رفسنجاني يحذر من تأثير الانقسامات وحرب الأجنحة على مصالح إيران الخارجية

قال: النظام الإسلامي كان ناجحا ومنتصرا عندما كان يتكئ على أكتاف الشعب

رفسنجاني
TT

حذر رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني من أن الانقسام السياسي الحاد في إيران والخلافات المستمرة على رأس النخبة تعرض أمن إيران للخطر وتسهل تطويق القوى الغربية لإيران على خلفية الملف النووي، وألقى رفسنجاني الذي يرأس أيضا مجلس الخبراء، الهيئة التي لها حق إقالة المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي، الكرة في ملعب خامنئي فيما يتعلق بإعادة الوحدة بين أقطاب النخبة في إيران بعد أزمة الانتخابات، منتقدا بشكل ضمني أداء خامنئي خلال وبعد الأزمة. ويأتي ذلك فيما وجه أحد أهم آيات الله في قم، آية الله جوادي أمولي صفعة إلى السلطات في طهران، بإعلانه أنه سيستقيل من منصبه كإمام لصلاة الجمعة في قم احتجاجا على سياسات حكومة محمود أحمدي نجاد. ويعد موقف جوادي أمولي دليلا على زيادة القطيعة بين حوزة قم العلمية والحكومة في طهران، إذ أن جوادي أمولي كان من آيات الله الكبار الحريصين على عدم قطع كل الجسور مع حكومة أحمدي نجاد على أساس أن آيات الله يمكن أن يلعبوا دورا ضاغطا لإطلاق سراح المعتقلين ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات التي حدثت خلال وبعد التظاهرات الاحتجاجية بعد الانتخابات، إذا ما احتفظوا بهمزة وصل مع طهران. وحول المخاطر أمام إيران، قال رفسنجاني أمس «الوضع الراهن وفي إطار الصعوبات التي تواجهها البلاد، تحتاج إيران في المقام الأول إلى الوحدة السياسية». وأضاف رفسنجاني الذي كان يزور مدينة مشهد في شمال شرق إيران «يبدو أن إجماعا تشكل ضدنا والدول العظمى اتفقت على حرمان إيران من حقها المشروع في المجال النووي». وتابع «إذا لاحظ الأعداء أننا غير متحدين حول مسائل السياسة الخارجية سيضاعفون تحركاتهم البغيضة».

ثم وجه رفسنجاني انتقادا ضمنيا إلى المرشد الأعلى لإيران خامنئي، قائلا إن عودة الوحدة السياسية مرتبطة بما يتخذه المرشد من سياسات وأن على «الجميع المساهمة في تحقيق ذلك». وكان رفسنجاني قد وضع سابقا عددا من الشروط للمصالحة السياسية في إيران من بينها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات التي حدثت خلال الأزمة. إلا أن المحافظين في إيران لم ينفذوا أيا من هذه الشروط، بل عززوا الضغوط على الإصلاحيين. وحذر رفسنجاني من أن استمرار الخلاف الداخلي وحرب الأجنحة يمكن أن يؤدي إلى إضعاف إيران أمام الغرب فيما يتعلق بالمواجهة حول الملف النووي. وتأتي تصريحات رفسنجاني بعد تقارير متزايدة أن رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني الذي يقف ضد مسودة الاتفاق النووي مع الغرب، يعارض المسودة في إطار مساعي جناح محافظ في البرلمان معارض لأحمدي نجاد، يريد إضعاف الرئيس الإيراني أكثر في ولايته الثانية. وكان لافتا أن لاريجاني من ناحية أخرى وصف رفسنجاني أول من أمس أنه «أحد أعمدة النظام الإيراني وجزء من تاريخ الثورة».

