رئيس الجمهورية يؤكد على التنوع والمناصفة.. وبري يشعر كأنه ارتكب «خيانة عظمى»

لبنان: سجالات بعد طرح «إلغاء الطائفية السياسية» و«المداورة في الرئاسات»

TT

تتزاحم الملفات السجالية التي تطرح في الساحة السياسية اللبنانية على الرغم من الوفاق الظاهري بين الأقطاب السياسيين و«قطار المصالحات» الذي يجمع خصوم الأمس. وتتزامن هذا الملفات مع اقتراب الحكومة من نيل ثقتها لتباشر عملها على أن تنطلق بموازاتها طاولة الحوار التي يفترض أن تبحث في الاستراتيجية الدفاعية برعاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان. والأهم أن سليمان كان قد طرح مسألة إعادة النظر في بعض الصلاحيات الدستورية التي تمكّن الرئيس من القيام بدوره. وإذا كان التوجه من خلال هذا الطرح يؤدي إلى البحث جديا في تعديل بعض بنود اتفاق الطائف، فإن الملفات المطروحة أيضا تصب في هذا الإطار ولكن وفق أجندات مختلفة، وتحديدا لأن حامليها «زعماء طوائف» بمعزل عن الخلفيات الحقيقية لديهم، ما يسمح بالتكهن أن مطالبهم تتعلق بمكتسبات طوائفهم في الدرجة الأولى، وتثير هواجس باقي الطوائف التي تشكل موزاييك السياسة في لبنان.

وفي هذا الإطار، لا تزال تداعيات طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري إلغاء الطائفية السياسية تتفاعل وتثير المزيد من ردود الفعل المبنية على ما يمكن أن يضمره هذا الطرح من نوايا مبيتة. وقد نقل عنه بعض النواب أمس في إطار لقاء الأربعاء النيابي «استغرابه الضجة التي أثيرت حول تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية». فقد قال لهم: «شعرت كأنني ارتكبت خيانة عظمى». وذكّر بأنه سبق أن طرح الموضوع في عام 1992. وأوضح أن «لهذا الطرح سببين: وجود حكومة وحدة وطنية والتحضير للانتخابات النيابية المقبلة في عام 2013 والتي سيشارك فيها المغتربون ومعظمهم من المسيحيين». الوثيقة السياسية لحزب الله لا يخرج طرحها عن الإطار نفسه. ومن المتوقع أن تبقى في التداول لفترة مقبلة. كذلك يمكن تصنيف ما طرحه رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط عن المداورة بين الرئاسات في الإطار المثير للسجال والهواجس. وكان جنبلاط قد طالب بـ«تطبيق المداورة في الرئاسات والخروج عن التقاليد القديمة التي وزعت مراكز النفوذ والقوى بين طوائف معينة وحرمته على طوائف أخرى». وذكّر بـ«ضرورة إنشاء مجلس الشيوخ الذي يتيح التمثيل العادل والمتوازن للطوائف ويضمن حقوقها، وتتناول اختصاصاته القضايا الوطنية الكبرى والأمور المصيرية ويساهم في تبديد مخاوف من لديهم هواجس معينة من أمور مهمة»، ليوضح أن مغزى طرحه المداورة في الظرف الراهن، هو إيجاد «أفكار جديدة تطرح وتناقش في هيئة الحوار».

