أصداء مسجد هدمه الهندوس قبل 17 عاما تعود بقوة إلى الهند

جدل في أكبر ديمقراطية في العالم بعد تحقيق تكلف مليوني دولار وتطلب استجواب 100 شخص

هندي مسلم يحمل لوحة تدعو لإعادة بناء مسجد البابري في 6 ديسمبر 2007 (أ.ف.ب)
TT

للوصول إلى أكثر المناطق الدينية المتنازع عليها سخونة في الهند، يضطر المتعبد للمرور بممرات ضيقة أشبه بالمتاهة، صممت ليسلكها المتعبدون فرادى بجيوب خاوية عدا عن بعض الأغراض البسيطة. وحدهم القرود فقط لا يخضعون لهذا التفتيش الدقيق من هذه المجموعة من الحراس الأمنيين. على هذه البقعة ظل مسجد البابري المقام بها صامدا منذ عام 1528 حتى عام 1992، بيد أنه قبل 17 عاما، وفي مثل هذا الأسبوع قامت مجموعة من المتطرفين الهندوس بهدم المسجد مستخدمين الفؤوس والمطارق، بهدف إخلاء الأرض لإقامة معبد كبير للإله «رام» على الأرض التي زعموا أنه ولد فيها.

تلك الحملة المستعرة من التدمير والتحركات السياسية التي نتجت عنها مثلت أكبر تحدٍ للهوية الهندية كديمقراطية علمانية متعددة الأعراق منذ إنشائها عام 1947. وحتى اليوم لا يزال الموقع محل حساسية لدرجة أن إدخال بعض التغييرات البسيطة يتطلب موافقة المحكمة العليا في الهند، أكبر ديمقراطية في العالم.

وخلال الأسبوع الماضي أعلنت الحكومة الهندية عن تقرير لجنة التحقيق في أعمال العنف التي أدت إلى هذا المشهد الغريب. وجاء التقرير في 1029 صفحة تلخص ما يقرب من 400 اجتماع أجريت على مدار 17 عاما، وأنفق خلالها مليونا دولار في استجواب 100 شاهد. ونزلت نتائج التقرير كالصاعقة على الساحة السياسية الهندية وتسببت في لغط في البرلمان ونوبات غضب كبيرة في البرامج الحوارية في القنوات التلفزيونية الهندية.

التقرير الذي حمل عشرات الأسماء لشخصيات سياسية ودينية شملت رئيس وزراء الهند الأسبق إيتال بيهاري فاجبابي الذي يحمله التقرير بعضا من المسؤولية عن تدمير المسجد، أثار أعمال شغب قتل خلالها ألفا شخص غالبيتهم من المسلمين.

وزعم قطاع كبير من المجتمع أن هذا التدمير لهذا البناء المتنازع عليه كان أحد أسوأ الكوارث بالنسبة للدولة والإنسانية والحكم الجيد والعلمانية وللمجتمع الذي يقوم على سيادة القانون. غير أن العاصفة السياسية التي أثارها التقرير تتناقض بصورة صارخة مع اللامبالاة الواضحة التي استقبل بها هنا في أيوديا، مدينة المعبد التي وقعت فيها هذه الأحداث. وقال شاراد شارما المتحدث باسم مجلس الهندوس العالمي، إحدى المنظمات التي ورد اسمها في التقرير: «التقرير لا يشكل سوى مجموعة من الأوراق».

