واشنطن تعد مبادرات لتوسيع العلاقات مع الدول الإسلامية خارج القضايا التقليدية

استعدادات لعقد قمة لريادة الأعمال وبحث مشاريع جديدة بعد 6 أشهر من خطاب أوباما في القاهرة

TT

بعد ستة أشهر من إلقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما خطابه للعالم الإسلامي في القاهرة، تواصل الإدارة الأميركية جهودها لتوسيع العلاقات مع الدول ذات الأغلبية المسلمة في إطر متعددة خارج النطاق العسكري والسياسي البحت. وكان هذا الهدف الذي تحدث عن أوباما في خطابه في يونيو (حزيران) الماضي، وأصبح المهمة التي على كوادر في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والسفارات الأميركية في الخارج تطبيقها. ويعول مسؤولون في واشنطن الكثير على قمة ريادة الأعمال المرتقب عقدها في واشنطن بداية الربيع المقبل لتكون تجسيدا للمشاريع التي يمكن إطلاقها لتطبيق رؤية أوباما في توسيع العلاقات مع الدول ذات الأغلبية الإسلامية والجاليات المسلمة حول العالم.

وشرح غريغ برمان، وهو عضو في «مكتب التخطيط» المرتبط مباشرة بمكتب وزيرة الخارجية الأميركي هيلاري كلينتون، التفكير وراء الاستعداد للقمة والمشاريع المماثلة التي تطلقها الولايات المتحدة لتوسيع التعاون مع دول إسلامية، قائلا «نحن نبحث عن بداية جديدة مع المسلمين حول العالم، ونريدها أن تكون في إطار الشراكة وليس الخلاف ولا بموجب قضايا سياسة وأمنية ضيقة.. نريدها أن تكون مبنية على المصالح المشتركة والاحترام وكيفية العمل معا». وأضاف برمان في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» أن الهدف من القمة هو إطلاق «شراكة مستدامة» تستمر ما بعد القمة التي من المرتقب أن يحضرها الرئيس الأميركي وعدد من المسؤولين الأميركيين، بالإضافة إلى أميركيين بارزين في ريادة الأعمال، بالإضافة إلى نحو 150 موفدا من دول ذات أغلبية إسلامية أو جاليات مسلمة كبيرة في دول مختلفة لها اهتمام بالابتكار وريادة الأعمال. وهناك تشديد على أهمية أن تخرج القمة التي ستعقد على مدار يومين بـ«نتائج ملموسة» بحسب برمان الذي قال إن التواصل مع إخصائيين في مجال ريادة الأعمال وتنمية الإمكانيات للمبتكرين ورواد الأعمال الأميركيين والمسلمين أو العاملين في دول ذات أغلبية مسلمة أمر أساسي، بالإضافة إلى العمل على عقد قمم سنوية مماثلة بناء على مناطق معينة.

وأطلقت الولايات المتحدة خلال الأشهر الماضية مبادرات عدة في إطار تحسين العلاقات مع المسلمين حول العالم، مثل تعيين فرح بانديث مندوبة خاصة للجاليات الإسلامية، وتعيين مبعوثين خاصين في مجال العلوم والتقنية من المرتقب أن يزوروا المنطقة قريبا لبحث شراكات في مجال التقنيات مع دول مسلمة عدة. إلا أن القضايا الجوهرية التي ما زالت تحدد تفكير الكثير من المسلمين تجاه الولايات المتحدة ما زالت قضايا سياسية شائكة، على رأسها علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل والصراع العربي ـ الإسرائيلي، وهو أمر يقره مسؤولون في واشنطن وتحدث عنه أوباما أكثر من مرة. وبعد أن أعلن أوباما في بداية رئاسته عزمه على استئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، واصطدمت تلك الجهود بعقبات عدة، تثار التساؤلات حول إمكانية أن تخلق الإدارة الأميركية أجواء جديدة تسمح بإحلال السلام في المنطقة. وردا على سؤال حول جدوى مبادرات مثل دعم رواد العمل في الشرق الأوسط وغيرهم مع القضايا السياسية الشائكة، أجاب برمان «بعض التحدي هو أن الكثير ينظرون إلى الولايات المتحدة من خلال منظار النزاع العربي ـ الإسرائيلي، وقد ناقشنا ذلك كثيرا في المنطقة عند الحديث مع الأصدقاء والمحاورين، إنه أمر في غاية الأهمية، والرئيس جعله أولوية من اليوم الأول، والولايات المتحدة تقر أهمية القضية، ولكن ما نحاول أن نعمله هو توسيع العلاقة وأن نقول إنه ليس الأمر الوحيد الذي يوجد، مثل أن مكافحة الإرهاب ليست كل ما يوجد» لتحديد العلاقة بين الطرفين. وشدد برمان على أن هناك «مصادر هائلة وابتكارا وقدرة وقيمة للتواصل بين الناس، بالإضافة إلى فرص اقتصادية لنا جميعا.. نحن نبحث عن الفائدة المشتركة والقيم المشتركة للطرفين». وأضاف «نحاول أن نتواصل مع الناس على مستويات مختلفة، هناك تحديات هائلة، اقتصادية وهيكلية، تجب معالجتها، حتى لو هذه القضية (أي القضية الفلسطينية) حلت غدا، ستبقى هذه القضايا»، موضحا «نريد أن نكون شركاء لمعالجة القضايا التي تهم الناس، يمكننا ويجب علينا أن نعالج كلتا المجموعتين من القضايا».