وجاءت تصريحات رفسنجاني أمس بعدما رفض حضور اجتماع للوحدة والمصالحة الوطنية في البرلمان الإيراني في دلالة على عمق الخلافات بينه وبين محمود أحمدي نجاد. ودعا البرلمان نحو 199 سياسيا لاجتماع الوحدة الوطنية من بينهم رفسنجاني ومحمود أحمدي نجاد ومستشار خامنئي علي أكبر ناطق نوري وعدد آخر من كبار المسؤولين، إلا أن من أصل الـ199 الذين دعوا حضر فقط 30 شخصا. وبخلاف رفسنجاني الذي قاطع الاجتماع، غاب أيضا عنه ناطق نوري الذي كان أحمدي نجاد قد اتهمه بالفساد خلال حملته الانتخابية. فيما حضر الرئيس الإيراني في آخر لحظة من دون إخطار سابق أنه سيشارك في لقاء المصالحة، مما أجل اللقاء نحو 40 دقيقة. وفيما قال مكتب رفسنجاني إنه لم يتمكن من الحضور بسبب «جدوله المزدحم»، إلا أن مصادر مقربة منه قالت إن السبب يعود إلى تحفظه على الطريقة التي تصرف بها المرشد الأعلى لإيران واستمرار صمته حول المعتقلين من كبار الإصلاحيين وأحكام السجن على عدد منهم. ونقل موقع «برلمان نيوز» الإيراني أن غالبية من تغيبوا عن المشاركة في الاجتماع تغيبوا احتجاجا على سياسات حكومة أحمدي نجاد. ويكشف غياب كبار المسؤولين عن اجتماع المصالحة والوحدة الضوء على حجم الخلافات داخل إيران بعد نحو 5 أشهر كاملة من الانتخابات التي أدت إلى أفدح أزمة سياسية تواجهها إيران منذ عام 1981 الذي شهد ما يشبه حرب شوارع وعمليات قتل وتصفية منتظمة بين الليبراليين واليساريين من أبناء الثورة وبين المتشددين من رجال الدين أو الداعمين لهم الذين رفضوا تسليم الحكم إلى التكنوقراط بعد الثورة 1979 على أساس أن رجال الدين أصلح للحكم.

وقال مصدر إيراني رفيع مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن رفسنجاني لم يشارك في اجتماع الوحدة والمصالحة الوطنية لاعتقاده أن هناك تيارا يريد الاستفادة في حضوره لتحقيق مصالح خاصة، موضحا: «لم يدع للاجتماع كروبي أو موسوي.. فهل يمكن الحديث عن وحدة ومصالحة من دونهما؟. إذا أضفنا إلى ذلك استمرار اعتقال كبار المسؤولين الإصلاحيين والانتهاكات في السجون، فإن الاجتماع عديم القيمة وعدم حضوره قرار صائب». وكانت علاقات رفسنجاني مع المرشد الأعلى لإيران قد دخلت مرحلة من القطيعة السياسية، بعدما رفض رفسنجاني إعلان دعمه لإعادة انتخاب أحمدي نجاد لولاية ثانية، مما أدى إلى تهديدات مباشرة له ولأسرته واعتقال ابنته فائزة رفسنجاني لعدة ساعات. وفي هذا الصدد قال المصدر الإيراني لـ«الشرق الأوسط»: «بعث خامنئي رسالة خاصة يطلب فيها من رفسنجاني دعم إعادة انتخاب أحمدي نجاد لولاية ثانية. وقال له ما معناه إن الأزمة تحتم اتحادهما. لكن رفسنجاني لم يشعر أنه من الصواب أن يغير موقفه، كما أنه خلال ذلك الوقت كانت الاعتقالات قد بدأت تتسع واستخدام أساليب الترهيب والتخويف وسط مؤيدي الإصلاحيين، مما جعل رفسنجاني حاسما في موقفه». ومن المعروف أنه تحسبا لما يمكن أن يقوله رفسنجاني خلال إمامته لصلاة الجمعة، أبلغ مقربون من خامنئي رفسنجاني قبل أسابيع انه لم يعد مرغوبا أن يؤم صلاة الجمعة.