لم تقع أعمال شغب أو مسيرات احتجاجية ولم تخرج دعوات لبناء المعبد الذي طال انتظاره في قلب هذا النزاع. ويبدو أن الهند تحاول حتى هذه اللحظة تجنب أزمة هوية دينية. وقال براتاب بهانو مهاتا، رئيس مركز أبحاث السياسة، وهو معهد أبحاث في نيودلهي: «تطرق التقرير إلى لب القضية في الهند، لكن الأزمنة تغيرت ولم تعد تلك القضايا تثير حمية الناخبين كما كانت من قبل». وكانت ردة الفعل هذه متوقعة إلى حد بعيد بالنظر إلى التاريخ الدموي لهذه الأرض. بنى الإمبراطور المغولي الأول بابور المسجد في القرن السادس عشر، لكن كثيرا من الهندوس يعتقدون أن هذه البقعة التي بني عليها المسجد هي أيضا مكان ميلاد الإله رام بطل أسطورة رامايانا، وهي من أهم الملاحم الهندية. كان هناك كثير من النزاع حول هذا الموقع لعقود، لكن بعض المجموعات الهندوسية بدأت في الثمانينات بالتحريض لهدم المسجد وبناء المعبد مكانه، حيث تزعم حزب بهاراتبا جاناتا، الذي كان حزبا غامضا آنذاك، القضية، وبدأ نجمه يصعد نتيجة دوره في حركة بناء المعبد. فقد حصل على مقعدين في البرلمان في انتخابات عام 1984، وفي انتخابات عام 1991 استطاع الحصول على 119 مقعدا. في ذلك العام الذي تمكن فيه حزب بهاراتبا جاناتا من السيطرة على ولاية أوتار باراديش التي يقع فيها المسجد، دخل آلاف من الهندوس في 16 ديسمبر (كانون الأول) الذي يعرف بأنه يوم الصلاة في مكان ميلاد الإله رام، ومع وقوف رجال الشرطة موقفا حياديا تسلق المتطرفون الهندوس المبنى وحولوه إلى أنقاض خلال بضع ساعات مستخدمين الفؤوس والمطارق والأيدي. سيكون من الصعب التهويل من التأثير المريع لهدم المسجد، لكنه يثير الشكوك بشأن الهند كدولة ديمقراطية علمانية ومتنوعة عرقيا، وهو شعور بدا بالفعل معرضا للتهديد من جميع الجوانب. فقد أدت الانتفاضة العنيفة التي قام بها السيخ في أوائل الثمانينات إلى تمزيق إقليم البنجاب، وأدت في النهاية إلى اعتداءات وحشية على معبد سيخي، ومن ثم تم اغتيال رئيسة الوزراء أنديرا غاندي على أيدي حارسيها الشخصيين من السيخ عام 1984. وفي عام 1989 بدأت الحركة الانفصالية في كشمير تزداد قوة مما هدد بتفتيت الدولة الهندية المترامية الأطراف. وبدأت حركة إعادة بناء معبد الإله رام إلى التغلغل في أوساط الطبقة الوسطى الهندوسية. ويشير محللون إلى أن حكومة حزب المؤتمر الهندي أذكت الانقسامات الدينية والاجتماعية. واكتسبت فكرة هندوتفا أو الهندوسية رفضا كبيرا من قبل المعارضة التي أطلقت عليها اسم العلمانية الكاذبة لحزب المؤتمر حيث تعاملت مع المجموعات الدينية كبنوك من الناخبين يمكن الفوز بها خلال المحسوبية. ونتيجة لذلك كتب المؤرخ الهندي رماتشاندرا غوها: «حظي النزاع على ملكية الأرض في تلك المدينة الصغيرة في الهند بأهمية كبرى في حياة الدولة». تصاعد الجدال حول المعبد في حزب بهاراتبا جاناتا إلى الفوز في الانتخابات العامة وشكل حكومة ائتلاف عام 1998، وظلت توابع الأحداث في أيوديا يتردد صداها لفترة طويلة مما تسبب في تزايد أعمال الشغب في ولاية غوجارات في 2002 والتي قتل فيها 1000 شخص غالبيتهم من المسلمين.

لكن الحركة لم تنته، وقد عكس تراجعها تراجع حزب بهاراتبا جاناتا كحزب قومي وتضاءل تأثيره على الساحة منذ خسارته الانتخابات في عام 2004 لصالح حزب المؤتمر الهندي. بيد أن زعماء القضية لا يعيرون الأمر اهتماما بل إنهم يفخرون بدورهم في القضية. ويعبر كاليان سينغ الوزير الأول في حكومة أوتار باراديش والذي كان أبرز الشخصيات التي ألقت اللجنة باللائمة عليها في الأحداث، عن رد فعله تجاه التقرير: «لا أسف ولا حزن ولا ندم ولا توبة عما قمنا به». لكن لا توجد إشارة أوضح على عدم أهمية قضية معبد رام أكثر من كونه مكانا مهجورا حيث أتى المتطوعون على أنقاضه لبناء معبد. وعلى مدار سنوات يأتي المتعبدون إلى ورشة العمل المقامة في الهواء الطلق والمليء بالحجارة للمشاركة في بناء المعبد. لكن الأعمال توقفت هذه الأيام وغطيت الأعمدة الوردية المنحوتة يدويا بالتراب. وفي الوقت الذي يتقاطر فيه المتعبدون الهندوس إلى الموقع، سقط بناء المعبد من الأجندة الوطنية. ينظر العديد من الهندوس إلى رام بطل أسطورة رامايانا على أنه الرجل الكامل ويعبدونه كإله. ويعتقد بعض الهندوس أن رام كان شخصية تاريخية على الرغم من تأكيد علماء الآثار أو الأثريين على عدم وجود أية أدلة تؤكد هذا الزعم. لكن ولادة رام في هذا المكان تعد من أسس الإيمان بالنسبة للمتطرفين الهندوس. ويقول مهانات نريتا غوبال داس (77 عاما)، وزعيم الطائفة الهندوسية في المدينة الذي ذكر في تقرير اللجنة على أنه مرتكب هذا العمل: «لا جدال في أن هذا هو محل ميلاد رام. هذا الأمر ليس من قبل الخيال فتلك حقائق قوية تقوم على أدلة مادية قوية». لكن تلك المزاعم بالنسبة لحاجي محجوب (المحامي في قضية الأرض المتنازع عليها التي تجوب أروقة المحاكم منذ مدة طويلة) كلام عارٍ عن الحقيقة، وقال: «إذا جلس الهندوس والمسلمون معا فبالإمكان حل القضية بسهولة، فالقضية ككل استخدمت لمضايقة واضطهاد المسلمين. صحيح أن هذا بلد ديمقراطي لكنه ليس كذلك بالنسبة للمسلمين، إننا نعيش في ديكتاتورية صامتة».

*خدمة «نيويورك تايمز»