التحضيرات العسكرية البريطانية لحرب العراق بدأت قبل عام من الغزو

رئيس الأركان السابق ينتقد في شهادته أمام لجنة التحقيق في الحرب المساهمة الأميركية «الهزيلة جداً»

TT

قال رئيس القوات المسلحة البريطانية السابق الأدميرال اللورد بويس، إن قادة الجيش البريطاني بدأوا يبحثون الخيارات العسكرية للمشاركة في الحرب الأميركية ضد العراق، بعد حصول اللقاء الشهير بين رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والرئيس الأميركي جورج بوش في كراوفورد بتكساس، في أبريل (نيسان) 2002. ويسود اعتقاد أن الزعيمين اتفقا في ذلك اللقاء على خوض حرب ضد العراق لقلب النظام والإطاحة بصدام حسين. وعبر بويس الذي بقي في منصبه من عام 2001 حتى عام 2003، أمام لجنة شيلكوت البريطانية التي تجري تحقيقا في الحرب على العراق، عن استيائه من عدم السماح له ببدء طلب المعدات اللازمة لخوض الحرب إلا قبل 4 أشهر من بدء الغزو. وقال إن المسؤولين البريطانيين أرادوا الحفاظ على سرية التحضيرات، خوفا من أن إعطاء إشارات لبدء تحضيرات عسكرية سيرتد سلبا على الدعم الشعبي للحرب. وقال إن وزير الدفاع البريطاني آنذاك جيف هون «منع أي تحضيرات لوجيستية حتى المرحلة الأخيرة للحفاظ على السرية.. وكان قد اتخذ قراره من أنه لا يريد أن تتسرب الأخبار عن تحضيرات عسكرية في وقت كانت الحكومة لا تزال رسميا ملتزمة بحل القضية عبر الأمم المتحدة». ولكن بويس أكد أنه رغم ذلك، فإن القوات البريطانية لم تكن تعاني أي نقص في المعدات. وقال بويس أمام اللجنة المؤلفة من خمسة أعضاء ويرأسها اللورد جون شيلكوت، إن المسؤولين العسكريين الأميركيين، ووزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد، اعتقدوا أن مشاركة بريطانيا في الحرب إلى جانبهم أمر مفروغ منه. وأكد أن بريطانيا تقدمت بعدة شروط للمشاركة في الحرب منها اللجوء إلى الأمم المتحدة أولا، ووضع تصور لمرحلة ما بعد الغزو، إلا أنه تم تجاهل كل تلك الشروط. وقال: «لا يهم عدد المرات التي قلت فيها للمسؤولين الأميركيين الرفيعين، وبالفعل السيد رامسفيلد: إننا لن نلتزم بقواتنا إلا بعد أن نمر عبر الأمم المتحدة، وعبر البرلمان أيضا، كان هناك إحجام كامل بتصديق ذلك.. كان الأمر على النحو التالي: نعم أعلم أن لديكم شيئا تقولونه، ولكن عندما يأتي الوقت ستكونون هناك. كان هذا موقفهم». وأضاف أيضا أن إحدى الوحدات لم تصبح جاهزة للقتال إلا قبل يوم واحد من بدء الحرب. وكشف القائد السابق للقوات البريطانية المسلحة أنه كان «دائما شديد القلق في ما يتعلق بطبيعة المساهمة الأميركية الهزيلة جداً». وقال: «الأميركيون كانوا يقولون سنقوم بالعمليات الحربية، وليس عمليات حفظ السلام». وأضاف: «عندما ربحنا المعركة، لم يكن لدينا القوة اللازمة لتعزيز الفوز». وأكد بويس أنه كانت لديه شكوك حول قانونية الحرب، خصوصا وأن بريطانيا موقعة على المحكمة الجنائية الدولية، وقال إنه طلب رأيا قانونيا شخصيا لمعرفة ما إذا كانت الحرب قانونية أم لا، وأنه لم يطمئن إلا بعد أن أبلغ أن الحرب قانونية. وأشار إلى أنه كان مستعدا لإصدار أمر بوقف التحضيرات العسكرية، لو أن البرلمان البريطاني صوت ضد دخول الحرب. كما قال إن بريطانيا لم تشأ أن تترك الولايات المتحدة تقود الحرب وحدها، مشيرا إلى أن الأميركيين كان باستطاعتهم الذهاب إلى الحرب من دون البريطانيين، ولكنهم «أرادوا علما آخر، أرادوا أن نكون معهم». ومنذ بدء جلسات التحقيق بداية الأسبوع الماضي، استمعت اللجنة إلى انتقادات كثيرة من مسؤولين سابقين في وزارة الخارجية ودبلوماسيين، حول طريقة تفكير الإدارة الأميركية في نتائج الحرب وغياب التخطيط لمرحلة ما بعد الغزو. وكانت أمس المرة الأولى التي تستمع فيها اللجنة إلى رأي قادة الدفاع والجيش، وقال اللورد بويس في هذا المجال إنه حاول إقناع المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية بأنه لن يتم الترحيب بقوات التحالف باعتبارهم «محررين». ولكنه أضاف: «لم أستطع أن أوصل إليهم واقع أنه لن يتم النظر إلى التحالف على أنه قوة تحرير.. وأنه سيتم الترحيب بنا وكل شيء سيكون رائعا... هذا كان غير مقبول أبدا. أعتقد أن البنتاغون، عسكريين ومدنيين، كان يظن أن كل شيء سيكون بخير في العراق». والى جانب القائد السابق للقوات المسلحة استمعت اللجنة أمس إلى كيفين تبيت، الوكيل الدائم في وزارة الدفاع قبل أن يتقاعد عام 2005. وحاول تبيت إيضاح أنه رغم بدء التحضيرات العسكرية قبل نحو عام من بدء الحرب على العراق، فإن ذلك لا يعني أن القرار السياسي لخوض الحرب، كان قد اتخذ. وقال للجنة: «هناك فرق بين التحضير العسكري والتحضير السياسي... من الطبيعي أن تكون القوات العسكرية بحاجة إلى وقت أطول لفهم المطلوب منها، ولذلك كان من الطبيعي بالنسبة لوزارة الدفاع أن تبدأ التفكير بذلك في وقت مبكر، رغم أنها قد لا تستعمل تلك الخيارات أبدا». وأضاف أن النظر في الخيارات العسكرية بدأ في أبريل (نيسان) 2002، ولكن الحديث مع العسكريين الأميركيين حول الخطط التي يجب اعتمادها لتتماشى مع خططهم، بدأ في يونيو (حزيران) من العام نفسه. ولكنه أشار إلى أن البريطانيين كانوا حذرين من عدم إرسال إشارات أكيدة بتقديم دعم عسكري من دون اللجوء إلى الأمم المتحدة. وقال: «كنا نواجه معضلة، لم نشأ أن نلزم أنفسنا في الحرب، ولكن إذا لم نفعل ذلك فقد يتم استبعادنا عن التخطيط». إلا أنه أشار إلى أن المناخ الذي كان قائما في واشنطن جعل من الصعب جدا التأثير على ما يجري. وقال: «أعتقد أن السؤال كان كيف نؤثر على الأحداث ونلعب دورا في سيرها، والقرار كان أن نشاركهم الحرب عوضا عن رؤيتهم يخوضونها وحدهم». ودافع تبيت عن وزير الخزانة آنذاك غوردن براون (رئيس الوزراء الحالي)، ونفى أن تكون وزارة الخزانة قد رفضت تمويل الحرب، مشيرا في المقابل إلى أن المشكلة كانت في تمويل وزارة الدفاع ككل ولكن ليس الحرب.