البرادعي: ينبغي التعامل مع إيران بطريقة «إننا قلقون لكننا لسنا مذعورين»

قال في حديث تنشره «الشرق الأوسط»: في وقت قريب أو بعيد سيستخدم شخص ما سلاحا نوويا عمدا أو بخطأ الكومبيوتر

محمد البرادعي (أ.ب)
TT

غادر محمد البرادعي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي عمل مديرا لها على مدى 12 عاما شهدت مواجهات مع كوريا الشمالية وإيران وسورية ومشادات علنية مع واشنطن. بعد ثلاثة أيام من تركه منصبة، تحدث المحامي المصري البالغ من العمر 67 عاما والحاصل على جائزة نوبل للسلام مع مراسل «واشنطن بوست» غوبي واريك لتقييم التوقعات بشأن الاتفاق النووي مع إيران. وتلك هي المرة الأولى التي يتحدث فيها بصورة علنية حول قرار الوكالة الدولية الذي صدر في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الذي انتقدت فيه طهران.

* هل وصلت الدبلوماسية مع إيران إلى طريق مسدود؟ ـ كان القرار الذي اتخذته الوكالة تعبيرا عن حالة اليأس، لكن أحدا لم يذكر أن هذا هو نهاية النضال من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي، فذات الأفراد الذين صوتوا لصالح القرار لا يزالون يتحدثون عن أهمية الحوار مع إيران. وما شهدناه من إيران في أعقاب القرار كان أشبه بنوبة غضب. وآمل أن تتلاشى نوبة الغضب هذه وأن يتنبهوا إلى ما فيه صالحهم، وأعني بذلك العودة إلى الحوار على أساس الاحترام والنوايا الطيبة. كما آمل أيضا أن تنظر الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى أن عليهم أن يكونوا أكثر صبرا ويدركوا أننا سنضطر إلى المرور بنوبات غضب داخلية في إيران ثم نعود بعدها إلى المسار الصحيح وهو المفاوضات وأنا لا أرى أي سبيل آخر.

* شهدنا جميعا كيف مد الرئيس باراك أوباما يده لإيران، فهل التطورات الأخيرة تثبت أنه كان ساذجا؟ ـ يجب عليك أن تدرك وجود 50 عاما من العداء وانعدام الثقة. وقد بدأنا فقط بالتعامل بصورة جدية مع إيران، حسب وجهة نظري، مع قدوم إدارة جديدة في الولايات المتحدة عندما قال الرئيس أوباما: «إننا راغبون في التحرك قدما دون شروط مسبقة على أساس الاحترام المتبادل»، والاحترام المتبادل هو الأساس للحوار ككل. أما من يصفون الرئيس أوباما بالساذج فإن أيا منهم لم يقدم البديل الأنسب. فقد فشلت الدبلوماسية السابقة على مدار ست سنوات. وأعتقد أن المشكلة كان من الممكن حلها منذ أربع أو خمس سنوات إذا ما كانت السياسة السابقة براغماتية ومبنية على الواقعية لا الآيديولوجية.

* هل تعتقد أن الإدارة السابقة مسؤولة بصورة أكبر عن الانتكاسات التي حدثت على المسارين الإيراني والكوري الشمالي؟ ـ من وجهة نظري، كان هناك سوء إدارة للموقف من كل الجوانب. أنا لا أبرئ بذلك إيران أو كوريا الشمالية لكن الدبلوماسية تعرف بأنها فن الممكن. فقد كانت الولايات المتحدة تعارض إقامة أي حوار مع إيران. وكان مبدؤها في ذلك الوقت: «إننا لا نرغب في الحوار مع دول محور الشر» ووصفت العداء بألفاظ توراتية وأحدثت خطابات المسؤولين الأميركيين خلافات كبيرة. ومن ثم لا يمكنك أن تصف دولة بأنها جزء من محور الشر ثم تستدير وتتوقع منها أن تثق بك أو تتصرف نحوك بصورة معينة.

* قلت إنك تعارض العقوبات كإجراء غير مثمر، فما هي البدائل؟

ـ يتحدث البعض عن العقوبات الذكية والعقوبات المعيقة، وأنا لم أر عقوبات ذكية، والعقوبات المعيقة تعيق الجميع، وخاصة المدنيين الأبرياء وتجعل الحكومة أكثر ثباتا. فيمكنك استخدام الضغط لكن بصورة ماهرة. كما يمكنك استخدام القنوات الخلفية، والأهم من ذلك معرفة الصورة التي ينبغي معاملة الدولة بها وهذا عامل نفسي هام جدا.

* تحدثت إسرائيل عن آخر العام الحالي كموعد نهائي لإيران لتلبية المطالب الدولية مشيرة إلى أن الخيار العسكري مطروح على الطاولة؟ ـ مثل هذا الطرح يشكل أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تقع. لكنني لا أعتقد أن هناك حلا عسكريا، وإذا ما قصفت منشآت دولة ما فإنك بذلك تقدم لها الذرائع الكفيلة بالمضي قدما في برنامج الأسلحة النووية ولن يكون بمقدور أحد إلقاء اللوم عليها. وقد رأينا في التقارير الأخيرة أن إيران لا تسارع من وتيرة تخصيب اليورانيوم ومهما كانت الأسباب ـ تقنية كانت أم سياسية ـ فلا بد من مراعاة ذلك. ونحن لا نرى في ذلك تهديدا مستقبليا.

