فلسطيني يعيش في خيمة أمام بيته المهدم: هنا ولدت وهنا سأموت

صراع بقاء في القدس: هدم منازل وسحب هويات الآلاف من سكانها الفلسطينيين

مستوطن يمر بافراد اسرة فلسطينية استولى مع مجموعة اخرى من المستوطنين تحت حراسة الشرطة، على منزلها في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، امس (أ ف ب)
TT

يتخذ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في القدس شكلا آخر في السنوات القليلة الماضية، وقد تحول من صراع على السيادة إلى صراع بقاء. وأخذت السلطات الإسرائيلية تشن حربا لا هوادة فيها ضد الوجود الفلسطيني، وأحد أبرز وجوه هذه الحرب هو هدم منازلهم، هذا مقابل بناء مزيد من المستوطنات، وقال الحموري، «هذا العام هدموا 72 بيتا، وفي الأعوام الماضية هدم الإسرائيليون أكثر من 500 بيت».

وأوضح وزير القدس الأسبق حاتم عبد القادر، لـ«الشرق الأوسط، أن هناك 22 ألف منزل مهددة بالهدم في القدس، بعدما تلقى أصحابها إنذارات من السلطات الإسرائيلية.

ويوازي ذلك امتناع هذه السلطات عن منح الفلسطينيين رخصا للبناء، وقال عبد القادر: «على مدار 40 عاما من الاحتلال كنا بحاجة إلى 60 ألف وحدة سكنية، لكن إسرائيل، وافقت على 10 آلاف فقط، والعام الماضي منحونا 18 رخصة فقط بعدما كانوا يمنحوننا 60 في كل عام». وقال الحموري: «تخيل أن شخصا يبني منزلا يعرف أنه سيهدم بعد شهرين أو 3 لكن ليس هناك خيار آخر.. هذا صراع بقاء». وأول من أمس، استولى مستوطنون، على منزل الحاجة رفقة الكرد بحي الشيخ جراح بالقدس المحتلة. وقال عبد القادر، إن عملية الاستيلاء هذه كانت بتواطؤ من شرطة الاحتلال وجنوده، بعد أن ردت محكمة الاحتلال، التماسا لآل الكرد حول استيلاء المستوطنين على منزلهم.

وقالت الصحافية ميسة أبو غزالة، لـ«الشرق الأوسط» إن المستوطنين استولوا على جزء من المنزل، بينما بقيت الحاجة رفقة في جزء آخر، وأضافت أبو غزالة: «المشهد يكشف إلى أي حد يشتد الصراع.. أصبح مدخل الحاجة رفقة والمستوطنين، مشتركا، كأنهم جيران، لكن جيران أعداء، يتربص أحدهم بالآخر». وأوضحت أبو غزالة أن منزل الكرد هو المنزل الـ13 الذي يستولي عليه مستوطنون في حي الشيخ جراح هذا العام.

ومنذ شهرين يعيش أمجد الترياقي، وزوجته وأبناؤه الـ5 في خيمة نصبها في أرضه، في بيت حنينا، بعد أن هدم الإسرائيليون منزله قبل شهر ونصف الشهر. وقال الترياقي لـ«الشرق الأوسط»: «أعيش مع أولادي وزوجتي في هذا البرد القارس، وعندما تمطر أذهب إلى بيت أبي أو شقيقي أو حماي.. إنني متنقل دوما».

ولن يعيد الترياقي بناء منزله من جديد، خشية أن يعتقل، لكنه يؤكد أنه لن يغادر مدينته، وقال: «هنا ولدت وهنا سأموت». أما الشكل الثاني الأبرز في الحرب على المقدسيين، فهو سحب هويات المقدسيين وهدم منازلهم. وسجل العام الماضي، (2008) رقما قياسيا في عدد الفلسطينيين في القدس الشرقية الذين سحبت وزارة الداخلية الإسرائيلية حقوق الإقامة منهم، وألغت الوزارة إقامة 4.577 فلسطينيا عبر سحب هوياتهم، وهذا العدد يشكل 21 ضعفا لمعدل سحب هويات الإقامة من المقدسيين طيلة الـ40 عاما التي سبقتها التي لم تتجاوز الـ8.558.

