لبنان: حكومة «الإنماء والتطور» برئاسة الحريري تطلب ثقة البرلمان.. والتحفظات على «البند السادس» تتزايد

مرشحة للحصول على ثقة هي الأعلى بين حكومات ما بعد الطائف

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، والوزراء، يستمعون إلى الرئيس سعد الحريري، وهو يلقي بيان حكومته أمس في المجلس النيابي في بيروت (أ.ف.ب)
TT

بدأ البرلمان اللبناني أمس مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري في ما يشبه «المناظرة التلفزيونية» التي سيشارك فيها أكثر من نصف مجلس النواب، بعدما طلب 68 نائبا الكلام من أصل 128 يشكلون المجلس الجديد.

وساهم النقل التلفزيوني المباشر في فتح شهية النواب على الكلام للتوجه إلى ناخبيهم والكلام عن مطالب مناطقهم، علما أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يعمد عادة إلى إعطاء النائب نصف ساعة من الوقت إذا كان يرتجل، و10 دقائق إذا كانت الكلمة مكتوبة، كما يعطي الكتلة ساعة كاملة، مما يعني أن الوقت المخصص للجلسة قد لا يكون كافيا لإنهاء النواب كلماتهم والتصويت على الثقة.

وسيكون «البند السادس» من البيان الوزاري للحكومة نجما فوق العادة في المناقشات، باعتباره النقطة الخلافية الأبرز بين القوى السياسية، إذ بدأ هذا البند الذي يتحدث عن «حق لبنان، بشعبه وجيشه ومقاومته، في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من قرية الغجر، والدفاع عن لبنان» يتعرض لـ«تحفظات» القوى المسيحية في «14 آذار» وبعض النواب المسلمين من كتلة المستقبل، علما بأن هذه التحفظات التي بدأها أمس نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري لن تؤثر في قرار منح الثقة التي يرجح أن تكون قياسية في حكومات ما بعد اتفاق الطائف عام 1989، إذ يتوقع أن تصل إلى نحو 125 صوتا، علما بأن الحريري الابن سينال أصوات نواب كتلة حزب الله وهو ما لم يحصل عليه والده الرئيس الراحل رفيق الحريري في حكوماته الخمس.

وكان الحريري قد استبق تلاوة البيان الوزاري بكلمة قال فيها «إننا أمام امتحان صعب، امتحان ثقة المواطن بالدولة وبالمؤسسات الدستورية»، وأضاف: «رهاني كبير جدا بأننا سنفوز بالامتحان بجدارة إذا أحسنا شروط الممارسة الديمقراطية والقاعدة الدستورية للفصل بين السلطات وتقديم نموذج حضاري في مناقشة البيان الوزاري». مشيرا إلى أن «الحكومة لديها خيار النجاح في مفهوم الوفاق الوطني، النجاح في تجديد ثقة المواطن بالدولة وعدم إهدار الفرص المتاحة أمام لبنان»، معتبرا أن «النجاح لا يتحقق بحكومة ائتلاف التناقضات إنما بحكومة ائتلاف المنطلقات والأهداف». وقال: «هذه هي حكومة الإنماء والتطور». وبعد تلاوة البيان أعطيت الكلمة لرئيس تكتل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، الذي أشار إلى أن «مرحلة تأليف الحكومة أخذت بعض الوقت لأنها أتت بعد تباعد سياسي كبير»، أملا في أن «تمر هذه المرحلة دون خلل». وأكد أن «لبنان لن يهتز أمنيا بعكس ما يجري في المنطقة».

ووجه عون انتقادا لدعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري بتشكيل هيئة إلغاء الطائفية السياسية، معتبرا أن «العمل على إلغاء الطائفية السياسية يتطلب أولا إعداد الشعب اللبناني للوصول إلى هذه المرحلة». فكان أن رد بري عليه بقليل من «نفاذ الصبر»، مؤكدا له «نحن متوافقون يا جنرال»، وأردف بعد انتهاء كلمة عون قائلا: «أنا لم أدع إلى إلغاء الطائفية، بل إلى تشكيل الهيئة التي نص عليها الطائف للنظر في سبل إلغاء الطائفية واقتراح الحلول».

إلى ذلك، رأى عون أنه «علينا محاربة الفساد لأن الفساد يشجع الطائفية»، متسائلا عما «إذا كان عندنا تفسير موحّد للدستور وهذا يجب أن يكون أسبقية قبل طرح موضوع إلغاء الطائفية» معتبرا أنه «عندما يجد المواطن اللبناني حقوقه مؤمنة لا يسأل من يؤمنها له إذا كان مسلما أو مسيحيا».

وأشار الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي إلى أن السنوات الأربع الماضية شكلت انقساما سياسيا وطائفيا حادا وبلغت ذروة هذا الانقسام «الانقلاب على الدستور والتقاليد اللبنانية»، معتبرا أن «التجاوزات لم تتوقف بعد اتفاق الدوحة ولا في الحكومة الحالية التي لم تبصر النور إلا بعد 4 أشهر من الأخذ والرد وهو ما يعتبر مخالفة للأصول الدستورية». وأشار ميقاتي إلى أن «ما حصل خلال تأليف الحكومة جرى فيه التعرض إلى موقع رئاسة الحكومة وإلى تجاوز الدستور»، موضحا أن «انتهاك الدستور تمّ من خلال توسيع المشاورات واختيار الوزراء والحقائب».

ولفت إلى أن «اعتزاز كل فريق بما حقق على حساب الدستور، وصل إلى استباق الرئيس المكلف وإعلان الأسماء والحقائب في سابقة لم يشهد لبنان مثيلا لها (في إشارة إلى إعلان النائب عون أسماء وزرائه وحقائبهم قبل صدور التشكيلة)، وينبغي عدم تكرارها»، واعتبر ميقاتي أن «الحكومة من حيث الشكل هي حكومة شراكة، أما في المضمون فهي حكومة أضداد».