ويؤشر تعليق رئيس الجمهورية ميشال سليمان على «تحفظه» حيال «زحمة الملفات السجالية» انطلاقا من قوله إن «مساحة الوفاق الداخلي ضرورية وأساسية لمقاربة العديد من الملفات التي تستوجب مثل هذا الوفاق ولا تناقض البند (ي) من مقدمة الدستور اللبناني الذي ينص على أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك». ويضع برنامجه الذي يتضمن ملفات تبدأ باستقلالية القضاء وتمر باللامركزية الإدارية لتصل إلى إلغاء الطائفية السياسية. ويؤكد أن «إلغاء الطائفية السياسية يجب أن يحافظ على التنوع والمناصفة (بين المسلمين والمسيحيين) وبالتالي المحافظة على ميثاق العيش المشترك الذي يشكل ميزة لبنان ويضفي الشرعية على كل المؤسسات». ولم يكن مغايرا موقف البطريرك الماروني نصر الله صفير الذي شدد على وجوب «إلغاء الطائفية من النفوس قبل إلغائها من النصوص، وإذا كان ذلك زال فمرحبا بالأمر، ولكن إذا كان لم يزل، فتحفظنا لا يزال قائما». وإذ أبدى عدم فهمه طرح جنبلاط للمداورة في الرئاسات، قال صفير: «هذا أمر يعود إلى الشعب اللبناني للنظر فيه». ويقول النائب في تكتل «التغيير والإصلاح» سليم سلهب لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الطروحات استلحقت طرحا كان تقدم به رئيس الجمهورية ليس فقط بشأن صلاحيات الرئاسة وإنما بشأن اللامركزية وإصلاح القضاء وما إلى ذلك. من هنا جاء ما قاله بري وتحديدا من قصر الرئاسة، له رمزيته. وتبعه ما طرحه جنبلاط عن المداورة بين الرئاسات، وكأن هذين الأمرين وضعا مقابل طرح تعديل صلاحيات رئيس الجمهورية، أي كأن كل موضوع يلغي الآخر. فرفع سقف المطالب يجعل تحقيقها صعبا». ويضيف: «لو أن بري طرح تأسيس لجنة وطنية لإلغاء الطائفية منذ البداية ولم يتحدث فورا عن الإلغاء لكان الأمر مفهوما أكثر. لكنه فسر موقفه بعد الجدل الذي أثاره طرحه. أما طرح جنبلاط فقد عكس تناغما بينه وبين بري. وهو تناغم سياسي كشف التنسيق والتخطيط بين الزعيمين، وكأن موقف كل منهما يكمل الآخر». واستعاد سلهب مشروعا كان قدمه الوزير السابق مانويل يونس بشأن المداورة بين الرئاسات مع تأسيس مجلس رئاسي، إلا أن اتفاق الطائف الذي أعطى مجلس الوزراء مجتمعا السلطة التنفيذية ألغى الحاجة إلى هذا المشروع وحدد توزيع السلطات في البلاد. ويقول: «إذا عدنا إلى المداورة نجد أن جنبلاط يناقض نفسه، فهو من جهة يعلن تمسكه باتفاق الطائف، وهو من جهة ثانية يدعو إلى تغيير يمس بالميثاقية الدستورية، كما وردت بموجب الطائف. لذا من الأفضل أن نحافظ على البنود الميثاقية التي تحققت، وأن نسعى إلى تطبيق ما لم ينفذ من الطائف، كاعتماد اللامركزية الإدارية، وإلغاء الطائفية السياسية، وإنشاء مجلس الشيوخ. وبعد ذلك ندرس النتائج كي نرى ما يمكن اعتماده وما يجب تعديله من الاتفاق».

ويقول المسؤول الإعلامي في «الحزب التقدمي الاشتراكي» رامي الريس إن «طرح جنبلاط للمداورة في الرئاسات هدفه فتح نقاش في سبيل تطوير النظام السياسي اللبناني. وقد يكون هذا الأمر صعب التطبيق في المرحلة الحالية، لكن لا بد من طرحه ومناقشته». ويضيف: «لا أهداف أو نوايا مبيتة في طرح فكرة المداورة. لكن في المقابل لا يمكن أن ننكر أن في لبنان طوائف درجة أولى وأخرى درجة ثانية، في حين أن كل الطوائف لديها كفاءات وتستحق أن تتبوأ مناصب ومسؤوليات في الشأن العام بمعزل عن انتمائها الطائفي». وينفي الريس أن «يكون موضوع المداورة مصدر إرباك في الساحة الداخلية اللبنانية»، كما يرفض أن يقتصر الموضوع على رؤية طائفية، ويقول: «لم يتغير موقف الحزب التقدمي الاشتراكي الداعي إلى إلغاء الطائفية السياسية. وهو ليس بعيدا عن أحزاب لبنانية أخرى غالبا ما تبنت هذا الطرح». ويضيف: «ما يجب الانتباه له هو أن كلام جنبلاط جاء في سياق سلة مقترحات منها إلغاء الطائفية السياسية واللامركزية الإدارية ومجلس الشيوخ، ولم تأت المداورة بمعزل عن هذه المقترحات». ويشير إلى أن «من حق كل طرف طرح وجهة نظره وفق ما يناسب قناعاته، طالما أن لا أحد يستطيع فرض صيغة معينة على البلد، وطالما أن الأمور مفتوحة على النقاش. وفي مقابل هواجس بعض الأطراف، هناك أطراف أخرى متوجسة من أمور كثيرة. ولا مناص من الحوار الهادئ في هذه الأمور كلها، لا سيما أن أجواء الوفاق والمصالحة هي السائدة حاليا. فالموضوعات التي يصنفها البعض حساسة يجب أن تطرح في ظل الوفاق وإلا فسيبقى البلد في حال الجمود».