واشنطن: السماح ببناء مركز إسلامي بالقرب من أرض مركز التجارة العالمي

رسالة مضادة لما وقع في هجمات الحادي عشر من سبتمبر

مدخل المركز الإسلامي الجديد بالقرب من مركز التجارة العالمي الذي دمره الارهابيين في هجمات سبتمبر («نيويورك تايمز»)
TT

في صباح هذا الثلاثاء، الذي كان لا يزال هادئا، جلس أفراد طاقم المبيعات في البدروم يتناولون طعام الإفطار وينتظرون أن تُفتح الأبواب أمام الرواد في تمام العاشرة صباحا. ولم تكن ثمة إشارة على التغير العنيف الذي نشب في الأعلى في تمام الثامنة وست وأربعين دقيقة. وفجأة، امتلأت السماء الزرقاء الصافية بدخان بعد أن اصطدمت عجلات طائرة في حجم قذيفة تعود للحرب العالمية الثانية بالسقف لتسقط في قاعتي بيع شاغرتين داخل مصنع «بيرلنغتون كوت». أدى هجوم الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) إلى مقتل 2752 شخصا في وسط المدينة، وقضى على المبنى المكون من خمسة طوابق في «45 بارك بلاس»، الذي يقع على بعد مجمعين شمال مبنى مركز التجارة العالمي ليبقى المكان مهجورا لثمانية أعوام. ولكن منذ عدة أشهر وعلى مرأى من المواطنين، ترتفع بوابة حديدية كل يوم جمعة ظهرا ليتجمع المئات من المسلمين في الداخل، بينما يعلو صوت آلات البناء في الخارج وداخل مكان مركز التجارة العالمي (الذي يعرف باسم «الأرض الصفر»). ويتجه هؤلاء المسلمون ناحية القبلة لأداء صلاة الجمعة والاستماع إلى إمامهم وهو يرتل عليهم آيات من القرآن (الكريم). ولا يوجد في المبنى أية إشارة تظهر أن المسلمين يستخدمونه كمكان لأداء الصلاة، ولكن تدلل هذه الإشارات الأولية على نظرة أوسع كثيرا: مركز إسلامي بالقرب من قطعة الأرض ذات القدسية الأكبر داخل المدينة إلى جوار «الأرض الصفر». حقا إنه جار مفاجئ غير متوقع. كان الموقع محطة ترويج هامة لمجموعة من المسلمين اشتروا المبنى في يوليو (تموز). ويقول الإمام فيصل عبد الرؤوف، وهو الإمام الذي يتولى المشروع، إن القرب من مركز التجارة العالمي «حيث سقطت قطعة من الحطام يوجه رسالة مضادة لما وقع في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).» ويضيف الإمام فيصل، 61 عاما: «نريد العمل ضد المتطرفين».

وعلى الرغم من أن المنظمين سعوا إلى تجنب الكشف عن مشروعهم لأنهم يقولون إن خططه لا تزال خططا أولية، فإنه جذب تشجيعا مبكرا من مسؤولين في المدينة وداخل المنطقة المحيطة. وقال العمدة مايكل بلومبرغ، عبر متحدث باسمه، إن الإمام فيصل أخبره عن المشروع في سبتمبر (أيلول) الماضي خلال احتفالية في نهاية شهر رمضان المعظم. وفيما يتعلق بما إذا كان العمدة بلومبرغ يؤيد هذا المشروع، قال المتحدث أندرو برينت: «إذا كان قانونيا، فإن لملاك المبنى الحق في أن يقوموا بما يريدون». وذهبت مديرة مكتب شؤون المهاجرين التابعة للعمدة فاطمة شامة إلى ما هو أبعد، حيث قالت: «نحن كمسلمين يعيشون في مدينة نيويورك علينا التزام كبير فيما يتعلق بإعادة بناء نيويورك مثل أي شخص آخر». ويشار إلى أن دياسي خان، زوجة الإمام، ضمن فريق استشاري لمتحف ونصب تذكاري مخصص لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وقالت المتحدثة باسم النصب التذكاري لين راسيك: «تعد فكرة بناء مركز ثقافي يعزز من الروابط بين المسلمين وأصحاب العقائد الدينية والخلفيات الثقافية كافة فكرة إيجابية».

