فضحية «مناخ ـ غيت».. رسائل إلكترونية تثير الكثير من الجدل حول الاحتباس الحراري في العالم

أوباما يقرر بصورة مفاجئة المشاركة في اختتام قمة كوبنهاغن وسط ترحيب دولي

TT

بدأ الأمر برسالة عبر الإنترنت مجهولة المصدر، ورابط إلى مجموعة من الرسائل أرسل بها عبر البريد الإلكتروني وبعض الملفات. وتظهر الملفات، التي يبدو أنها سرقت من مركز بحثي داخل بريطانيا، قيادات في علم التغير المناخي تناقش أخطاء في بياناتهم، وتظهرهم يخططون فيما يبدو من أجل إسكات منتقديهم.

وفي الوقت الحالي، تضخمت القضية لما أصبح يطلق عليه فضحية «مناخ ـ غيت» (في إشارة إلى فضيحة «ووترغيت»). وقد فعلت فضيحة «مناخ ـ غيت» ما عجزت عنه الكثير من العروض وإعلانات الخدمات العامة، حيث جذبت اهتماما شعبيا إلى علم الاحتباس الحراري العالمي.

وينصب مقدار كبير من هذا الاهتمام على أخطاء هذا العلم. وقد دفعت هذه الرسائل الإلكترونية، والتي سُربت قبل بدء محادثات دولية حول المناخ في كوبنهاغن تعد تتويجا لأعوام عمل خلالها العلماء على دق نواقيس الخطر للتحذير من انبعاثات غازات الدفيئات، هؤلاء العلماء إلى بؤرة الاهتمام السياسي، وأعطت دفعة إلى آخرين يعتقدون أن التحدي المناخي قضية مبالغ فيها.

وتثير الرسائل الإلكترونية تساؤلات جدية. ففي محاولة للسيطرة على ما يسمعه المواطنون، هل حاول علماء بارزون يربطون بين التغير المناخي والسلوك البشري إخماد سجال يأتي في لب النهج العلمي؟ وهل علم الاحتباس الحراري العالمي أكثر فوضوية مما يصرحون به؟

وتتضمن الملفات الإلكترونية المسروقة أكثر من 1000 رسالة عبر البريد الإلكتروني، و3000 وثيقة جميعها أخذت من خوادم داخل وحدة البحث المناخي، وهي مركز عالمي شهير داخل جامعة إيست إنغليا في بريطانيا.

كتب فيل جونز، مدير الوحدة، إلى زميل أنه سوف «يخفي» مشكلة مع بيانات من حلقات شجرة سيبيرية بمقاييس درجة حرارة جو محلية أكثر دقة. وفي رسالة أخرى، يتحدث جونز عن حفظ بحث لا يوافق عليه خارج تقرير للأمم المتحدة «حتى لو كان علينا أن نعيد تعريف ما يعني أدب المراجعة الشريف».

ومنذ ذلك الحين، تنحى جونز عن منصبه بصورة مؤقتة. وتدرس جامعة ولاية بنسلفانيا هل تستحق الرسائل الإلكترونية، التي كتب بعض منها أستاذ فيها يدعى مايكل مان، إجراء تحقيق. وفي مقابلة أجريت معه، قال مان إنه واثق من أنه لم يقم بأي شيء «غير سليم» ولا أي من الباحثين الآخرين الذين تعرضت رسائلهم الإلكترونية للقرصنة الإلكترونية.

ولكن يظهر النقاش الحديث (حيث يقول بعض العلماء إن كوكب الأرض لم يعان من الاحترار مثلما كان متوقعا خلال الأعوام العشرة الماضية) أن علم التغير المناخي ما زال علما يستخلص خلاله الباحثون دروسا مختلفة من بيانات واحدة. والمشكلة هي أن هذا العلم يعرض على جمهور لن ينتظر إلى حين التأكد من الصحة.

وتقول جوديث كوري لصحيفة «الواشنطن بوست»، وهي رئيسة مدرسة كوكب الأرض والعلوم المناخية في معهد جورجيا للتقنية، إن هناك سياسيين يقولون «نحن في حاجة إلى تقليل الشكوك، وأعتقد أن هذا أسهم في تشكيل عقلية يحاول من خلالها (علماء المناخ) تقليل الشكوك» عندما يتحدثون عن أبحاثهم. وتضيف: «أشعر بشيء من القلق بسبب هذه الضغوط السياسية».

