العراقيون الأفارقة يشكون التمييز وغياب الفرص.. والحرمان حتى من أدنى الوظائف

يتركزون في نسخة عراقية سيئة من «هارلم» بالبصرة.. وغالبية أطفالهم مهنتهم غسل السيارات

TT

على المستوى الرسمي، يخلو المجتمع العراقي من التمييز العنصري؛ نظرا لأن السنة النبوية تقتضي معاملة السود باحترام وبالتساوي مع البيض. ولكن في شوارع الزبير الخلفية القذرة، تجد النسخة العراقية السيئة من هارلم؛ حيث يتحدث العراقيون من أصول أفريقية حول تعرضهم للتمييز العنصري المتأصل في الثقافة العراقية؛ فدائما ما يصفهم العراقيون البيض بالعبيد، كما أن زواجهم من البيض يعد ممنوعا، بالإضافة إلى أنهم محرومون حتى من أدنى الوظائف.

ويقول المؤرخون إن معظم العراقيين ـ الأفريقيين جاءوا كعبيد من شرق أفريقيا ضمن تجارة الرقيق التي بدأت قبل 1400 عام، وكانوا يعملون في جنوب العراق في مستنقعات الملح وحقول قصب السكر. وبالرغم من أن تجارة الرقيق قد منعت ـ التي كانت تشمل في العراق؛ العرب، والأفارقة على حد سواء ـ في العشرينات من القرن الماضي، فإنها استمرت حتى الخمسينات منه، وفقا لما يقوله العراقيون ـ الأفارقة.

ومؤخرا، شن العراقيون الأفارقة حملة تطالب بالاعتراف بهم كأقلية، لكي يتمكنوا من الحصول على المزايا نفسها التي يحصل عليها المسيحيون، بما في ذلك الحصول على عدد محدد من المقاعد في البرلمان. يقول جلال ذياب ثجيل، المحامي عن ما يقدر بنحو 1.2 مليون عراقي من أصل أفريقي «يعيش العراقيون من أصول أفريقية هنا في حالة خوف. ونريد أن نقضي على ذلك».

في عصر أحد الأيام الماضية، خرجت مجموعة من الأطفال والكبار تنتعل الأخفاف، ووقفوا في أحد الحقول الموحلة في انتظار السيارات التي يمكنهم غسلها؛ فذلك هو مصدر دخلهم الوحيد، حيث لا يوجد من يرغب في تعيينهم. ولا تعد مهنة غسيل السيارات بالعمل السيئ في مدينة مثل البصرة، المدينة وميناء النفط الجنوبي الذي تهب عليه دائما الرياح المثيرة لرمال الصحراء. وبمرور الوقت، أصبح ذلك الحقل مكان مكتظا، ونقطة تجمع رئيسية للصبية والرجال الذين ينتظرون السيارات المتسخة وهم يحملون الدلاء وخراطيم المياه.

جدير بالذكر أن معظم الصبية الذين لا يتجاوز عمرهم الرابعة عشرة العاملين في غسيل السيارات هم من المتسربين من التعليم؛ تسرب بعضهم بمحض إرادته، بينما اتخذ الأب القرار نيابة عن باقي الأطفال؛ حيث إنه في معظم الأحوال لم يحصل إلا على قدر ضئيل من التعليم، بالإضافة إلى أنه يعيش على دخل محدود وغير ثابت. ويتساءل أحد الصبية، واسمه حسين عبد الرازق، 13عاما: «إذا ذهبت إلى المدرسة فمن الذي سوف يعول أسرتي؟». ويقول حسين إنه ترك مدرسته عندما كان في الثامنة من عمره لأنه كان قد فاتته الكثير من الصفوف المدرسية. كما أن أباه الذي يعمل في غسيل السيارات كان مريضا، وبالتالي كانت مهمة إطعام أسرته تقع بأكملها على عاتقه. ولسوء الحظ، لم تسر الأمور على ما يرام، فلم يكن هناك سوى القليل من الرمال في الهواء، هز حسين كتفيه، فهو لم يربح أي شيء اليوم.

من جهة أخرى، فإن محمد وليد، 13 عاما، هو ضمن عدد قليل من الأطفال الذين لديهم أب يعمل بوظيفة ثابتة؛ حيث يعمل كسائق لحافلة صغيرة. ويقول محمد الذي جاء راكبا دراجة، إنه ترك المدرسة منذ وقت طويل حتى إنه لا يستطيع تذكر كم كان عمره عندما تركها. «لقد كنت أخفق، وأخفق كل عام، حتى تركتها في النهاية». ثم نظر محمد بعصبية للأطفال الصاخبين الذين التفوا حوله وقرر أن يقول التالي: «لا أستطيع القراءة». فساد الصبية الصمت.