لكن بالرغم من إقصاء رفسنجاني من إمامة الصلاة في طهران، إلا انه ما زال يلتقي مؤيدين وداعمين. إذ التقى أول من أمس وفدا من طلبة العلوم الصحية في جامعة طهران. ونقلت عنه وكالة «ايلنا» العمالية قوله: «النظام الإسلامي كان ناجحا ومنتصرا عندما كان يتكئ على أكتاف الشعب. سيتضرر النظام إذا فصل الشعب عن النظام»، قائلا انه ينبغي على النظام أن يستمع إلى انتقادات الناس ويحاول أن يسد القصور. إلى ذلك وفي علامة على تنامي الانشقاق بين الحوزة العملية في قم والحكومة في طهران، استقال آية الله عبد الله جوادي أمولي من إمامة صلاة الجمعة في قم، وذلك احتجاجا على سياسات الحكومة الإيرانية. وجواد أمولي من كبار آيات الله النافذين في قم، وهو الأب الروحي للكثير من المفكرين الإصلاحيين الإيرانيين مثل حجة الإسلام محسن كديور.

وكانت «الشرق الأوسط» قد نشرت يوم 12 سبتمبر (أيلول) الماضي أن المرشد الأعلى لإيران أرسل مستشاره الخاص، محمد قلبيقاني، إلى حوزة قم في محاولة لإقناع مراجع التقليد وآيات الله بإعلان دعمهم لحكومة أحمدي نجاد. وقال مصدر إيراني عليم آنذاك إن قلبيقاني زار مرجع التقليد المعتدل القريب من الإصلاحيين، آية الله جوادي أمولي، وطلب منه دعم الحكومة والرئيس الإيراني، إلا أن جوادي أمولي رفض الطلب.

ومنذ اندلعت أزمة الانتخابات في إيران والحوزة العملية واقعة في حالة استقطاب حاد بين الإصلاحيين والمحافظين. إذ توجه وفد من مجلس صيانة الدستور إلى الحوزة بناء على أوامر خامنئي بعد قليل من الأزمة في محاولة لنيل دعمهم لموقف المرشد. والتقى وفد مجلس صيانة الدستور آنذاك عددا من آيات الله من بينهم آية الله صافي كلبيكاني أحد أهم مراجع التقليد في الحوزة، حيث دعا كلبيكاني مجلس صيانة الدستور «إلى أن يكون فوق السياسة وأن يمارس دوره كقاض محايد بين الأطراف السياسية لا أن يميل لطرف على حساب الآخر». ووقف عدد آخر من مراجع التقليد في قم نفس موقف كلبيكاني، موضحين أنهم يفضلون البقاء محايدين خلال الأزمة لكن مع حل عادل للأزمة، ومن هؤلاء آية الله مكارم شيرازي، وآية الله وحيدي وآية الله زنجاني وآية الله أميني وآية الله جوادي أمولي. فيما مال آية الله علي منتظري (أكبر مرجع ديني في قم برغم العزلة والاحتجاز المنزلي) وآية الله موسوي اردبيلي وآية الله صانعي إلى الإصلاحيين. بينما دعم موقف الحكومة آية الله حسين نوري همداني وآية الله مصباح يزدي (الأب الروحي للرئيس الإيراني). لكن لاحقا وخلال الأسابيع الماضية أظهر عدد من آيات الله الذين كانوا على الحياد وقوفهم مع الإصلاحيين، ومن بين هؤلاء آية الله جوادي أمولي. ويأتي ذلك فيما بدأت قوات الأمن الإيرانية تعزيز انتشارها في طهران والمدن الأساسية تحسبا لمظاهرات كبيرة متوقعة يوم الاثنين المقبل لإحياء «يوم الطالب»، والمتوقع أن يخرج فيها عشرات الآلاف من الإيرانيين احتجاجا على الاعتقالات التي طالت طلابا ومتظاهرين خلال وبعد أزمة الانتخابات. وما زالت السلطات الإيرانية ترفض منح أي تراخيص بالتظاهر، إلا أن عشرات الآلاف خرجوا للشوارع خلال الأسابيع الماضية في مناسبات عدة من بينها ذكرى احتلال السفارة الأميركية في طهران، مستغلين صعوبة سيطرة الأمن على المتظاهرين وصعوبة التفريق بين المتظاهرين من معارضي الحكومة ومن مؤيديها.