ولكن تقول المؤسسة المناخية، ومعها علماء بارزون يعملون لدى الحكومة الأميركية، إن الرسائل الإلكترونية لا تحتوي على شيء يثبت بطلان الأفكار الراسخة. ويضيفون أن غاز ثاني أكسيد الكربون، وغيره من الغازات التي تخرج من الدفيئات، لا يزال يتجمع في الغلاف الجوي ويحجز الكثير من حرارة الشمس، وستكون لذلك تبعات كارثية على المدى البعيد.

وفي الوقت نفسه، فوجئ الجميع قبيل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ، الذي يبدأ الاثنين، بإعلان البيت الأبيض حضور الرئيس باراك أوباما إلى كوبنهاغن في آخر يوم من القمة للمشاركة في المفاوضات النهائية مع باقي قادة العالم.

وأعلن المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس في بيان أن «الرئيس يعتبر أن دور الولايات المتحدة القيادي سيكون أكثر فعالية إذا شاركت (بلاده) في اختتام قمة كوبنهاغن في 18 ديسمبر (كانون الأول) بدلا من التاسع من ديسمبر».

وأوضح «لا تزال هناك مسائل مهمة يجب بحثها من أجل التوصل إلى اتفاق، وهذا القرار يعكس التزام الرئيس (أوباما) ببذل كل ما في وسعه من أجل التوصل إلى نتيجة إيجابية».

وقال إن أوباما الذي تعرض إلى انتقادات بعد إعلانه التوجه إلى كوبنهاغن في التاسع من الشهر الجاري فقط، عدل خططه إثر محادثات أجراها مع قادة آخرين، بعد أن لاحظ تقدما في المباحثات الرامية إلى التوصل لاتفاق حول المناخ.

وسارع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى الترحيب بهذا الإعلان «بارتياح كبير»، معتبرا أن القرار يدل على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لإنجاح ذلك المؤتمر حول المناخ.

كذلك أعربت منظمة «غرين بيس» المدافعة عن البيئة عن ارتياحها لهذا القرار، واعتبرت أن «كل العناصر متوافرة الآن كي يمضي قادة العالم قدما ويتوصلوا إلى اتفاق ملزم» يحد بنجاعة من انبعاثات غاز الدفيئة. وقد أكد أكثر من مائة رئيس دولة وحكومة مشاركتهم في مؤتمر كوبنهاغن من 7 إلى 18 ديسمبر (كانون الأول).

وفي دلالة أخرى على حسن إرادتها، أعلنت الولايات المتحدة أنها مستعدة لتقديم حصتها في خطة المساعدة السنوية المقدرة بعشرة مليارات دولار إلى الدول النامية لمساعدتها على مكافحة التغيرات المناخية، تلك الخطة التي يفترض أن يتم الاتفاق بشأنها في كوبنهاغن. ودعت بريطانيا وفرنسا الأسبوع الماضي إلى إنشاء صندوق الدعم هذا.

وقال غيبس إن «إجماعا يحصل على أن أحد العناصر المركزية في الاتفاق الذي يجب التوصل إليه في كوبنهاغن يجب أن يكون جمع عشرة مليارات دولار سنويا بحلول 2012» لفائدة الدول النامية، مضيفا أن «الولايات المتحدة ستدفع حصتها في هذا المبلغ». وأوضح غيبس أن أوباما بحث مع ساركوزي آخر تطورات المفاوضات، وكذلك مع رئيسي الوزراء البريطاني غوردن براون والأسترالي كيفين رود، ومع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

وتعتبر مساعدة الدول النامية عنصرا حاسما في البحث عن اتفاق في كوبنهاغن، حيث إن تلك الدول مترددة في الموافقة على أهداف ملزمة في مجال مكافحة التغيرات المناخية وتحمل الدول الغنية مسؤولية تاريخية فيها.

وقد بعث أوباما شيئا من التفاؤل في العملية المؤدية إلى كوبنهاغن بإعلانه في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) هدفا مرقما لخفض الانبعاثات الدفيئة الأميركية بنسبة 17% بحلول 2020، مقارنة بـ2005. لكن «غرين بيس» اعتبرت ذلك الهدف غير كاف، ودعت الرئيس الأميركي إلى «الزيادة في الخفض والمساهمة المالية (للولايات المتحدة)» تجاوبا مع متطلبات التغيرات المناخية.