وإذ شدد ميقاتي على ضرورة الاتفاق على استراتيجية دفاعية، رأى أن «مقاومة الشعوب حق مطلق أما سلاح المقاومة فهو جزء من واقع المنطقة، ويجب العمل على مرجعية الدولة ومنحها الثقة، وتجنب الصراعات الداخلية التي تسيء للمقاومة ودورها». وختم معلنا منحه وزميله في الكتلة أحمد كرامي الثقة للحكومة.

وأسف نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري لعدم «تمكن لبنان من الوصول إلى مرحلة تأليف الحكومة إلا بعد نصف سنة، بسبب المماطلة التي سعى إليها بعض الأطراف والقفز فوق صلاحيات رئيس الحكومة». وإذ أشار إلى أن «المجلس ممثل بجميع ممثليه في الحكومة»، تساءل عن «أي دور سيكون لمجلس النواب في هذه الحالة»، محذرا من أن «الحكومة قابلة للاشتعال في أي وقت وقابلة للتجمد أيضا، لذلك يجب إدراك ذلك والعمل بصدق». وفي معرض تعليقه على البند السادس المتعلق بسلاح المقاومة، اعتبر مكاري أنه «بمثابة إشارة إلى أنه ممنوع المرور إلى مؤسسات الدولة»، متسائلا «كيف ستعمل بعض الأطراف في الحكومة على تجديد الثقة بالدولة وهم يقولون إنهم لا يثقون فيها». وتابع بالقول: «لا أوافق على هذا البند لأنني أرى فيه انتقاصا من الدولة ويصنع ازدواجية بين الجيش والمقاومة». وعن زيارة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري إلى سورية، وضع مكاري هذه الزيارة في موقع «الوطنية والالتزام بالقناعات». وختم مكاري بالقول: «أنا أؤمن أن وجود سعد الحريري على رأس الحكومة فرصة للبنان، وبناءً على ذلك أعطي ثقتي للحكومة».

ورأى النائب تمام سلام أن «النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات لم تجد طريقها إلى الديمقراطية كما كان الحال منذ الاستقلال»، لافتا إلى أن «البيان الوزاري هو التسوية الأولى في تسويات قد تبدو عديدة في المرحلة المقبلة، وإننا نتفاءل بها ما دامت تتجاوز الأزمات ولا تحيد عن المصلحة الوطنية». مشيرا إلى أن «البيان غيّب تحديد العلاقة بين المقاومة والدولة، ويبقى هذا الوضع حتى الوصول إلى تحديد الاستراتيجية الدفاعية على طاولة الحوار»، مبديا تفهمه لـ«تحفظ البعض على هذا البند (المقاومة) تأكيدا على مرجعية الدولة».

وبعد كلمة للنائب الآن عون أعلن فيها «صعوبة إقفال ملف المهجرين»، تحدث النائب روبير غانم معتبرا أن «إلغاء الطائفية السياسية نتيجة وليست هدفا»، مؤكدا «ضرورة البدء باللامركزية الإدارية وقانون انتخابات عادل وقانون للأحزاب، وهكذا تلغى الطائفية السياسية»، وأضاف: «لم أتمكن من القيام بجولة واحدة في عشر قرى شيعية في دائرة أمثلها في البرلمان، أثناء الانتخابات ولم أستطع أن أعيّن مندوبا واحدا في أقلام الاقتراع». بري والحريري.. وشبح ميقاتي

* رفض الحريري اقتراحا من مستشاريه بتلاوة مختصر للبيان الوزاري المؤلف من 5734 كلمة، مصرا على تلاوته بالكامل أمام الهيئة لعامة لمجلس النواب، ولما أخطأ في قراءة إحدى الكلمات أكثر من مرة، عوض عن ذلك بروح النكتة فتوجه للنواب قائلا: «فهمتوها» مما دفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري للقول له: «بدك حدا يكمّل عنك؟».

وأثناء تلاوة الحريري للبيان الوزاري، أرسل بري ورقة إليه فقال له رئيس الحكومة: «لا أستطيع أن أضيفها للبيان الوزاري. وعلم أن بري كتب في الرسالة اقتراحا للحريري على سبيل النكتة التي لا تخلو من الغمز السياسي على طريقة بري بأن يكمل الرئيس الأسبق للحكومة نجيب ميقاتي «المتحفز والحاضر» تلاوة البيان.

صفير يدعو لـ«ائتلاف» حزب الله مع الجيش اللبناني

* رأى البطريرك الماروني نصر الله صفير أن في لبنان «هناك جيشا نظاميا وجيشا غير نظامي»، في إشارة إلى حزب الله، معتبرا أنه «يجب أن يأتلف الجيشان لأنه ما من بلد آخر فيه جيشان، جيش للدولة وجيش لغير الدولة»، مؤكدا ما نقله زواره عنه من تساؤل «هل من المعقول أن يكون هناك جيش غير شرعي يدير سلاحه مرة إلى الداخل ومرة إلى العدو؟».

وأجاب صفير بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال سليمان في القصر الجمهوري في بعبدا أنه لم يُدعَ إلى سورية وقال: «إذا دُعينا سنرى». وأكد أنه مع إلغاء الطائفية السياسية «ولكن يجب الإعداد لها، بحيث إنها لا تلغى من النصوص قبل أن تلغى من النفوس». وعن طرح النائب وليد جنبلاط المداورة في الرئاسات الثلاث، قال صفير «لم أفكر بهذا الأمر، هل يكون رئيس الجمهورية تارة مارونيا، وتارة درزيا، وتارة... فأنا لم أفهم ذلك».