لأول مرة.. لا زراعة أرز في النجف هذا العام بسبب الجفاف

مزارعون: 2009 كان عاما رهيبا.. حتى الطيور المهاجرة لم تتوقف هنا

مزارعون يتجمعون قرب مستنقع في قرية الغزالية بمحافظة النجف لبحث مشكلة الجفاف التي يواجهونها (أ.ف.ب)
TT

انضمت زراعة الأرز في جنوب العراق إلى قائمة المحاصيل التي يتهددها الجفاف الذي تعاني منه المحافظات الجنوبية بسبب تراجع مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات. والأكثر تضررا هي محافظة النجف التي اشتهرت بزراعة هذا المحصول الذي يشكل مادة غذائية أساسية في العراق.

عيد الشامخي كان يحدق في أرضه التي تتكاثر فيها الأعشاب الضارة قائلا بأسى إن «الجفاف في كل مكان. لم أزرع الأرز العام الحالي، إنها كارثة». وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، تقع أرض الشامخي في منطقة السباعيات قرب مدينة النجف التي يجتاحها الجفاف لأن النهر الذي يغذي الحقول المحيطة بها تحول إلى مجرى ضيق موحل يمكنه ري ربع الأراضي الصالحة للزراعة فقط.

وتعد محافظة النجف التي تبعد مسافة 160 كيلومترا جنوب بغداد صومعة الأرز في العراق، إلا أن الإنتاج انخفض تماشيا مع انخفاض تدفق نهر الفرات أوائل التسعينيات. ويتعين على بلاد ما بين النهرين التي تم تصويرها في العصور القديمة كبساتين وافرة، كما اعتبرها الكتاب المقدس جنة عدن، أن تستورد 90% من الأرز، الغذاء الأساسي الذي كانت تصدره قبل نصف قرن.

ويملك الشامخي 125 هكتارا، وهي مساحة واسعة توفر له دخلا كافيا عندما يبيع إنتاجه لـ«التعاونية» بسعر مدعوم من الدولة. لكنه لم يزرع العام الحالي الأرز أو القمح. وقال المزارع صاحب الوجه الداكن المتناقض مع ثوبه الأبيض الناصع إن «عام 2009 كان رهيبا، لم تكن هناك أمطار، والتدفق منخفض للغاية، حتى الطيور المهاجرة لم تتوقف هنا». وأضاف: «نحن مزارعون، نحن لسنا في حاجة إلى النفط لأنه غير مفيد لنا، نحن نريد الماء».

من جهته قال عباس حمادي، الطاعن في السن: «هذا العام هو الأسوأ. فأولادنا مجبرون على العمل في المدينة». ومنذ قرابة خمسة عشر عاما يعاني العراق، حيث ثلث السكان يعيشون على الزراعة، من نقص في المياه. فهو يواجه ارتفاع حرارة الأرض وشبكة من السدود تبنيها تركيا كجزء من مشروع ضخم لتنمية جنوب شرقي الأناضول. أما جارته الشرقية إيران فقد حولت مجرى روافد تغذي نهر دجلة إلى أراضيها. يضاف إلى ذلك ملوحة التربة الناجمة عن أساليب الري القديمة التي تعتمد إغراق الأراضي، كما أنه عندما يفيض الفرات يخرج منه الطمي، وكانت النتيجة انحسار رقعة الأراضي المزروعة بشكل شديد.

ويورد أحدث تقرير لوكالة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) أنه «بينما كانت الزراعة تمثل ثاني أكبر حصة من الناتج المحلي الإجمالي، انخفضت هذه الحصة تدريجيا من 9% عام 2002 إلى 4% عام 2008».

بدوره قال مدير الزراعة في النجف زهير علي عبد الرزاق إن «الأرز يشكل زراعة استراتيجية بالنسبة لمحافظة النجف. كانت مساحة الأراضي المزروعة خمسين ألف هكتار، لكن في السنوات الأخيرة تراجعت إلى نحو 17 ألف هكتار في حين ارتفعت واردات الأرز والحبوب الأخرى». ووفقا لوزارة الزراعة، أنتج العراق عام 2008 نحو 120 ألف طن واستورد عشرة أضعاف بما قيمته 600 مليون دولار، مما يضعف موازنة الدولة جنبا إلى جنب مع غيره من الواردات».

من جهته قال صبحي منصور الجميلي وكيل وزارة الزراعة إن «الإنتاج الزراعي لا يمثل سوى 30% فقط من الاحتياجات». كما استورد العراق 5.3 مليون طن من القمح، أي ثلاثة أرباع ما يحتاجه.

وفي محاولة لزيادة الإنتاج بدأت الوزارة برنامجا مكثفا لتحديث وسائل الري. وأضاف الجميلي: «لدينا مشروع لري 750 ألف هكتار بواسطة الرذاذ الأوتوماتيكي الذي يقلص إلى النصف استخدام المياه وملوحة التربة». كما يعمل باحثون في الوزارة على تطوير أصناف الحبوب المقاومة للملوحة المرتفعة، والعمل على زيادة إنتاجية التربة. لكن الشامخي يؤكد أن هناك حلا وحيدا لإنهاء الأزمة الزراعية، «نريد أن تعطينا تركيا وسورية وإيران كميات المياه التي لنا حق فيها».