طلبة البلقان يضطرون لولوج سوق العمل لتمويل دراستهم

الأزمة الاقتصادية ونمط العيش الجديد يغيران نظرة الشبان لأولوية الزواج والتخرج

TT

يزداد عدد الطلبة الباحثين عن عمل في البلقان، لتمويل دراستهم، رغم الرواتب المتدنية التي يتلقونها، والساعات الطويلة التي يقضونها في العمل. وغالبا ما يلجأ هؤلاء الطلبة إلى أعمال بسيطة في المطاعم والمقاهي، أو بيع الصحف في الشوارع، والمحظوظون منهم فقط يجدون عملا إداريا.

هارون أروتشيفيتش، واحد من الطلبة البوسنيين، الذين اضطروا للعمل لتمويل دراستهم، وأيضا الزواج، رغم أنه لم يتجاوز الـ24 عاما. وقال هارون لـ«الشرق الأوسط»:

«لقد عملت في الكثير من الأعمال الحرة، لتمويل دراستي، ومنذ فترة حصلت على عمل كسكرتير في مدرسة، وأتلقى راتبا يصل إلى 500 يورو في الشهر تقريبا، كما فتحت مقهى بقصد توفير لوازم الزواج، ويعمل فيه كذلك طلبة». وعن تأثير العمل على الدراسة، أخذ نفسا عميقا ثم قال: «أضعت الآن عامين من الدراسة، بسبب العمل، حيث أعمل من الساعة السابعة صباحا، وحتى الساعة الرابعة بعد الظهر، وبعدها مباشرة أتوجه إلى المقهى لأشرف بنفسي على العمل، والآن أعد العدة للزفاف، لكن الدراسة تبقى الهاجس الذي يجب أن لا تغطي عليه أي اهتمامات أو هواجس أخرى». وتابع: «بعد الزواج سأكتفي بوظيفتي، وسأهتم بزوجتي التي ستكمل دراستها، وسأعمل على إكمال دراستي الجامعية، فمن أجلها دخلت سوق العمل». وتوقع هارون أن يساهم زواجه في استقراره النفسي والأسري وبالتالي نجاحه الدراسي. وذكر هارون أن خطيبته التي ستصبح قريبا زوجته، تعمل في مجال تقديم الدروس الخصوصية لطلبة الثانوي في مواد الرياضيات واللغة الإنجليزية والفلسفة.

وأصبحت حالات زواج الطلبة، وسعيهم للحصول على عمل، قبل التخرج، ظاهرة في البلقان. فهناك دوافع قوية للزواج، وبالتالي البحث عن العمل، تعكسها خصوصا عودة الشبان إلى التدين.

نديم توباكتوفيتش، 25 عاما، والطالب في السنة الثالثة، تخصص إعلام، وجد نفسه هو الآخر مضطرا للعمل لتمويل دراسته الجامعية، وتوفير الحد الأدنى من لوازم الزواج الذي تؤخر موعده خطيبته التي ترفض دخول القفص الذهبي قبل إتمام دراستها. وقال نديم لـ«الشرق الأوسط»: «عملت عدة أشهر في ليبيا مع شركة إنشاءات بوسنية، ولكن الحر كان شديدا والراتب كان قليلا، فعدت إلى البوسنة ودخلت دورات تدريب على حماية المنشآت والشخصيات العامة، وعملت في هذه المهنة لدى شركة، ماركاتر، السلوفينية، والآن أعمل في أحد البنوك في نفس المهنة». وعن الراتب والدراسة قال: «الراتب مقبول، كما أني لم أنس دراستي فمن أجلها دخلت سوق العمل، وأعتقد أن مهنة حارس أمني جيدة، في حالة لم أجد عملا مناسبا بعد تخرجي من الجامعة. فأنا أسعى لأن تكون معي شهادة، سواء عملت بها، أو احتفظت بها كإضافة، فبقدر ما يكون لدى الإنسان أكثر من مهنة، تكون فرصه في الحصول على عمل أفضل».

