قوافل الجمال في طريقها للاختفاء من الصحراء الكبرى

حلت محلها الشاحنات في الرحلات التجارية.. وتمركز «القاعدة» في شمال مالي وراء الظاهرة الجديدة

TT

كما هو الحال منذ قرون قطع التجار أكثر من 400 ميل من الصحراء الكبرى ليجلبوا ألواح الملح الأبيض اللامعة إلى هنا، كما اعتادوا دائما. وفي السوق وقف حسين بوبكر، تاجر الملح يساوم أحد العملاء كما يفعل في كل مرة. لكن الجمال التي استخدمها بوبكر على مدى 35 عاما لنقل الملح من المناجم الموجودة في شمال مالي إلى هذه المدن النائية اختفت، فقد وصلت ألواح الملح الـ320 التي جلبها التاجر إلى تومبوكتو على ظهر شاحنة ألمانية الصنع تخلى عنها الجيش الجزائري لكنها بالنسبة لبوبكر جديدة حيث قلصت رحلته من ثلاثة أسابيع إلى يومين. كانت قوافل الجمال تأتي إلى هذه المدينة خلال أشهر البرد، على مدى عقود، محملة بقطع كبيرة مستطيلة من الملح؛ أحد الموارد القليلة في الصحراء الذي يتم استخراجه من قاع البحيرة الجافة في قرية شمال تاوديني، ويجلب إلى الجنوب عبر التجار الذين يسيرون بين التلال الرملية مهتدين بضوء النجوم. تلك التجارة القديمة لا تختفي لكنها تتغير، فقد أخذت الشاحنات طريقها لتحل محل الجمال بصورة تدريجية، وصارت أحد عوامل التطور التي تأخذ مكانها في تومبوكتو والصحراء المحيطة بها والتي تمتد شمالا إلى المحيط الأطلسي. في هذه المنطقة الصحراوية يستقر المتمردون الذين تربطهم صلات بـ«القاعدة» يركبون سيارات الدفع الرباعي إلى جانب عمال المناجم والتجار. في هذه المدينة لا تزال العديد من المنازل عبارة عن خيام أو مبان من القش والطين وأرضياتها من الرمال التي جلبتها الحمير، والتي يقول السكان عنها إنها تحتفظ بالمكان باردا.

في أحد تلك المنازل كان هناك أطفال، هاما ولد محمود، إمام مسجد الحي الصغير يقرأون آيات القرآن الكريم المكتوبة بالحبر على ألواح خشبية مصقولة. لكن الرمال الموجودة في أرضية إحدى غرف منزل محمود الأمامية ترتفع في أحد أركانها حيث تقف طاولة صغيرة عليها تلفزيون يعلوه الغبار ويغوص سلك التلفزيون عبر الرمال إلى مقبس في الحائط. وفي الحي القديم من تومبوكتو تجوب الدراجات النارية التي انتشرت في السنوات القليلة الأخيرة عبر قطعان الأغنام.

ويقول عبد الرحمن بن السيوطي وهو يمسك هاتفه الجوال «هناك هذا أيضا». يعمل السيوطي إماما للمسجد الذي بني عام 1327 الذي يعد أقدم مساجد تومبوكتو. وقد أدت الزيادة في أعداد المدارس الدينية في البلاد إلى تنامي معرفة الماليين بالإسلام، وأشار إلى أن انتشار استخدام الهاتف الجوال أدى إلى انتشار الخداع. وقال السيوطي عن الهاتف: «هذا الشيء أخطر من أي شيء آخر فهو قادر على تضييع وقت الفرد وقد بات الطريقة المثلى لتحديد مواعيد غرامية بهدوء».

منذ فترة ليست طويلة تلقى السيوطي اتصالا على هاتفه الجوال من رجل قال له إن الإمام دعا له وإنه يرغب في رد المعروف للشيخ بسيارة ميتسوبيشي باجيرو. كان السيوطي بحاجة إلى القدوم إلى باماكو، عاصمة مالي، ودفع 650 دولارا لشحن السيارة. اتصل الإمام بصديق له، هو عقيد في الشرطة ألقى القبض على المحتال. وفي نقطة الالتقاء قال السيوطي هل القادة الدينيون من أنحاء مالي أكثر سهولة في الخداع منه. وقال السيوطي قبل قيامه ليؤم صلاة العصر: «كل الأئمة هناك ينتظرون سياراتهم الباجيرو». على الحافة الغربية من مدينة تومبوكتو حيث تكثر الكثبان الرملية جلس صلاح ألود يوبا مع جماله وصوت الآذان ينطلق من المآذن، فقد وصل الفريق في الليلة السابقة. كان التجار وجمالهم الستون مع 300 لوح من الملح يزن الواحد منها 110 أرطال. كان يوبا البالغ من العمر 35 عاما قد اشترى الملح قبل ثلاثة أسابيع بأقل من خمسة دولارات للوح الواحد، وباعها هنا بثلاثة أضعافها. ويشير يوبا إلى أن الجمال الأكثر مناسبة للقوافل حتى تبلغ من العمر ست سنوات، إذ تبدأ أسنانها في الضعف بعد ذلك ويصعب عليها الأكل من الصحراء مما يزيد من مخاطر تعرضها للموت جوعا. ويعتقد يوبا أن الجمال أفضل من السيارات التي تتطلب وقودا غاليا، فالجمال لا تحتاج سوى الأوراق والماء، وهما أمران متوفران في الصحراء، مما يعني أن التجار عندما يعودون شمالا، وجمالهم محملة ببضائع مثل الأرز والسكر والدخن، يمكنهم منح البعض منها لعمال المناجم الذين يعملون في استخراج الملح تحت الشمس الحارقة. وقال يوبا: «الأمر أفضل مع الجمال. أنا لا أريد التخلي عن التقليد الذي دأب عليه والدي وأجدادي». على بعد بضعة مبان قليلة، وقف بوبكر يراقب عميله وهو ينهي تحميل 10 ألواح من الملح إلى سيارته التويوتا حيث سيبيعها في مدينة موبتي؛ المدينة الأبعد في الصحراء. لا تزال الذكريات السيئة لجفاف عام 1973 شاخصة في ذهن بوبكر وهو ما يجعله يخشى من الاعتماد على الجمال التي تحتاج إلى المياه والعشب، أما الشاحنة، على حد تعبيره، فيمكنها القيام برحلتين شهريا فيما تقوم قوافل الجمال بهذه الرحلة مرتين في العام. لكنه يعترف أن هداياه لرجال المناجم قد توقفت. وقال: «من الممكن القيام بذلك مع الجمال، أما مع الشاحنات فالأمر مختلف فلا يوجد شيء لعمال المناجم». كان هناك عدد من التعديلات الأخرى، فمن كابينة السيارة ليست هناك حاجة إلى الاسترشاد بالنجوم والسير في الصحراء لم يعد كما كان، ومن ثم طلب من أحد زواره أمرا فقال له: «عندما تأتي في المرة القادمة خلال شهر أو خمسة أشهر أحضر لي معك من فضلك جهاز جي بي إس»، الخاص بتحديد الموقع عبر الساتلايت.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»