ساركوزي لا يعارض المآذن لكن يدعو إلى مراعاة الإرث المسيحي لفرنسا

مفتي البوسنة لـ «الشرق الأوسط»: لا استفتاء على حقوق الإنسان.. وسويسرا ضحية إسلاموفوبيا

TT

أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أنه لا يعارض بناء المآذن في فرنسا، لكنه دعا المسلمين في بلاده إلى مراعاة الإرث المسيحي لفرنسا. وجاء هذا في وقت اعتبر رئيس مجلس علماء البوسنة ومفتيها العام، الدكتور مصطفى تسيريتش، أن سويسرا بحظرها بناء المآذن وقعت ضحية لدعاية الإسلاموفوبيا، مشددا على أنه «لا استفتاء على حقوق الإنسان».

وفي أول تعليق له على الاستفتاء الذي جرى في سويسرا في 29 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تساءل ساركوزي في مقال له نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية أمس: «هل يمكن أن نجيب بنعم أو بلا على سؤال معقد إلى هذا الحد ويمس أمورا عميقة إلى هذا الحد؟». وأضاف: «أنا مقتنع أنه لا يمكننا ذلك من دون أن نثير سوء فهم مؤلما وشعورا بالظلم وإساءة إلى المشاعر إذا قدمنا جوابا قاطعا على مشكلة يجب أن ينظر فيها كل حالة على حدة في ظل احترام قناعات ومعتقدات كل شخص»، مرحبا بالديمقراطية السويسرية «الأعرق من ديمقراطيتنا».

وأكد ساركوزي أنه في دولة علمانية كفرنسا يجب على «المسيحيين واليهود والمسلمين، جميع المؤمنين بصرف النظر عن إيمانهم، أن يعرفوا كيف يتجنبون المبالغة والاستفزاز» في ممارسة شعائرهم الدينية. وفي هذا الإطار دعا ساركوزي المسلمين في فرنسا إلى أن يأخذوا بالاعتبار الإرث «المسيحي» لفرنسا. وقال: «أريد أن أقول لهم أيضا إنه في بلدنا حيث تركت الحضارة المسيحية أثرا عميقا إلى هذا الحد، وحيث قيم الجمهورية تشكل جزءا لا يتجزأ من هويتنا الوطنية، كل ما يمكن أن يبدو وكأنه تحدٍّ لهذا الإرث ولهذه القيم سيؤدي إلى فشل» مساعي إرساء أحد أشكال الإسلام المعتدل في فرنسا. وعبر عن «دهشته» لردود الفعل السياسية والإعلامية في فرنسا على الاستفتاء السويسري. وقال: «ردود الفعل كانت مبالغا فيها وأحيانا غريبة فيما يتعلق بالشعب السويسري». وأشار ساركوزي إلى أنه تمت الموافقة على حظر المآذن لأن الشعب السويسري يشعر أن هويته تتعرض لتهديد بسبب آثار العولمة. ويبلغ عدد المسلمين في فرنسا ما بين خمسة إلى ستة ملايين شخص.

بدوره، دعا رئيس مجلس علماء البوسنة ومفتيها العام، الدكتور مصطفى تسيريتش، إلى اعتماد سياسة الحوار وتحكيم العقل في علاقة البلاد الإسلامية بالغرب. وقال تسيريتش في تصريحات خاصة بـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن سويسرا في هذه القضية كانت ضحية لدعاية الإسلاموفوبيا». وشدد على أن «سويسرا دولة ديمقراطية، يجب أن تكفل حقوق الإنسان، ولكن في قضية الاستفتاء على بناء المآذن تسرعت في السماح بذلك، لأن الحقوق الأساسية والحريات الأربع في الأنظمة الديمقراطية والمواثيق الدولية فوق كل اعتبار». وأضاف: «الأمر هنا لا يقاس بحكم الأغلبية، وإنما بحماية الأقلية التي لها الحق في الحرية الدينية وإظهار انتمائها الديني، وهذا من صلب حرية التدين التي تكفلها الدساتير ومواثيق الأمم المتحدة، وتترجمها روح التعايش والتعاون».

وشدد على أنه «لا استفتاء على حقوق الإنسان، ولا استفتاء على الحريات، ولا استفتاء على التعايش والقبول بالآخر. يجب الحفاظ على مكاسب الإنسانية التي كانت نتيجة لمآسٍ اكتوت بها البشرية، ويجب عدم العودة إلى القرون الوسطى، وإلى الحروب الدينية، وإلى الغابة بدل الحضارة».

وعن دوافع الاستفتاء الأخير في سويسرا قال مفتي البوسنة إن «هذا الاستفتاء كشف عن أن الروح الأوروبية متأثرة بالحملات الإعلامية والتصريحات السياسية والاعتداءات التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون، ولكن نتيجة الاستفتاء لا يجب أن يعتبرها المسلمون نكبة لهم، بل نكبة جديدة لأوروبا، وهذا المنع دليل ضعف وليس دليل قوة، إذ إنه من غير المنطقي أن تخشى الأغلبية من الأقلية، وتفقد الثقة في النفس، وقدرتها على الاستمرار». وأضاف: «سمعنا تعليقات جيدة من دول وجهات أوروبية ومن داخل سويسرا نفسها، ونأمل أن يساهم رد الفعل هذا في تصحيح الخطيئة التي تم ارتكابها بحق سويسرا وأوروبا والإنسانية جميعا، وليس المسلمين في سويسرا فحسب». وعن مغزى منع المآذن قال تسيريتش: «نحن الآن في مرحلة مهمة جدا، والاستفتاء على منع المآذن يعني أننا تجاوزنا قضية هاجس منع المساجد والمصليات، وهذا يعني أيضا أن أوروبا تجاوزت الكثير من المعوقات التي كانت توضع أمام المسلمين».

وبشأن ردود فعل المسلمين قال إنه «ليس من الجيد تكرار ما حصل في السابق، بما في ذلك المظاهرات، ولكن لا بد من تفعيل القضية واللجوء إلى الأساليب الحضارية، كالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والبرلمان والقضاء السويسري».