سوق على الطراز الغربي تثير البهجة والانتقاد في طهران

«هايبر ستار» تستقبل 15 ألف متسوق يوميا.. ويمولها رجل أعمال إماراتي

TT

أمسكت ربة المنزل الإيرانية التي تعيش في طهران بحبة رمان ضخمة حمراء اللون، وأعلنت أن حياتها شهدت للتو بعض التقدم. ثم مالت كفايات بيرمومر متحدثة إلى ابنتها أثناء انتقائهما بعض ثمار الرمان التي تعد واحدة من أكثر الفواكه الموسمية التقليدية في إيران: «انظري إلى السعر. إنه أرخص بكثير من أسعار السوق المحلية التي نرتادها». وحولهما من جميع الاتجاهات، عملت مجموعات من الأقارب على دفع عربات التسوق الصغيرة، أثناء التجول بحرص عبر أرجاء أول سوق تجارية ضخمة على النسق الأميركي في إيران، وهي عبارة عن متجر هائل يضاهي في حجمه «وول مارت» يحمل اسم «هايبر ستار». وقد جاء تصميم السوق على غرار سلسلة المتاجر الفرنسية الضخمة «كارفور».

داخل السوق، تصاعدت روائح المخبوزات الطازجة، بينما تركز اهتمام المتسوقين على تفحص شرائح اللحم أو حزم لحم سمك القرش المجمدة.

وفي تعليقها على السوق، قالت منصورة جعفري، وهي ممرضة كانت اشترت لتوها دمية الدبة المعروفة باسم «ويني ذي بوه» من أجل طفلتها، أناهيتا، البالغة من العمر 15 شهرا: «ارتياد هذه السوق أشبه بالدخول إلى عالم آخر. وجودي وتسوقي هنا يغمرني بالسعادة، حيث تتوافر أمامي الكثير من الاختيارات». ومنذ افتتاحه الهادئ في أغسطس (آب) الماضي، خلال فترة شهدت موجة من المظاهرات المناوئة للحكومة وانتشار شعور بالقلق على الصعيد الدولي حيال البرنامج النووي الإيراني، تمكن «هايبر ستار» من خلق ضجة كبيرة في أوساط الطبقة الوسطى الإيرانية التي تعاني من مشكلات جمة، والتي يؤيد الكثير من أبنائها المعارضة السياسية. ويضفي المتجر الهائل مظهرا جديدا على الجمهورية الإسلامية، ويقدم للإيرانيين تجربة تسوق جديدة لم يكن بإمكانهم خوضها من قبل إلا عبر السفر إلى الخارج.

بيد أنه في الوقت ذاته، تنطوي السوق الجديدة على بعض التناقض، بالنظر إلى الانتقادات اللاذعة التي اعتاد الرئيس محمود أحمدي نجاد توجيهها إلى الرأسمالية الغربية. علاوة على ذلك، توحي بعض المؤشرات بأن أصحاب المتاجر الأصغر غير راضين حيال منافسهم الضخم. وأقيم «هايبر ستار» في ضاحية راقية في طهران ذات طراز غربي، ويتولى تمويله رجل أعمال إماراتي. وقد حقق المتجر الضخم نجاحا هائلا في إيران، معتمدا في ذلك في المقام الأول على تناقل أخباره شفاهة بين العملاء. واليوم، يستقبل المتجر الضخم الواقع على مساحة 9 آلاف متر مربع، قرابة 15.000 عميل يوميا. وينفق كل عميل في المتوسط 100 دولار، أي ما يعادل نصف الحد الأدنى الشهري للأجور في إيران.