وأضاف محمد أن حلمه أن يصبح مثل أبيه؛ أي أن يصبح سائقا لحافلة. وأكد أنه يستطيع بالفعل قيادة السيارة ولكنه مضطر للانتظار خمس سنوات أخرى حتى يمكن تعيينه. ويقول: «حتى ذلك الوقت، سأقود دراجتي» وعندها ضحك الأطفال الملتفون حوله.

من جهة أخرى، قال ماجد حامد، 20 عاما، الطويل الهزيل والذي يعد من أكبر العاملين ضمن ذلك الجمع، إن هناك أياما أفضل من أخرى، ولكنه أكد أن ذلك اليوم كان سيئا بالنسبة له كذلك.. ويقول: «منذ الصباح وحتى الآن لم أغسل سيارة واحدة». وكانت الساعة السادسة مساء. لكنه أضاف أنه حتى في الأيام الطيبة يكون عليه التعامل مع العملاء الذين يستخدمون تعبيرات وشتائم عنصرية عند التعامل معه، فمثلا «يقولون تعال يا أبو سمرة، تعال، تحرك بسرعة!»، مضيفا: «ماذا أستطيع أن أفعل؟. يمكنني أن أضربهم ولكنني سوف أتعرض للمشاكل».

وفي الوقت الذي يعتبر فيه العراقيون ذوي اللون الأفتح تعبير «أبو سمرة» تعبيرا لطيفا، فإن العاملين في غسيل السيارات يقولون إنه يعتبرونه إهانة قاسية. ويقولون إنهم يسمعون الكثير من النعوت الأخرى، بالإضافة إلى أن دوريات الجيش توقفهم في الكثير من الأحيان وتصطحبهم إلى قواعد عسكرية؛ حيث يتم تهديدهم بالضرب وبالسجن إذا ما استمروا في غسيل السيارات. ويؤكدون أن الجنود يتركون من يعملون في تلك المنطقة في غسيل السيارات وشأنهم إذا ما كانوا أفتح لونا.

ومن جهته، يقول أحمد السليطي، نائب رئيس مجلس محافظة البصرة، إن التمييز العنصري أو المتعلق باللون ليس موجودا بين العراقيين، مضيفا أن حياة العراقيين من أصول أفريقية ليست أكثر صعوبة من غيرهم. ويقول: «لا يوجد شيء في العراق اسمه أبيض وأسود»، مرددا ما يقال على المستوى الرسمي.

وفي حي فقير يبعد ميلا عن منطقة غسيل السيارات، يعيش السيد حامد وآلاف من العراقيين الأفارقة جنبا إلى جنب مع العرب في المنازل الطينية التي توشك على الانهيار. كما يعمل أخوه رافد، 19 عاما، في غسيل السيارات، ولكن لديه عملا ثانيا في محل لإصلاح أجهزة استقبال المحطات الفضائية حيث يعمل مع حميه. كما تركت أخته أماني، 16 عاما، المدرسة نظرا لأن العائلة لم يعد يمكنها تحمل أجرة الحافلة يوميا، وتقول: «أنا أفتقد المدرسة، وفي بعض الأحيان أبكي». ويقول رافد: «إن الحياة هنا سيئة للغاية». ويمكن أن تصبح الأمور أسوأ من ذلك؛ حيث لم تتمكن العائلة المكونة من تسعة أفراد من دفع الإيجار إلى مالك المنزل منذ شهرين. فتقول الأم رجاء عبد الصمد «إما ندفع الإيجار أو نأكل». وتضيف أن الحياة في العراق تصبح أصعب بكثير إذا ما كان الشخص أسود اللون. فتقول إنها لاحظت مع مرور السنوات أنها لا تستطيع إقامة علاقات صداقة إلا مع نساء يشاركنها لون بشرتها، موضحة: «يبدأ الأمر على نحو طيب في البداية، ثم تزل ألسنتهن ويرتكبن خطأ ما، أو يتجنبننا عندما يلتقين بأقاربهن، وأنا لا أحب أن أتعامل مع أشخاص يقللون من شأني».

* خدمة «نيويورك تايمز»