن الذي عين في عام 2004 سفيرا للعراق، أن البريطانيين كانوا دائما ما يتحدثون إلى الأميركيين عن ضرورة وضع خطط جدية للمرحلة المقبلة. وقال إن توني بلير نفسه كان يتحدث إلى الرئيس جورج بوش حول مخاوفه من تلك المرحلة. وأشار إلى أن رؤية بريطانيا كانت تركز على ضرورة أن تكون الأمم المتحدة مضطلعة بدور في مرحلة ما بعد الغزو، بسبب تاريخها ومعرفتها بإدارة مناطق النزاع، إلا أن انتقال مهمات تنسيق الوضع في العراق بعد الغزو من وزارة الخارجية الأميركية إلى وزارة الدفاع، أحبط الجهود لأن البنتاغون كان عدائيا تجاه المنظمة الدولية. وقال إن البنتاغون كان يستمع إلى أفكار البريطانيين، إلا أنه لم يطبق أيا من الذي طرح.

وقال بيتر ريكيت، مدير عام وزارة الخارجية بين عامي 2001 و2003، إن بريطانيا بدأت التحضير لمرحلة ما بعد الحرب في خريف عام 2002، وإنها كانت تعتبر أن هذه المرحلة هي بأهمية التحضير للحرب. وكان مانينغ، مستشار بلير، قد كشف، أمس، أن بلير طلب من وزارة الدفاع وضع خطط محتملة للحرب للمرة الأولى في يونيو (حزيران) 2002. وأضاف ريكيت، عندما سئل أمس عن التاريخ الذي بدأت فيه بريطانيا التحضير للحرب: «حينها (في الخريف) لم يكن واضحا السيناريو الذي سيتم اعتماده، ولكن اعتبرنا أنه منذ ذلك الحين، سيكون علينا التعاطي مع عراق من دون صدام حسين ومع مرحلة ما بعد غزو عسكري».

وكرر ريكيت، الذي يشغل اليوم منصب الوكيل الدائم لوزارة الخارجية البريطانية، إن بريطانيا حثت واشنطن على وضع خطط جدية لمرحلة ما بعد الغزو. وقال إن وزارة الخارجية كانت واضحة قبل بدء الغزو، في نصائحها المقدمة لرئاسة الوزراء، على ضرورة وضع خطط جدية لمرحلة ما بعد الحرب. وأضاف: «كنا نشك بالفعل في افتراضات المحافظين الجدد من أن القوى الدولية سيكون مرحب بها على أنها قوى محررة». وانتقد إنشاء البنتاغون لمكتب إعادة الإعمار والمساعدة الإنسانية، وقال إنه لم يتم التحضير له جيدا. وقال: «بدأ المكتب عمله في وقت قليل جدا وبخبرة قليلة جدا وأشخاص قليلين، لما تبين في ما بعد أنها مهمة كبيرة جدا».

وكان السفير البريطاني السابق في واشنطن، كريستوفر ماير، قد انتقد أيضا بشهادته التي أدلى بها أمام اللجنة الأسبوع الماضي، غياب التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب، وقال إن بريطانيا لم تؤثر بشكل كاف على الإدارة الأميركية.

وستستمع اللجنة، التي يترأسها جون شيلكوت، وتضم 4 أعضاء آخرين، إلى موظفين من وزارتي الدفاع والخارجية، إضافة إلى مسؤولين في المخابرات البريطانية، طوال الشهر الحالي، على أن تبدأ بالاستماع بداية العام المقبل إلى وزراء سابقين لعبوا دورا في الحرب، خصوصا جاك سترو وزير الخارجية آنذاك، إضافة إلى توني بلير وربما رئيس الوزراء الحالي، غوردن براون، الذي كان حينها وزير الخزانة.

ومن المفترض أن يقدم شيلكوت تقريرا حول تحقيقه في نهاية العام المقبل، إلا أن أصواتا ارتفعت، أمس، تطالبه برفع تقرير نصفي قبل الانتخابات العامة في بريطانيا التي من المفترض أن تجري قبل يونيو المقبل. وكتب اللورد ستين، وهو متخصص في القانون، في صحيفة الـ«فاينانشيال تايمز»، أمس، إنه سيكون خطأ أن يؤجل إعلان قانونية الحرب لما بعد الانتخابات، «لأسباب سياسية خاصة بحزب». وانتقد ستاين أيضا غوردن براون الذي اختار اللجنة، لعدم تسميته أستاذ قانون في اللجنة الذي تحقق في قانونية الحرب على العراق.