ويعمل برمان مع فريق من المسؤولين والاختصاصيين للاستعداد لقمة ريادة الأعمال الموجهة إلى رواد أعمال من خلفيات مسلمة. وهناك تساؤلات حول جدوى تسليط ضوء على القمة على أنها للتواصل مع رواد عمل في إطار العلاقات مع المسلمين بدلا من وضعها في إطار اقتصادي أو تنموي، ورد برمان على ذلك قائلا «الأمر ليس فقط على استهداف المسلمين، ولكن الرئيس ألقى خطابه في القاهرة لأن هناك أجزاء معينة في العالم ودولا ذات أهمية كبيرة للولايات المتحدة، وتمثل جملة من التحديات والفرص الاستراتيجية» يقطنها أغلبية مسلمة، مشيرا إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأجزاء من شرق آسيا. وأضاف «نأمل أن نصل إلى دول ذات غالبية مسلمة ودول فيها جاليات مسلمة كبيرة»، موضحا أن المجال مفتوح أيضا لغير المسلمين في الدول المعنية فهم مدعوون أيضا للقمة وللمشاركة في هذه المبادرات. وستعقد السفارات الأميركية جلسات على هامش القمة لإشراك أكبر عدد ممكن من رواد الأعمال والمختصين بتنمية ريادة الأعمال، بالإضافة إلى بث جلسات القمة عبر الإنترنت.

وشرح برمان أنه من المؤمل أن تكون القمة بادرة تلهم آخرين بعقد لقاءات مشابهة لدعم بيئة تسمح بالمزيد من أعمال ريادية في المنطقة، قائلا «نريد أن نلهم وندعم العملية، لا نريد أن نسيطر عليها». وأضاف «هناك أشخاص يقومون بعمل كفء وملهم وجيد، وعند التفكير بطريقة استخدام قوتنا فمن بين الأمور التي يريدها الرئيس (أوباما) التواصل مع الآخرين وتزويدهم بمنطقة للعمل من أجل أن ندعمهم ونقويهم».

وبعد مرور 6 أشهر على خطاب أوباما، قال برمان إن الخطاب قدم «مساعدة هائلة» في تحسين العلاقات مع المسلمين حول العالم، موضحا: «لقد أحرزنا تقدما رائعا لأننا بعثنا رسالة واضحة بأننا نسعى إلى بداية جديدة ونحن نعمل تجاهها، مما جعل الكثيرين ينظرون (للعلاقات مع الولايات المتحدة) بطريقة مختلفة، وأن يكونوا منفتحين.. الدليل سيكون في ما نقوم به وما يمكننا بنائه معا». وأضاف «ستة أشهر فترة لها معنى، وفعلنا فيها الكثير، وسيكون لدينا الأكثر بعد عام، ولكن جهودنا ليست على مدار 6 أشهر أو سنة، بل على مدار سنوات عدة ضمن جهود متواصلة ومستدامة».