ويقول هؤلاء الذين عملوا معه إنه إذا كان هناك شخص ما يمكن أن ينجح فيما يعتبره كثيرون مشروعا ضعيفا، فإن هذا الشخص هو الإمام فيصل، الذي وصفوه بأنه له باع في الدعوة للتسامح والتفاهم بين الأديان المختلفة. ويقول الحاخام آرثر شنير، وهو زعيم روحي في معبد «بارك إيست» الكائن في الشارع رقم 67 إيست: «إنه يؤمن بفكرتي ذاتها: عش ودع الآخرين يعيشون».

ويعتنق الإمام فيصل، وهو صوفي، نهجا إسلاميا يركز على أفكار روحية أكثر من الطقوس الصارمة وفي بعض الأحيان يركز على بناء العلاقات مع هؤلاء الذين يتبعون أديانا أخرى. ولكن، على الرغم من أن الإمام فيصل عاقد العزم على المضي قدما فيما يريده من الموقع، فإن هناك حالة من الخوف بين المشاركين في المشروع وممن هم مضطلعون به، حيث يخشون أن يصبح هدفا لهجمات معادية للمسلمين. وتقر جوان براون كامبل، مديرة قسم الأديان داخل معهد «تشاتوكو» بولاية نيويورك والسكرتيرة العامة السابقة في «المجلس القومي لكنائس المسيح» (الولايات المتحدة)، والتي تدعم الإمام فيصل، بأنه من المحتمل أن يكون هناك رد فعل عكسي من هؤلاء الذي يعارضون وجود مسلم على أرض مركز التجارة العالمي. ولكنها تضيف: «البناء القريب جدا (من مكان المركز) فيه إقرار بالمأساة. إنها طريقة لقول: (هذا شيء ارتكبه أشخاص يقولون إنهم مسلمون). ونحن نريد أن نكون هناك لرأب الصدع، كما جاء في الإنجيل».

ويقول مكتب التحقيقات الفيدرالي إن الإمام فيصل ساعد عملاء على الاتصال بالمسلمين بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وقال ريتشارد كولك، وهو متحدث باسم المكتب: «كانت لدينا اتصالات إيجابية معه في الماضي». وكان لأليس هوغلاند، من لاس غاتوس بولاية كاليفورنيا، ابن يدعى مارك بينغام ولكنه مات في الطائرة المختطفة التي تحطمت في بنسلفانيا وتقول الأم: «إنها خطوة جريئة أن يتم شراء قطعة من الأرض قريبة من (الأرض الصفر)». ولكنها أضافت أنها ترى الخطط الخاصة بالموقع «جهدا نبيلا». وخلال يوم جمعة قريب، سمع المصلون في مصنع «بيرلنغتون كوت» الإمام فيصل يدعو إلى التحلي بالنقاء الروحي خلال الحج. وقال أحد المصلين، يدعى محمد عبد الله، وهو مصرفي استثماري سافر من واشنطن لأداء الحج: «نحب الإمام فيصل والطريقة التي يقدم بها فلسفة الإسلام الحق».

