قمة المناخ تبحث القضايا التقنية الشائكة.. وبان كي مون متفائل باتفاق «متين»

تعزز الآمال باختراق في كوبنهاغن بعد إدراج واشنطن غازات الكربون ضمن الملوثات الضارة

شبان من منظمة تدعى «يونغو» يكتبون شعارات تحث قادة العالم على إبرام اتفاق لخفض انبعاثات الغازات، في كوبنهاغن، أمس (رويترز)
TT

ناقش المجتمعون في القمة الدولية حول المناخ، في يومها الثاني أمس بكوبنهاغن، قضايا شائكة سعيا إلى تسويات لخفض انبعاثات غازات الكربون وتقديم التمويلات للدول الفقيرة، ما من شأنه أن يفتح الباب أمام اتفاقية تاريخية بين قادة العالم.

وتوزع المجتمعون ضمن مجموعات ضيقة لمناقشة قرارات ذات طبيعة تقنية تتعلق مثلا بمكافحة تراجع مساحات الغابات. ومن النقاط الشائكة التي يجري بحثها التمويلات التي ستخصص على الأمدَين القصير والمتوسط، لمساعدة البلدان الأكثر تعرضا للتغير المناخي على التأقلم مع بدء ارتفاع درجات حرارة الأرض.

وتعززت الآمال في التوصل إلى اختراق في المؤتمر الذي يستمر 12 يوما، مع إعلان الحكومة الأميركية الليلة قبل الماضية أنها ستبدأ بإدراج ثاني أكسيد الكربون بين الملوثات الضارة. وقال ديفيد دونيغر مدير السياسة في «مجلس الدفاع عن المصادر الوطنية» في مركز المناخ إن من شأن ذلك أن «يساعد فقط في إقناع الوفود والمراقبين من دول أخرى بأن الولايات المتحدة تستخدم بجدية كل الأدوات المتوافرة لديها».

وفيما أشاع الإعلان الأميركي زخما مرحبا به في محادثات كوبنهاغن، قال أعضاء الوفود إن الأيام المقبلة ستشهد عرض مواقف دول مختلفة. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن موفدة كبيرة لدولة صناعية قولها إن ذلك سيكون «بمثابة تدريب على إزالة الشوائب في الأيام الثلاثة أو الأربعة المقبلة».

وقال الأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر صحافي بنيويورك أمس: «أنا متحمس ومتفائل، أتوقع اتفاقا متينا خلال مؤتمر كوبنهاغن سيكون فاعلا على الفور وسيتضمن توصيات محددة حول إجراءات الحد من آثار ارتفاع حرارة سطح الأرض والتأقلم معه». من جهة أخرى، أكد بان أن فضيحة «كلايمت غيت» المناخية لا تطعن في صدقية المعطيات العلمية حول حقيقة ارتفاع حرارة سطح الأرض. وكان يشير إلى نشر وسائل الإعلام الشهر الماضي آلاف الرسائل التي تسربت أو تم الحصول عليها من خلال عمليات قرصنة وقع ضحيتها علماء يعملون مع مركز الأبحاث المناخية البريطاني.

وبنهاية الأسبوع الحالي، ستقوم وزيرة المناخ الدنماركية السابقة كوني هيديغارد رئيسة المؤتمر المنعقد من 7 إلى 18 الشهر الحالي ويجمع 194 دولة، بـ«جردة» للمواقف. وستضع هيديغارد بعد ذلك مسودة لنتائج المؤتمر، يتم تقديمها لوزراء البيئة الذين يجتمعون مطلع الأسبوع المقبل، ثم لأكثر من 110 من رؤساء الدول والحكومات الذين يحضرون ختام المؤتمر. ومن الرؤساء الذين سيحضرون القمة الرئيس الأميركي باراك أوباما ورؤساء وزراء الصين وين جياباو والهند مانموهان سينغ واليابان يوكيو هاتوياما، ورئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ورؤساء الدول الـ27 في الاتحاد الأوروبي.

وأبدت المسؤولة الدنماركية تفاؤلا على صعيد التقدم في العديد من المواضيع الجانبية، لكنها قالت إن مسألة وضع حد للانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري تشكل لب القمة.

وتتخذ المحادثات التي تجري برعاية مؤتمر الأمم المتحدة، طابعا تاريخيا، وإذا سارت الأمور بشكل جيد سيقدم المؤتمر إطارا لاتفاقية تتضمن تعهدا بخفض الملوثات من قبل الدول المصدرة لأكبر كمية من الغازات الضارة بالبيئة. وستضع الاتفاقية الأسس لعملية تمويل طويل الأمد، قد يناهز مئات مليارات الدولارات، لمساعدة الدول الفقيرة في التخلي عن اعتمادها الكبير على تكنولوجيا الكربون وتعزيز تصديها للتغير المناخي. وستكون هناك حاجة إلى مزيد من المفاوضات في السنة المقبلة لوضع الاتفاقية موضع التنفيذ. وبعد الموافقة والمصادقة عليها، يبدأ مفعول الاتفاقية في 2013.

