أطفال الملاجئ يعيشون ويدرسون أفضل من أقرانهم في مالاوي

مبادرات لإحداث التوازن وعدم إهمال العائلات التي ترفض إرسال أيتامها للمؤسسات

TT

يوفر ملجأ اليتامى «بيت الأمل» للفتاة شيكودانو لوبانغا (15 عاما) ثلاث وجبات يوميا وزيا مدرسيا جديدا وحذاء وتعليما جيدا. أما ابنة عمها جين (11 عاما) التي رفضت دخول الملجأ لتعيش مع أختها الكبرى، فلا تملك حذاء، وترتدي ملابس رثة وتعيش بمعدة شبه خاوية ولا تزال تدرس بالصف الثالث للمرة الثالثة. وتقول جين إنها نادمة أشد الندم على عدم دخول الملجأ، الذي تبنت المطربة مادونا أحد أطفاله. وهمست جين قائلة: «لو أني أقمت في الملجأ لكان باستطاعتي الآن أن أتعلم القراءة». في بلد مثل مالاوي يعاني من وطأة الفقر، يُنظر إلى الأطفال المقيمين في المؤسسات على أنهم أطفال محظوظون، لكن مع حصول الملاجئ المنتشرة في إفريقيا على تبرعات من الكنائس والجمعيات الخيرية في الغرب، لا تحصل العائلات التي تربي الغالبية العظمى من اليتامى في القارة على أي نوع من الدعم على الإطلاق. ويقول الباحثون إن الطريقة المثلى لمساعدة هؤلاء الأطفال تكون عبر تبرعات نقدية من المال، 4 إلى 20 دولارا شهريا في برنامج تدريبي يتم الإعداد له في ملاوي، تقدم مباشرة إلى العائلات الفقيرة التي تربي عددا كبيرا من الأطفال. وتشير كاندسي ميلر الأستاذة بجامعة بوسطن والباحثة الرئيسة بالمشروع إلى أن البرنامج يقدم منحا لثماني عائلات تربي أكثر من عشرين طفلا تصل إلى 1500 دولار سنويا قد تكفي لرعاية طفل واحد في ملجأ «بيت الأمل».

ويصر الخبراء والمدافعون عن حقوق الأطفال على أن الملاجئ دائما ما تكون مكلفة وتعيق تطور الأطفال عبر فصلهم عن عائلاتهم. غالبية الأطفال الذين يعيشون في مؤسسات الرعاية حول العالم لهم آباء أو أقارب على قيد الحياة وهم يدخلون إلى هذه الملاجئ نتيجة للفقر، وذلك بحسب التقرير الذي نشرته منظمتا «اليونيسيف» و«سيف ذي تشيلدرن» (أنقذوا الأطفال).

ويقول الدكتور بيزويك موالا المدير التنفيذي لمفوضية الإيدز الوطنية في مالاوي: «بسبب المال الذي تحصل عليه هذه الملاجئ يشرع البعض في إنشائها ووضع الأطفال بها». أما مؤسس «بيت الأمل» القس تومسون تشيبيتا (80 عاما) فيشير إلى أن الأطفال بحاجة إلى الملجأ لأن عائلاتهم مُعدَمة، وإذا ما حظي الأطفال بمنزل كهذا فهو أفضل بكثير بالنسبة إليهم.

ويقول فيليبي فان دن بوستشي إن مؤسسة مادونا الخيرية «ريزينغ مالاوي» تتحمل غالبية نفقات ميزانية تشغيل «بيت الأمل» وتدعم أيضا المراكز المجتمعية التي يتمكن من خلالها الأطفال اليتامى الموجودين مع ذويهم من الحصول على الطعام والخدمات. وأشار إلى أن الملاجئ لم تكن الحل الأمثل لكنها كانت ضرورة عندما تتخلى العائلات عن أبنائها.