لكن زياد الحموري، مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية، شكك في هذه الأرقام وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إنها أكبر من ذلك.. نحن لا نعرف عدد الذين سحبت هوياتهم في 2007 وفي 2009. أعتقد أنهم بعشرات الآلاف». وحسب الحموري، فإن إسرائيل تسعى لإبقاء 70 ألف فلسطيني فقط في القدس من أصل 270 ألفا يحملون الهوية الإسرائيلية. وأخرج الجدار الفاصل وحده أكثر من 100 ألف فلسطيني يعتقد أن هوياتهم ستسحب، والهدف النهائي هو ضمان أغلبية يهودية في المدينة التي تشكل رمزا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وقالت وزارة الداخلية الإسرائيلية، إن السبب في الارتفاع الحاد في سحب هويات المقدسيين في العام الماضي يعود إلى قرار بالتحقيق في الوضع القانوني لآلاف العرب المقدسيين، تم خلال شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان) من عام 2008. وقالت صحيفة «هآرتس» إن التحقيق كشف عن آلاف من الفلسطينيين المسجلين كمواطنين مقدسيين لكنهم لم يعودوا يعيشون في المدينة التي ضمتها إسرائيل إلى تخومها بعد احتلالها عام 1967، ولذلك سحبت هوياتهم. ورد الحموري، بقوله إن الإجراءات تشمل حتى سكان القدس أنفسهم، وأوضح: «إنهم يعاملوننا كوافدين للقدس، مثل أي سائح يصل إلى المدينة ويحصل على إذن عمل، وبالتالي يحصل على إقامة». وأضاف: «نحن حصلنا على إقامة دائمة حسب قانون الدخول لإسرائيل، وهذه لا تعطينا حق المواطنة». وتابع القول: «الإقامة تسقط عنا إذا خالفنا قانونها، أما المواطنة أي (الجنسية) فلا تسقط لمثل هذه الأسباب».

وحتى عام 1999 كانت إسرائيل تعتبر كل من يغادر القدس لأكثر من 7 سنوات متواصلة، فاقدا لحقه في الإقامة، وفي أواخر عام 1998، سن الكنيست الإسرائيلي ما يسمى بقانون «مركز الحياة»، وينص على أن تكون القدس مركز حياة أي مواطن، فإذا عمل شخص ما في القدس وكان يبيت في الضفة الغربية فإن مركز حياته لا يعتبر القدس ويتم سحب المواطنة منه والعكس صحيح. وقال المحامي يوتام بن هيلل من «مركز الدفاع عن الفرد» (هاموكيد) إن «سكان القدس الشرقية العرب لديهم نفس حقوق الذين هاجروا بشكل قانوني إلى إسرائيل لكنهم ليسوا مؤهلين للجنسية، وفقا لقانون العودة الإسرائيلي». وأضاف: «هم يعامَلون وكأنهم مهاجرين إلى إسرائيل، على الرغم من أن إسرائيل هي التي جاءت إليهم عام 1967».

وبمجرد فقدان الفلسطيني حقه في الإقامة، فإن عودته للقدس ولو حتى من أجل الزيارة العائلية تصبح مستحيلة. وقال بن هيلل: «القائمة ربما تشمل طلابا خرجوا للدراسة لسنوات قليلة في دولة أخرى، ولا يستطيعون الآن العودة إلى بيوتهم».

وقال مسؤولون في «هاموكيد» حصلوا على المعلومات من الوزارة بموجب قانون حرية المعلومات، إنهم يخشون من أن عددا ممن سحبت هوياتهم ربما لا يعلمون عن ذلك.

وقالت المديرة التنفيذية في «هاموكيد» داليا كيرشتاين، «ظاهرة إلغاء إقامات الناس وصلت إلى أبعاد مخيفة. وما قامت به وزارة الداخلية عام 2008 هو جزء من سياسة عامة هدفها الحد من الكثافة الفلسطينية السكانية، والمحافظة على الأغلبية اليهودية في القدس».

ودافعت وزارة الداخلية الإسرائيلية عن قرارها بقولها إن إسرائيل تدفع مليارات الشواكل كل عام كمخصصات لأشخاص لا يعيشون فيها. وقالت الوزارة إنها لم تمس أيا من المعترضين، وأن 89 فلسطينيا أعيدت لهم إقاماتهم بعد تقديمهم اعتراضات على سحبها. وعقب الحموري: «الناس هنا يفاجأون بسحب هوياتهم من دون أي إنذار».

وهناك وجه ثالث وهو إغلاق جميع مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ومنع أي نشاط لها في المدينة المقدسة، إضافة إلى الطوق الاستيطاني الذي يفرض حول المدينة وجدار الفصل.