وقالت بيرمومر، التي كانت ترتدي معطفا طويلا تقليديا وتدفع أمامها عربة تسوق ممتلئة عن آخرها باتجاه عامل الحسابات: «تكشف هذه السوق الهائلة التقدم الإيراني. مثلما الحال في الدول كافة، نمضي في إيران قدما. الآن، بات باستطاعتنا التسوق مثل أي شعب أجنبي آخر». وصدقت على حديثها بإيماءة من رأسها ابنتها البالغة من العمر نحو 20 عاما. يذكر أن سكان طهران من أبناء الطبقة الوسطى ـ الذين يشكلون قرابة ثلث سكان العاصمة ويعدون بمثابة العمود الفقري للعاصمة لما يتقلدونه من وظائف وما يحصلون عليه من دخول وما يتمتعون به من مستوى تعليمي ـ يعانون وطأة ضغوط اقتصادية متنامية. وفي الوقت ذاته، اتجه أبناء هذه الطبقة خلال السنوات العشر الأخيرة، في خضم تزايد تأثير شبكة الإنترنت والقنوات التلفزيونية المرتبطة بالقمــــــر الصناعي وبتشجيع من حكــــومة ســـــابقة عمدت إلى تعزيز التغيير والفرديـــــة، إلى السفر والتســـــــوق بمعـــــدلات أكبـــــر، وشراء كل شيء من الســــــــيارات حتى أجهــــــــزة الكومبيوتر.

من جهته، أعرب أحمدي نجاد، الذي فاز بفترة رئاسة ثانية في انتخابات متنازع حولها في يونيو (حزيران) الماضي، أسفرت عن تصاعد اتهامات بالتزوير من جانب المعارضة واندلاع مظاهرات في الشوارع على مدار عدة أسابيع، عن اعتقاده أن سلوك الطبقة الوسطى يكشف تحسن مستوى حياة الإيرانيين. إلا أنه على الجانب الآخر يرى بعض النقاد في هذا السلوك إذعانا إلى الثقافة الاستهلاكية التي يتهمونها بالتسبب في إدخال تغييرات سريعة على القيم التقليدية داخل البلاد. ويؤكدون أن مستويات الرخاء لم ترتفع، وإنما بات الناس ينهكون أنفسهم في العمل حتى الموت فقط من أجل مسايرة مستويات المعيشة المتبدلة. وقال أمير موهبيان، وهو محلل سياسي يتفق مع آيديولوجية أحمدي نجاد، لكنه ينتقد سياساته: «منذ عشر سنوات، كان يجري النظر إلى الشخص الصادق غير الأناني باعتباره شخصا ناجحا. الآن، بات تقييم النجاح يعتمد على طراز السيارة التي تقودها، أو مستوى المنزل الذي تعيش فيه. لقد وصلت العولمة إلى بلادنا وتتسبب في تغيير سريع لقيمنا التقليدية. وبات على أبناء الطبقة الوسطى العمل بجد لمجاراة التغيير. وعليه، تقلص الوقت المتاح في حياتهم للأسرة والأصدقاء، وحسبما يخشى بعض رجال الدين، وللدين». وفي السياق ذاته، أكد محمد خوشهيره، عضو البرلمان السابق وحاليا بروفسور اقتصاد في جامعة طهران، أنه قبل الأزمة الاقتصادية الأخيرة، عزز الدخل النفطي الإيراني الهائل وضع قطاعات من الطبقة الوسطى. وأردف قائلا: «لكن بوجه عام، لم يرتفع مستوى جودة الحياة في إيران مطلقا». وأضاف أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء في اتساع، مع سعي البعض بكد وراء الانتقال إلى الجانب الآخر من الهوة. يذكر أن خوشهيره سبق له الدفاع بقوة عن الخطط الاقتصادية لأحمدي نجاد الرامية لتحسين أوضاع الفقراء، لكن منذ ذلك الحين أصبح واحدا من أبرز منتقديه.

وقال: «الناس في إيران يعيشون فوق المستوى المتناسب مع مكانتهم الاجتماعية»، منوها إلى أن الكثيرين يعملون في وظائف إضافية سعيا لتلبية النفقات المتزايدة. وأكد أن «راتب الطبيب أو القاضي يعجز عن سداد تكاليف الزيارات المنتظمة إلى متاجر التسوق الكبرى أو شراء سيارة أجنبية جديدة. وعليه، يتعين عليهم مزيد من العمل، بل ويقدم البعض على تقاضي رشى لتغطية النفقات التي يقتضيها وضعهم الاجتماعي». وطبقا لما يراه خوشهيره، فإن الحكومة، من ناحيتها، تشجع الاستهلاك من خلال استغلالها بعض العائدات النفطية في تمويل الواردات، وهو مبلغ وصل إلى 85 مليار دولار العام الماضي. وقال: «بطبيعة الحال، سيزدهر أي متجر ضخم في مثل هذه البيئة، فالناس بحاجة لشراء سلع».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»