أوباما يتسلم نوبل للسلام «بتواضع».. ويدافع عن «الحروب العادلة»

دعا لعدم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام دول تتسلح نوويا.. وأشاد بالمتظاهرين في إيران وبورما وزيمبابوي

أوباما في حفل تسلم جائزة نوبل للسلام من لجنة نوبل النرويجية، ثوربيورن ياغلاند، في أوسلو أمس (أ.ب)
TT

تسلم الرئيس الأميركي باراك أوباما، أمس، جائزة نوبل للسلام بامتنان وتواضع، وشدد في خطاب له بالمناسبة على التزام الولايات المتحدة بالمعايير الأخلاقية عندما تشن حروبا «ضرورية ومبررة».

وقد أثار فوز أوباما بهذه الجائزة لينضم إلى قائمة من القادة العالميين مثل نيلسون مانديلا والأم تريزا ومارتن لوثر كينغ، قبل حتى أن يمضي عاما واحدا في منصبه، الكثير من الانتقادات. وتسلم أوباما الجائزة «بتواضع كبير» وأقر «بالجدل» حول تسلمه الجائزة، وقال إنه «بالمقارنة مع إنجازات بعض العظماء في التاريخ الذين حصلوا على هذه الجائزة فإن إنجازاتي ضئيلة». وقال «إنني أتسلم هذه الجائزة بفخر وامتنان وتواضع عظيم». وأضاف أن «هذه جائزة تتحدث عن أسمى تطلعاتنا، وترمز إلى أنه رغم كل الوحشية والصعوبات التي يمتلئ بها عالمنا، فإننا لسنا سجناء للقدر، فأعمالنا مهمة، ويمكن أن تغير التاريخ ليسير في اتجاه العدل».

وتطرق في خطابه إلى الحرب، فقال إن الصراع المسلح لن ينتهي «في حياتنا الحالية» إذ ستكون هناك أوقات تحتاج فيها الأمم إلى خوض حروب عادلة، وإن أميركا لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة التهديدات للشعب الأميركي. وأضاف أوباما: «حيث تلزم القوة لدينا مصلحة أخلاقية واستراتيجية في إلزام أنفسنا بقواعد معينة للسلوك. وحتى عندما نواجه خصما شريرا لا يلتزم بأي قواعد أعتقد أن على الولايات المتحدة الأميركية أن تبقى حاملة لرسالة المعايير في سلوكيات الحرب».

وبعد تسعة أيام من موافقته على إرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان للتصدي لتمرد طالبان اعترف الرئيس الأميركي بالانتقادات الموجهة لحصوله على جائزة نوبل للسلام في العام الأول من ولايته، في الوقت الذي يصعد فيه من وتيرة حرب كبيرة. وقال أوباما إن التزام الولايات المتحدة بالمعايير الأخلاقية حتى أثناء الحرب هو ما خلق الفارق بينها وبين أعدائها. وقال «هذا مصدر قوتنا. هذا هو السبب الذي من أجله حظرت التعذيب وهذا هو السبب الذي من أجله أمرت بإغلاق سجن غوانتانامو وهذا هو السبب الذي من أجله أعدت التأكيد على التزام الولايات المتحدة بمعاهدات جنيف». وتابع قائلا «نفقد أنفسنا عندما نتنازل عن نفس الأفكار التي نقاتل دفاعا عنها. ونشرف هذه المثل عندما نحافظ عليها ليس فقط عندما يكون الحفاظ عليها سهلا وإنما أيضا عندما يكون صعبا».

وأشاد أوباما بالمتظاهرين المناهضين للحكومات في إيران وبورما وزيمبابوي، وقال إن الولايات المتحدة ستقف دائما إلى جانب من يسعون للحصول على الحرية. وأضاف «سنكون شاهدين على العزة الهادئة التي يتمتع بها مصلحون مثل أونغ سان سو تشي، وشجاعة الزيمبابويين الذين أدلوا بأصواتهم في مواجهة الضرب، وعلى مئات الآلاف الذين ساروا بصمت في شوارع إيران». وتابع أن «ذلك يدل على أن قادة هذه الحكومات يخشون تطلعات شعوبهم أكثر من قوة أي شعب آخر وأن من مسؤولية جميع الشعوب والدول الحرة أن تجعل هذه الحركات تدرك أن الأمل والتاريخ يقفان إلى جانبها».