والمكان ليس عبارة عن مسجد محدد الملامح، ولكنها منطقة تتبع مسجد «الفرح» الكائن في 245 ويست برودواي في تريبيكا، وهناك ينظر إلى الإمام فيصل على أنه زعيم روحي. بني المبنى الموجود في 45 بارك بلاس عام 1923 واشتراه «سي سيمز» وصاحبته إرفينغ بومرانتز عام 1968 وأصبح واحدا من متاجر «سيمز» القديمة. وأغلق المتجر في عام 1990، وانفصل الاثنان. وبعد ذلك قامت عائلة بومرانتز بتأجير المبنى لمصنع «بيرلنغتون كوت». وفي الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، كان المتجر، الذي كان يعمل به 80 موظفا، واحدا من 250 منفذا لمصنع «بيرلنغتون» في مختلف أنحاء البلاد وتمتلكه عائلة ميلستين. ويتذكر ستيفين ميلستين، المدير العام السابق للشركة ونائب الرئيس، أنه في ذلك الصباح كان العمال في البدروم عندما دخلت قطعة من الطائرة من خلال السقف، إما من طائرة الرحلة 11 التابعة لـ«أميركان آيرلاينز» التي اصطدمت بالبرج الشمالي في الساعة 8:46 صباحا، أو طائرة الرحلة 175 التابعة لـ«يونايتد آيرلاينز» التي اصطدمت بالبرج الجنوبي في 9:03. وكانت كوكيكو ميتاني، وزوجها ستيفين بورمرانتز، تمتلك المبنى في ذاك الوقت، وبقيت أعواما تحاول بيعه وطلبت فيه في إحدى المرات 18 مليون دولار. ولكن عندما ضرب الركود الاقتصادي البلاد، باعته في يوليو (تموز) لشركة استثمارات عقارية «سوهو للعقارات» مقابل 4.85 مليون دولار نقدا، حسب ما تظهره السجلات. وكان من بين المستثمرين «مبادرة قرطبة»، وهي مؤسسة تقريب بين الأديان أسسها الإمام فيصل. ويقول شريف الجمل، رئيس مجلس إدارة «سوهو للعقارات» ورئيسها التنفيذي: «إنه يهدف إلى توفير مكان للسلام وللخدمات ولتقديم الحلول للمجتمع الذي يبحث دوما عن حوار بين الأديان».

وقد كان السقف المرقع واضحا خلال جولة في وقت قريب داخل المبنى، مع دلائل على عملية الإخلاء المفاجئة؛ لا تزال حقائب طعام في ثلاجة عاملين في الطابق الخامس. وكان لافتا وجود ملف خشبي يسجل عليه تمام اختبار نظام إنذار الطوارئ، وقد كان عليه توقيع الدخول في 11/9 ولكن لم يظهر عليه توقيع الخروج. وتشير السجلات المحفوظة لدى إدارة المباني إلى شكاوى مجهولة المصدر لعملية البناء غير القانونية ومخارج مغلقة داخل الموقع. وحاول المفتشون فحص ذلك، ولكنهم لم يحصلوا على تصريح بالدخول. ولكن الشكاوى التي ما زالت مطروحة وضعت ضمن الشكاوى «التي تم حلها» طبقا لإجراءات المدينة، حسبما ما أفادت به كارلي سوليفان، المتحدثة باسم إدارة المباني. وتضيف سوليفان أن المصلين يدخلون المبنى بصورة قانونية، حيث إن مساحة التجزئة فيه معروضة للإيجار مرة واحدة في الأسبوع بموجب تصريحات مؤقتة خلال ديسمبر (كانون الأول). ويقول الإمام فيصل إنه بدعم كاف يمكن أن يدعم الموقع مشروعا طموحا قيمته 150 مليون دولار، يشبه معهد «تشاتوكو» أو مركز الجالية اليهودية. وتقول جوي ليفيت، المديرة التنفيذية لمركز الجالية اليهودية، إن المركز يفخر أن يكون نموذجا للإمام فيصل في «الأرض الصفر». وأضافت: «شيء رائع بالنسبة لمركز الجالية اليهودية أن يكون لدينا شركاء بين المسلمين يشاركوننا نظرتنا عن التعددية والتسامح». ووافق الجمل على ذلك. وقال: «ما حدث في ذلك اليوم، لم يكن من الإسلام».

*خدمة «نيويورك تايمز»