بيد أن هناك من لم يجد العمل الذي يرغب فيه، من ناحية العائد المادي، فيرضى بالقليل في انتظار البديل المطلوب. وتزداد مع الأيام رغبته في الزواج.

عزيز شاب في الثالثة والعشرين من عمره، يدرس علم الاجتماع، سنة ثالثة، يقول إنه عمل في مجالات أخرى لتمويل دراسته، منها شركة لبنوك الدم. ويضيف: «عملت في شركة حكومية، مختصة في بنوك الدم، وقد تدربت للعمل في هذا المجال، سواء في الدعاية أو ممارسة عملية سحب الدم من المتبرعين عن طريق الإبر الخاصة والأكياس المعدة لهذا الغرض، وتعلمت طريقة حفظ الدماء ونقلها. ولكني فقدت عملي هذا بسبب الأزمة الاقتصادية، وأعمل حاليا كنادل بأحد النوادي التابعة لجمعية محلية». بيد أنه اشتكى من العائد البسيط لعمله الجديد، ويقول: «هنا لا أعمل يوميا بل يومي السبت والأحد فقط، وأحيانا عندما يغيب أحد الزملاء ينادونني لأسد مكانه، وبالتالي لا أعتمد كثيرا على العمل لتمويل دراستي، أي الرسوم، وإنما أعتبر هذا العمل جزءا من مصروف الجيب». ولأنه غير متفرغ للعمل، لا يشعر عزيز أن عمله يؤثر على دراسته، سواء بشكل إيجابي أو سلبي. لكنه كغيره من آلاف الشبان يسكنه هاجس الزواج، ويعتقد أن ذلك ليس صعبا في البلقان ما دام وجد البنت التي تقبل به.

والأمر ليس حكرا على الشباب، فهناك الكثيرات من الشابات يفكرن في الزواج، بل تزوجن قبل أن ينهين دراستهن الجامعية. ورغم المصاعب التي يتعرضن لها بسبب ارتباطهن بأزواج لم ينهوا بدورهم تعليمهم الجامعي، فإنهن يكافحن من أجل تحصيل لقمة العيش، لهن ولأزواجهم العاطلين عن العمل. فتحمل المسؤولية في البيت ليس حكرا كذلك على الرجل، فهما شريكان ويرغبان في التضحية المشتركة حتى يكون للحياة طعم، وللعلاقة نكهة، وللاستمرار ضمانة. وهذا ما برهنت عليه الكثير من الفتيات في البلقان، مثل أنيسة، 24 عاما، الطالبة بكلية الدراسات الإسلامية (السنة الرابعة) التي وجدت عملا في مقهى للإنترنت، لتمويل دراستها، لكن اهتماماتها تغيرت بعد زواجها. وتقول أنيسة: «تزوجت قبل بضعة أشهر من شاب يدرس في كلية الاقتصاد، وكان يعمل في شركة للحواسيب، لكنه فقد عمله بعد زواجنا مباشرة، وأصبحت أنا من أنفق على البيت». وعن الراتب الذي تتلقاه، ومصير دراستها قالت: «طبعا لن أفرط في دراستي، حيث سأتخرج قريبا وسأعمل بعون الله في سلك التعليم، أما الراتب فهو زهيد جدا، لو خصصته لفواتير الكهرباء والغاز والهاتف وغيره، لن يبقى لنا شيء للمعيشة، والعكس صحيح». وحول كيفية تدبير أمورها وهي طالبة مع زوجها الطالب العاطل عن العمل والذي لم يكمل هو الآخر دراسته ويحتاج للمال لدفع الرسوم، فضلا عن تدبير أمور حياتهما قالت: «عدنا للطريقة القديمة، وهي الاعتماد، بعد الله، على الأهل، فأهل زوجي كما هو الحال بالنسبة لأسرتي ليسوا من الأسر الميسورة، ومع ذلك فهم يساعدوننا بما يستطيعون، حتى نتخطى هذه الأزمة التي لم نحسب لها حسابا، وبالطبع تولي كل من أسرتي وأسرة زوجي أهمية أكبر لدراستنا، والحمد لله كلانا راض عن الوضع، وندبر أمورنا بأقل القليل».