* اعترفت إيران في سبتمبر (أيلول) بمنشأة تخصيب اليورانيوم السرية في قم، والتي تعد الأحدث في قائمة المشروعات النووية السرية التي يتم الكشف عنها. فهل هناك أي شكوك بشأن النوايا الإيرانية؟

ـ من المؤكد أن هناك قلقا بشأن النوايا المستقبلية لإيران لكن كما قلت وأقول دائما إنني لا يمكنني قراءة المستقبل. وقد أثيرت بعض المزاعم حول قيام إيران بدراسة حول تفجير رؤوس نووية.. أؤكد أن هذه الدراسات دراسات فرضية وليست تصنيعا لرؤوس نووية، لكن حتى تقييمات الاستخبارات الوطنية (الأميركية) خلصت إلى أنهم أوقفوا مساعيهم لتصنيع رؤوس نووية عام 2003. هل هذه مجازفة؟ هناك دائما نوع من المجازفة، لكن الطريقة التي ينبغي التعامل بها يجب أن تكون: «إننا قلقون لكننا لسنا مذعورين» ثم تحاول البحث عن حل لا يقوم على الذعر.

* بعد 12 عاما على رأس الوكالة الدولية للطاقة الذرية هل أنت أكثر تفاؤلا أم تشاؤما بقدرة العالم على تجنب حرب نووية أو هجوم إرهابي؟

ـ من ناحية، نحن نواجه كثيرا من التهديدات بسبب انتشار التكنولوجيا النووية والمواد النووية، مقترنا بازدياد التطرف. ومن ناحية أخرى نحن الآن ومنذ تولى الرئيس أوباما السلطة هناك تغير كبير في الأجواء وهناك بيئة يتحدث فيها الأفراد بصورة أكبر حول التخلص من الأسلحة النووية، ونأمل في أن يتبع ذلك خطوات صلبة، وأنا أنتظر لأن أشهد معاهدة ستارت (معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية) جديدة. ومن المبشرات أن يتم تفعيل معاهدة حظر تجارب أسلحة الدمار الشامل وإذا ما بدأت هذه الأمور في الحدوث فسوف تضطر الدول الساعية إلى امتلاك أسلحة نووية إلى تغيير استراتيجيتها مرة أخرى.

* هل تخشى من أن تتسبب دولة إيرانية مسلحة نوويا في سباق تسلح داخل منطقة الشرق الأوسط؟

ـ أنا غير متأكد هل علينا ربط ذلك بإيران ذاتها، فلديك منطقة بها نقص في الحكم الجيد وفقر وعدم تكافؤ في الفرص. وفي ظل ذلك، لا يجب أن تفاجأ عندما تكون هناك حالة من انعدام الأمن، وربما تحاول بعض الدول السيطرة عبر الحصول على أسلحة نووية، أو على الأقل قدرات، (نووية).. ولا يمكن أن نعيش تحت شبح الأسلحة النووية لأنها سوف تؤدي إلى المزيد من الانتشار، وفي وقت قريب أو بعيد سوف يستخدم شخص ما سلاحا نوويا عن عمد أو بحدوث خطأ في أنظمة الكومبيوتر.

* تحت قيادتك، أصبح للوكالة الدولية للطاقة الذرية دور أكثر بروزا يقول البعض إنه دور سياسي بشكل أكبر وإنه أكثر إثارة للجدل أيضا؟

ـ لا يمكن فصل الأمن عن السياسة، فلا يمكن ألا نهتم بالسياق السياسي الذي نعمل فيه أو التداعيات السياسية لما نقوم به. ويعطي العراق مثالا واضحا على كيف يمكن أن يصنع التثبت من الأشياء فارقا بين حرب وسلم.. وأرى أن جزءا من وظيفتي هو التأسيس لحل سياسي يمكن له بناء الثقة. وإذا رأى الناس في ذلك تسييسا، فهو كذلك. ولكن بالنسبة للوكالة إذا كان هناك ضيق أفق في الدور الذي تلعبه فإن ذلك يضر العالم.

* لماذا تعتقد أن الولايات المتحدة أخطأت في العراق وأسلحة الدمار الشامل؟

ـ نحن نعمل من هنا على أساس النية الطيبة، وكلفنا بالتأكد مما إذا كان لدى العراق أسلحة نووية أو أي من أسلحة الدمار الشامل الأخرى. ولم تكن هذه مهمة سهلة، بالتعامل مع دكتاتور مرعب مثل صدام حسين، ولكن كان علينا أن نقوم بوظيفتنا بموضوعية ونزاهة. ولكن، للأسف أدركنا مؤخرا أن قرار الحرب لم يكن يعتمد على عملنا ولكن على ما يسمى بتغيير النظام الحاكم. واتخذ القرار في 2002، أي قبل عام من عمليات التفتيش التي قمنا بها. إلى أي مدى يتماشى تغيير نظام حاكم مع القانون الدولي؟ وكيف تبرر مقتل قرابة مليون مدني بريء ثمنا للتخلص من دكتاتور؟ ومن المسؤول عن ذلك في نهاية المطاف بعد أن تبين أنه لا توجد أسلحة دمار شامل؟

* سوف يدلي أوباما الأسبوع الحالي بخطاب قبول جائزة نوبل. كشخص حاصل على جائزة نوبل، ما هي النصيحة التي تقدمها له؟

ـ في رأيي، إنه شخص يغير العالم، فمنذ أن تولى السلطة بعث رسالة لم تكن موجودة لمدة أعوام مفادها أننا عائلة بشرية واحدة وأن علينا التعايش وأن نحترم أعراقنا وعقائدنا وأدياننا. محتم علينا أن نحيا معا ويجب أن نقوم بكل ما نستطيعه للعيش معا واستخلاص أفضل ما في الإنسانية. وأنا متأكد من أن رسالته هي أنه «يمكننا أن نغير». وقد كان هذا شعاره خلال الحملة الانتخابية. وقد طبق ذلك على الولايات المتحدة، وأعتقد أن عليه تطبيق ذلك على العالم برمته.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»