وفي شريط مصور لمادونا مع يتامى الإيدز في مالاوي تقول: «أنا هنا لأننا جميعا متحدون». وأشارت إلى أنها انجذبت إلى هذا البلد عندما علمت أن مثل هؤلاء الأطفال في كل مكان ويعيشون في الشوارع وينامون تحت الجسور ويختبئون في الأماكن المنعزلة حيث يكونون عرضة للخطف والاغتصاب والانتهاكات. وتوضح البيانات الديموغرافية أن العديد من العائلات الفقيرة الكبيرة تؤوي الأطفال الذين توفي آباؤهم. وفي الوقت الذي زاد فيه الإيدز من أزمة اليتامى في إفريقيا أظهرت آخر تقييمات الأمم المتحدة التي صدرت مؤخرا وجود 55.3 مليون طفل في الدول الواقعة في جنوب الصحراء الكبرى ممن فقدوا والديهم أو أحدهما. كما تظهر أن عدد الأطفال المصابين بالإيدز بينهم 14.7 مليون طفل.

وقد أقرت «مبادرة التعليم المشتركة للأطفال والإيدز» التي جمعت عشرات من الخبراء الدوليين لمراجعة مئات الدراسات هذه العام، دعم البرامج التي تقدم للعائلات الفقيرة دعما ماديا متواضعا من بينها برامج تحويل الأموال كما هو الحال في مالاوي. وقد أُنفقَ أكثر من مليار دولار جاءت كمساعدات خارجية خلال السنوات الخمس الأخيرة على اليتامى والأطفال المعرضين للخطر لكن بعض المانحين الرئيسيين لم يعلموا الصورة التي تم بها إنفاق هذه الأموال. وتقول ليندا ريختر التي تدير برامج للأطفال في مجلس أبحاث العلوم الإنسانية بجنوب إفريقيا: «تذهب أموال طائلة إلى هذه الجهود لكن نتائجها محدودة». وفي مالاوي، حازت مئات من التجمعات السكانية منحا مالية لإطلاق مشروعات صغيرة، ويُتوقع أن تقدم الأرباح الناجمة عن تلك المشروعات كمنح لليتامى. وقالت بولين بيترز خبيرة الأنثروبولوجيا بجامعة هارفرد، وسوزان واتكينز عالمة الاجتماع بجامعة بنسلفانيا، اللتان اشتغلتا سنوات في بحوث بقرى مالاوي، إن «اليتامى حصلوا على أرباح قليلة من الملايين التي أُنفقَت».

ففي كانديتي، حيث تعيش عائلة جين لوبانغا، حصلت مجموعة مكونة من 20 قرويا على منحة قدرها 4 آلاف دولار العام الماضي، لإطلاق مزرعة للخنازير يُفترض أن تساعد أرباحها اليتامى. اشترت المجموعة تسعة خنازير ذات سلالة جيدة، وأنشأت لهذه الحيوانات مكان إقامة به أحسن من أماكن إقامة غالبية السكان المحليين، وأرسلت متطوعين لحراسة الحيوانات على مدار الساعة. كما اشترت المجموعة 10 دراجات ولقاحات للحيوانات ودفعت لأعضائها لحضور حصص تدريبية. لكن بعد سنة، لم تبع المجموعة واحدا من تلك الحيوانات.

يشار إلى أن آلية تحويل الأموال في مالاوي، التي يجري تمويلها من قِبَل مبادرة مدعومة من منظمة اليونيسيف، تساعد مباشرة العائلات المُعوِزة التي ترعى عددا كبيرا من الأطفال أو التي لا تضم شخصا بالغا قادرا على كسب القوت للعائلة.

واتضح أن أطفال العائلات التي تحصل على مساعدات، يعيشون حالة صحية أحسن، ويحصلون على طعام وملابس أحسن، ولهم فرص أكبر لدخول المدارس من أقرانهم الذين لم تحصل عائلاتهم على شيء، حسب دراسة أعدتها جامعة بوسطن وجامعة مالاوي، وجرى تمويلها من قِبل برنامج اليونيسيف وحكومة الولايات المتحدة. وقالت الأستاذة ميلر من جامعة بوسطن إن البرنامج أثمر «فوائد رائعة»، لكنها حذرت من أن البلاد بحاجة إلى إجراءات لمنع الفساد والاحتيال في المستقبل.

* خدمة «نيويورك تايمز»