صدامات دامية في شوارع طهران واعتقالات بين الإصلاحيين.. في تظاهرات «يوم الطالب»

الشرطة تطلق الرصاص والغازات وتسحب بطاقات الصحافيين الأجانب * كروبي: الوقت ليس مناسبا للمصالحة

طلبة إيرانيون من مؤيدي زعيم المعارضة مير حسين موسوي يتظاهرون في وسط العاصمة طهران أمس (رويترز)
TT

نزلت المعارضة الإيرانية مجددا إلى شوارع طهران أمس، متحدية قرار حظر التظاهر رغم إجراءات أمنية مكثفة، ومواجهات دامية مع الشرطة. وتجمع آلاف المتظاهرين في عدد من الجامعات في طهران، وكذلك في الخارج حيث حظرت السلطات أي تظاهرة بمناسبة «يوم الطالب» الوطني.

وأدّت هذه التجمعات في محيط الجامعات إلى حصول صدامات مع قوى الأمن التي عمدت إلى وقف عدد من المتظاهرين، بحسب شهود عيان ومواقع إخبارية إيرانية تابعة للإصلاحيين على شبكة الإنترنت. وقد حظرت السلطات الإيرانية على وسائل الإعلام الأجنبية العاملة في طهران تغطية هذه التظاهرات، وسحبت بطاقات الاعتماد الصحافية لمدة 48 ساعة من كل الصحافيين العاملين لحساب هذه الوسائل. كما أغلقت السلطات شبكة الهاتف المحمول بوسط طهران لمنع أنصار المعارضة من الاتصال بعضهم ببعض.

وذكر موقع إصلاحي على الإنترنت أن قوات الأمن أطلقت الرصاص الحي في الهواء في وسط طهران لتفريق المتظاهرين. وقال موقع «موجكامب»: «أطلقت قوات الأمن النار في الهواء لتفريق متظاهرين في ميدان انقلاب». وقال شهود إن الشرطة اشتبكت مع متظاهرين من المعارضة، قبل أن تطلق الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

وقال موقع «راه سبز» الإصلاحي على الإنترنت، إن الشرطة الإيرانية ألقت القبض على امرأتين على الأقل من أنصار الزعيم الإيراني المعارض. وتابع: «كانت كل منهما تربط شريطا أخضر» وهو اللون الذي يرمز إلى دعم موسوي، عندما ألقت الشرطة القبض عليهما أمام جامعة طهران». وقال شهود لـ«رويترز» إن الاعتقال جرى في الوقت الذي اشتبك فيه متظاهرون من المعارضة مع شرطة مكافحة الشغب في ميدانين بطهران. وقال شاهد: «أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع في ميدان ولي العصر، إنها تشتبك مع المتظاهرين». وأبلغ شاهد آخر «رويترز» أن عشرات من رجال الأمن الذين يرتدون الملابس المدنية تجمعوا في ميدان بشمال طهران. وقال: «عشرات ممن يرتدون ملابس مدنية ويركبون الدراجات النارية (رجال الأمن) موجودون في ميدان تجريش. المزيد ينضمون إلى المجموعة».

وكانت عدة مجموعات من المعارضة التي تحتج على إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في يونيو (حزيران) دعت إلى اغتنام هذا اليوم الذي يصادف ذكرى مقتل ثلاثة طلاب في أثناء تظاهرة مناهضة للأميركيين في ظل نظام الشاه السابق في 1953، لإعادة تأكيد رفضها لحكومة منبثقة عن هذه الانتخابات.

وشكّل المتظاهرون داخل حرم عدد من الجامعات وخصوصا حرم جامعة طهران، مجموعات تردد: «يا حسين، مير حسين»، بحسب شهود. ويجمع هذا الهتاف لمعارضي الرئيس أحمدي نجاد بين اسم الإمام الحسين واسم رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي منافس أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية الذي لم يحالفه الحظ في الفوز، وأصبح أحد قادة المعارضة.

