القضاء يوقف حملة يمينيي فرنسا ضد إنشاء أكبر مسجد في أوروبا

ضوء أخضر لمشروع جامع مارسيليا بعد تأخر 70 عاما.. ومنارته ستعلو 25 مترا

مسلمو مارسيليا يصلون في الشارع
TT

بينما يدلي غالبية مواطني سويسرا بأصواتهم ضد تشييد المآذن في المساجد، يواصل مسلمو مدينة مارسيليا، جنوب فرنسا، الاحتفال بصدور الرخصة التي طال انتظارها سبعين عاما وتتيح لهم بناء مسجد كبير يجمع شمل مصليهم، وله مئذنة بارتفاع 25 مترا. لكن منارة مارسيليا تبدو مثل شوكة في حلق اليمينيين المتشددين من سكان المدينة، الذين ما زالوا يسعون لتأليب الرأي العام المحلي ضد المشروع.

وأمرت المحكمة الكبرى في مارسيليا، أخيرا، وفي دعوى عاجلة، ناشطي حزب «الجبهة الوطنية» اليميني، بإتلاف منشورات ضد تشييد المسجد الكبير في المدينة، والذي سيكون أكبر مسجد في كل أوروبا. وكان المهندسون الثلاثة للمشروع قد تقدموا بشكوى ضد الفرع المحلي للحزب، لأن أعضاء تابعين له استنسخوا، من دون ترخيص، خرائط المشروع وطبعوها في منشورات تحمل عبارة «لا للمسجد» ووزعوها في صناديق البريد الخاصة بالأهالي وفي «أسواق عيد الميلاد» التي تقام في مثل هذا الموسم من السنة.

وجاء في قرار الحكم إجبار الحزب اليميني المتطرف بأن يتلف، وبوسائله الخاصة، المنشورات موضوع الشكوى، ويمتنع عن إعادة طباعتها بأي وسيلة إعلانية كانت، تحت طائلة غرامة قدرها 1000 يورو لكل مخالفة مثبتة. كما حمّل القاضي الحزب المدعى عليه نفقات المحاماة وقدرها 1500 يورو.

وكان مشروع بناء مسجد كبير في مدينة مارسيليا، أكثر المدن الفرنسية كثافة إسلامية على الساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط، قد لاقى سلسلة من العراقيل والممانعات. وتأجل منح رخصة الإنشاء لسنوات زادت على النصف قرن. ثم تراجع عمدة المدينة الحالي، جان كلود غودان، عن تشدده ووافق على الفكرة مشترطا التشاور مع كل ممثلي مسلمي المدينة بمختلف اتجاهاتهم. وبعد مفاوضات صعبة بين مسلمي المنطقة تم الاتفاق على تأسيس «جمعية مسجد مارسيليا»، وهي كيان ينضوي تحت قانون فرنسي قديم لتنظيم عمل الجمعيات ذات النفع العام التي لا تبغي الربح، صدر عام 1905 وما زال ساريا.

قبل ثلاثة أعوام تبنى أعضاء مجلس بلدية مارسيليا قرارا بإعارة قطعة أرض في المدينة، لمدة 99 عاما، لكي تكون موقعا للمسجد مقابل إيجار رمزي لا يتجاوز 300 يورو في العام. وصوت على القرار ممثلو اليمين واليسار، وعارضه ممثلو اليمين المتطرف، خاصة الحركة القومية الديمقراطية بزعامة برونو ميغريه، أحد الذين انشقوا عن حزب الجبهة الوطنية المتطرف وعن زعيمه جان ماري لوبن. وبعد التصويت على القرار بأغلبية مطلقة، اعترض اليمين المتطرف لدى المحكمة الإدارية، معتمدا على نص قانون 1905 الخاص بإجازة تأسيس الجمعيات والذي يفصل في مادته الثانية بين الدين والدولة. وكان الرأي أن الدولة لا تعترف بالتقسيمات المذهبية، ولا تقدم لها الدعم المادي. واعتبر المعترضون أن إيجار قطعة الأرض التي سيبنى عليها المسجد لا يتناسب وأسعار سوق العقارات. إلا أن المحكمة الإدارية حكمت لصالح بلدية مارسيليا و«جمعية مسجد مارسيليا» ولكن مع خفض مدة الإيجار إلى خمسين عاما ورفع المبلغ إلى 24 ألف يورو في العام.

كان رأي جان كلود غودان يقوم على أن لمسلمي مارسيليا، الذي يبلغ عددهم نحو 200 ألف مسلم من مجموع 900 ألف هم عدد سكان المدينة، الحق في بناء مسجد كبير تعود فكرته الأولى إلى عام 1937، أي منذ زمن رئيس البلدية، آنذاك، فانسان غيلسر. وعلى الرغم من أننا الآن في عام 2009 فإن مسلمي مارسيليا ما زالوا يصلون في العراء أو في مساجد مرتجلة ومرائب للسيارات وأماكن لا تليق بشعائر روحية، والسبب هو تردد السياسيين في إعطاء الضوء الأخضر والتصويت لبناء جامع يتسع للغالبية منهم. وهو ما حصل في الشهر الماضي وصدرت رخصة بناء مسجد مارسيليا الذي صممت صالة الصلاة فيه لتستقبل سبعة آلاف مصل، مع منارة شرعية لا اعتراض عليها، وهو ما يؤكد عدم انجرار فرنسا وراء التصويت الشعبي السويسري الأخير بمنع المآذن في المساجد.