وقال أوباما في إشارة إلى الترسانة النووية الكورية الشمالية وإلى شك الولايات المتحدة في سعي إيران إلى امتلاك أسلحة نووية «يجب أن تحاسب هذه الأنظمة التي تخرق القواعد. ويجب أن تسن عقوبات مؤثرة». وأضاف «من المحتم علينا جميعا أن نصر على ألا تخدع دول كإيران وكوريا الشمالية النظام. أولئك الذين يسعون إلى السلام يجب ألا يقفوا مكتوفي الأيدي بينما تسلح دول نفسها لحرب نووية».

وفي رد على الجدل الدولي حول منح الجائزة لأوباما، قال ثوربيورن ياغلاند، رئيس لجنة نوبل النرويجية، أثناء حفل تسليم الجائزة، إن «التاريخ يخبرنا الكثير عن الفرص الضائعة. الآن واليوم لدينا الفرصة لدعم أفكار الرئيس أوباما. هذه الجائزة هي بكل تأكيد دعوة لنا جميعا للتحرك».

ويعد أوباما ثالث رئيس أميركي يفوز بالجائزة أثناء توليه منصبه، وقد تعرض للتشكيك في أهليته للجائزة في أوسلو خصوصا بعد قراره إرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان.

واعترف أوباما بأن توقيت الجائزة يأتي في وقت محرج. وقبل الحفل قال «لا شك لدي أن هناك أشخاصا آخرين أكثر استحقاقا للجائزة مني». وصرح في مؤتمر صحافي أنه سيستخدم المكافأة المالية التي سيحصل عليها من الجائزة لدعم سياسته الخارجية التي تدعو إلى الحوار، والعمل من أجل سلام دائم في العالم. وأضاف أن «الهدف ليس كسب مسابقة في الشعبية أو الحصول على جائزة، حتى لو كانت جائزة مرموقة مثل جائزة نوبل للسلام. الهدف هو تعزيز المصالح الأميركية». وتابع «إذا نجحت في هذه المهمات، فستخف بعض الانتقادات، ولكن ذلك لا يقلقني، وإذا لم أنجح فإن كل المديح والجوائز التي في العالم لن تتمكن من إخفاء هذه الحقيقة».

وفي معرض إعلانها فوز أوباما بالجائزة، أشادت لجنة نوبل به لإطلاقه عهدا جديدا من الحوار والتعددية في السياسة الخارجية الأميركية.

وكانت أول محطة لأوباما لدى وصوله إلى أوسلو عند الفجر توقيع دفتر الضيوف في معهد نوبل النرويجي. وتحدث أوباما عن فوز داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ بجائزة نوبل للسلام عام 1964 والتي ساعدت على تعزيز نضاله في سبيل الحقوق المدنية مما ساعد في تمهيد الطريق ليصبح أوباما أول رئيس أميركي من أصل أفريقي.

وأغدق أوباما المديح على حسن الضيافة النرويجية وسط مشاعر خيبة الأمل في أوسلو بسبب قراره اختصار فترة إقامته والمغادرة قبل حفل العشاء الرسمي ليلة أمس.

من ناحية أخرى، أقامت العديد من منظمات السلام النرويجية والمنظمات المناهضة للأسلحة النووية مظاهرات أمام مقر إقامة حفل تسلم الجائزة ضد الرئيس الذي اكتسب شعبية واسعة في كل أنحاء العالم عند تسلمه منصبه، ولكن الناقدين يقولون إنه لم يف بوعوده للتغيير. وأمام مكاتب اللجنة، رفع المتظاهرون لافتة كتب عليها «أوباما: لقد فزت بالجائزة، عليك أن تثبت أنك تستحقها».

وأظهر استطلاع، أجراه معهد «إنفاكت» ونشرته الأربعاء صحيفة «فيردينز غانغ» اليومية، أن 35.9% من النرويجيين يعتقدون أن أوباما يستحق الجائزة، بانخفاض عن نسبة 42.7% في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ويعتقد نحو 33.5% أن الرئيس الأميركي الرابع والأربعين لا يستحق الجائزة. وفي الولايات المتحدة أظهر استطلاع أجرته جامعة كوينيبياك شمل 2313 ناخبا مسجلا، ونشر الثلاثاء، أن نسبة الأميركيين الذين يعتقدون أن أوباما لا يستحق الجائزة بلغت 66%.