وردّ طلاب من الباسيج (الميليشيا الإسلامية) هاتفين: «الموت للمنافقين»، بحسب المصادر نفسها. وقامت الشرطة بحملة اعتقالات، بحسب شهود. وتحدثت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية فقط عن تدخل قوات الأمن ضد «مجموعة من المشاغبين» كانوا يسعون لدخول الجامعة، إضافة إلى «مواجهات» في الشوارع القريبة من الجامعة. أما وكالة «فارس» المقربة من السلطة فأكدت أن «خمسين من مناصري مير حسين موسوي» فقط حاولوا داخل الجامعة التصدي لتجمع مؤيد للنظام.

وأدّت الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 يونيو (حزيران) وتسببت في انقسامات داخل النظام، إلى تظاهرات متكررة في الأشهر الأخيرة في إيران. وقد قمعت السلطات هذه التظاهرات بقسوة واعتقلت آلاف المعارضين، وبينهم عدد من الشخصيات الإصلاحية البارزة الذين صدرت في حقهم لاحقا أحكام قاسية بالسجن. ودعا نواب محافظون أمس قادة المعارضة إلى «وقف عنادهم السياسي وتفادي تحولهم بذلك إلى هدف للغضب الثوري للشعب». لكن مير حسين موسوي انتقد مجددا السلطة، وقال متوجها إلى الحكومة: «إذا فرضتم الصمت في الجامعات، فماذا يمكن أن تفعلوا بالمجتمع؟». وأعلن الإصلاحي مهدي كروبي المرشح الآخر للانتخابات الرئاسية في يونيو من جهته في مقابلة مع صحيفة «لوموند» الفرنسية أن القمع «ليس هو الحل بأي حال من الأحوال، لا اليوم ولا غدا». وقال كروبي للصحيفة إن احتمالات المصالحة باتت ضعيفة.

وأقامت الهيئة القضائية دعوى ضد كروبي رجل الدين المؤيد للإصلاح بعد أن قال إن بعض الأشخاص الذين أُلقي القبض عليهم وتم احتجازهم في أثناء الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات المتنازع عليها في يونيو تعرضوا لمعاملة سيئة وللاغتصاب، لكن كروبي قال في مقابلة صحافية إنه لم يرتكب أي خطأ. وعندما سُئل في الحديث الذي نُشر أمس إن كان تحقيق مصالحة وطنية ما زال متخيلا رد: «الخيار جيد ومعقول والحكماء في الجانبين ليسوا ضده». لكنه قال إن هناك حاجة إلى القيام بقدر كبير من العمل التحضيري قبل أن يصبح مثل هذا التواصل ممكنا. وأضاف: «في الوقت الراهن الأحوال ليست متوفرة، أشخاص بعينهم لا يريدون أن تحقق أي شيء على الإطلاق ويتمسكون بكل شيء. علينا أن نعمل من أجل استعادة الثقة بين الناس والسلطات. بعض الأصوليين والأشخاص الأكثر اعتدالا يشتركون في هذا الرأي لكن للأسف ليس لديهم قدر كبير من السلطة».

وكروبي الذي جاء في المرتبة الرابعة في انتخابات الرئاسة التي جرت في يونيو قال إن الانتخابات زُوّرت لتأمين إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد. ويرفض المسؤولون هذا الاتهام. وتم اعتقال بعض حلفاء كروبي ومستشاريه لكنه قال إنه لا يخشى التحقيق معه بشأن تصريحاته بخصوص إساءة معاملة الذين احتُجزوا في السجن. وقال: «لحسن الحظ علمت من الناس الذين أفرج عنهم أنه بعد رسائل الاحتجاج التي بعثت بها الموقف تحسن» مضيفا أنه لم يسمع عن وقوع مزيد من حالات الاغتصاب الجنسي.

وقال إنه سلم الأدلة القانونية لبدء تحقيق في مزاعم إساءة المعاملة. وقال: «المشكلة هي أن المتشددين حاولوا مرارا خلق مناخ كراهية لإلحاق الضرر بي لكن جهودهم ما زالت سياسية محضة ولا يوجد شيء قانوني في ذلك». وقال كروبي إن الاحتجاجات لم تشمل طلبة فحسب وإنما امتدت إلى جميع الذين شعروا بأن «المبدأين الأساسيين للنظام.. الجمهورية والإسلام.. تم قلبهما رأسا على عقب». وقال إن الاحتجاجات الآن وصلت من خلال طبقات عديدة في المجتمع من مسؤولين ورجال دين إلى أصحاب المتاجر.