وتواجه الدول الغنية ضغوطا لتخصيص 10 مليارات دولار سنويا على شكل تمويل سريع لثلاث سنوات من 2010 حتى 2012. وقال الوزير الفرنسي للتنمية المستدامة جان ـ لوي بورلو إن «التأقلم يجب أن يشكل أساس الاتفاق». وقدر قيمة المساعدة الضرورية للبلدان الأكثر عرضة لهذه الظاهرة بـ600 مليار دولار (30 مليار دولار سنويا على مدى 20 عاما لمساعدتها في خفض المخاطر مثل احتمالات الجفاف والفيضانات وارتفاع مستوى البحار والعواصف).

وجرت محادثات استمرت عامين تمهيدا لمؤتمر كوبنهاغن. وكشفت المحادثات خلافات عميقة حول مسألة تقاسم الجهد في مسألة خفض انبعاثات الغازات الملوثة. والدول النامية، والعديد منها من كبار الملوثين، ترفض التحرك ما لم تقم الدول الغنية بخفض انبعاثاتها بنسبة 40 في المائة على الأقل بحلول 2020 مقارنة بـ1990.

وإلى جانب دول متقدمة أخرى، تتركز الأنظار على الولايات المتحدة التي بقيت على هامش المفاوضات المتعلقة بالمناخ طوال ثماني سنوات في عهد الرئيس السابق جورج بوش. ويسعى باراك أوباما الآن إلى تشريع في الكونغرس لخفض انبعاثات الولايات المتحدة من الغازات الضارة بالبيئة بنحو 4 في المائة بحلول 2020 مقارنة بالهدف الذي تم تحديده في 1990. وهذا ليس سوى جزء من مطالب الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرهما. لكن الولايات المتحدة تقول إن حملتها ضد انبعاثات الكربون يجب أن يُنظَر إليها ككل، أي أن هناك إجراءات أخرى يجب أن تؤخذ في الحسبان عند تقويم جهودها.

وكسب موقف أوباما في كوبنهاغن قوة عندما أدرجت وكالة حماية البيئة الأميركية ستة غازات مسببة للاحتباس الحراري كملوثات خطيرة تخضع لقوانين الحكومة، في ما يتخطى الكونغرس.

وأشادت عدة منظمات بيئية بموقف وكالة حماية البيئة الأميركية. وقال مارتن كايسر مدير سياسات المناخ في منظمة «غرينبيس» إن إعلان الوكالة الأميركية «مؤشر جيد لمفاوضات المناخ في كوبنهاغن. الرئيس أوباما يستطيع الآن المضي قدما في المفاوضات الخاصة بالخفض المستهدف لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون دون التقيد بقرار الكونغرس هناك».

وقالت الوكالة الأميركية إن القرار «شرط أساسي لاستكمال» وضع معاييرها المقترحة بشأن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من مركبات الخدمة غير الشاقة. لكن خبراء قالوا إن الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل أن تتخذ الوكالة قرارات على أرض الواقع. وقال ديفيد واسكو خبير المناخ بمنظمة «أوكسفام» بالولايات المتحدة: «وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة بصدد وضع تنظيمات الآن. عليها أن تقوم بعمل ما لتنفيذ ذلك. لذا فإن الأمر قد يستغرق بعض الوقت، ليس وقتا طويلا أكثر من اللازم ولكن قد يستغرق ذلك منهم بعض الوقت لتطبيق ذلك». وأضاف: «المهم على أرض الواقع أن الولايات المتحدة ستبدأ وضع تنظيم والسيطرة على الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري ومن أجل التجمعات التي تضررت بشدة من التغيرات المناخية».

وتلك التي تواجه عواصف عاتية وموجات قحط بشكل متزايد. هذا مهم للغاية لأن هذه التأثيرات على مدى العقد أو العقود المقبلة، ستتزايد». واعتبر مسؤولون بصندوق حماية الحياة البرية أن هذه الخطوة من جانب وكالة حماية البيئة الأميركية خطوة في اتجاه حل أكبر. وقال لويس ليونارد مدير السياسة الأميركية لشؤون المناخ في صندوق حماية الحياة البرية «أنه جزء من اللغز. التفويض الممنوح بموجب قانون الهواء النظيف للحد من مصادر التلوث الناجم عن الكربون هو جزء من حل أزمة المناخ في الولايات المتحدة ولكنه ليس كل الحل. الحل كله في إقرار تشريع بشأن المناخ وهذا هو السبب في أننا نريد من الرئيس (أوباما) عندما يأتي إلى كوبنهاغن أن يوضع للعالم أنه سيضع على رأس أولوياته إقرار تشريع بشأن المناخ».