ولي العهد تابع هموم الأمة والوطن من على السرير الأبيض

قال عندما أُدخل المستشفى عام 2004 إنه لن ينسى تقديم الملك عبد الله العلاج له بيده

بكل الحب يقدم خادم الحرمين الشريفين العلاج بيديه لولي العهد
TT

استوقفت الكلمة الارتجالية التي ألقاها الأمير سلطان بن عبد العزيز مساء يوم الثلاثاء الـ11 من يوليو (تموز) عام 2004، كل من تابعها سواء من الحضور أو عبر التلفاز لما حملته الكلمة من معان عبرت عن الوفاء الذي يكنه الجميع للأمير ومشاعر الحب المتبادلة بين القيادة والشعب ترجمتها زيارة الملك فهد بن عبد العزيز لأخيه الأمير سلطان في المستشفى وما تركته من صدى عند الأمير وعند الشعب السعودي، إضافة إلى الزيارات اليومية التي كان يقوم بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (ولي العهد آنذاك) لأخيه الأمير سلطان في المستشفى، ولعل أجملها وأكثرها وقعا في نفس الأمير سلطان تلك الزيارة التي قدم فيها الملك عبد الله العلاج له بيده.

واعتبر الكثير من المتابعين أن كلمة الأمير سلطان الارتجالية عند استقباله في قصره في الخالدية بجدة الشيخ الراحل عبد الله الأحمر، رئيس مجلس النواب اليمني آنذاك، الذي قدم للاطمئنان على صحته، تضمنت وحملت معاني كثيرة وعبرت عن الوفاء المتبادل والحب الكبير الذي يحمله قادة وشعوب العالم للأمير سلطان من خلال السيل المنهمر من الزيارات والاستفسارات والمكالمات أثناء وجوده في المستشفى.

كما أعطت للمتابعين أن ولي العهد (النائب الثاني آنذاك) حتى وهو يرقد على السرير الأبيض كان متابعا لهموم الأمة والوطن. فقد تحدث في كلمته، التي حضرها مسؤولون وكبار ضباط القوات المسلحة والحرس الوطني وقادة القطاعات الأمنية في وزارة الداخلية الذين قدموا للسلام على الأمير سلطان وتهنئته بالشفاء والاطمئنان على صحته، عن العنف والإرهاب الذي تعرضت له السعودية على يد بعض الخارجين من أبنائها ممن غرر بهم واستغلوا أسوأ استغلال، ونجح الآخرون في استخدامهم كأداة لتنفيذ مخططات إجرامية وإرهابية بأفكار مضللة. كما حملت كلمة الأمير إشادة بجهود رجال الأمن والحرس الوطني والقوات المسلحة في سبيل دحر الفئة الضالة، وتناولت الكلمة العفو الملكي لعودة المنتمين لهذه الفئة إلى رشدهم وتسليم أنفسهم، مفيدا أن الوطن مفتوح للجميع، كما أن القلوب مفتوحة لكل من عاد إلى الحق. وتطرق الأمير سلطان في كلمته إلى الأحداث التي تشهدها الساحتان، العربية والإسلامية، وركز على ما يجري في أرض فلسطين، داعيا الإخوة هناك إلى تحكيم العقل وتوحيد الصفوف لمواجهة عدوهم، وأن لا يتركوا مجالا للأعداء للتشفي فيهم والشماتة عليهم.

وجاء في الكلمة الارتجالية للأمير سلطان كما يلي:

«بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله القائل في محكم التنزيل (لَإِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.

إخواني الحضور الأعزاء..

أحييكم بتحية الإسلام الخالدة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلا بكم وأنتم تغمرونني بنبل سجاياكم.. ومرحبا بكم جميعا، قدمتم من كل حدب وصوب، للاطمئنان على صحتي، بعد أن منّ الله علي بالشفاء على أثر العملية الجراحية التي أجريت لي مؤخرا. أحمد الله حمدا كثيرا، وأشكره على آلائه ونعمه الجزيلة، أحمد الله أن ابتلاني ليختبرني، أحمد الله على أن أصابني بعارض لأتذكر إخوتي ممن هم على فراش المرض، وأشكره عز وجل بأن خصني برجال أمثالكم ما إن هممت بالدخول للمستشفى إلا وأفاجأ بذلك السيل المنهمر من الزيارات، والاستفسارات، والمكالمات..

فلكم مني جميعا من الشكر أجزله، ومن التقدير أبلغه، ومن الوفاء والعرفان ما يليق بأهل الوفاء أمثالكم. أيها الإخوة الكرام..

في الوقت الذي كانت فيه فترة قضاء الأيام بالمستشفى لحظة امتحان أمام الخالق البارئ عز وجل، فإنها كانت في نفس الوقت لحظات تأمل وتفكر وتتدبر، فنحمد الله أن خصنا بالإسلام، وجعلنا أسرة واحدة، حاكما ومحكوما، يرحم كبيرنا صغيرنا، ويوقر صغيرنا كبيرنا. لقد كانت الخطوات الجليلة لسيدي وأخي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز عندما خطاها لزيارتي في المستشفى وقعا كبيرا في نفسي وفي نفس أبنائي أثلجت صدري، وأزالت هم الألم عني وهو الذي يؤتى ولا يأتي، وتأكد لي ذلك من صداه الرائع لدى هذا الشعب الأبي، أسال الله أن يكتب له الأجر، مقرونا بطول العمر ممتعا بالصحة والعافية.

أما سيدي وأخي الأمير (الملك) عبد الله بن عبد العزيز، فقد غمرني بفيض مشاعره، ونبل مسلكه، وطيب معشره، بعدة زيارات يومية، منتظمة وغير منتظمة، أنستني مرضي، وشغلتني عن همومي، وكانت أرقاها وأجملها وقعا في نفسي تلك الزيارة التي قدم لي فيها العلاج بيده الكريمة. لقد ترجمت تلك الزيارات معنى الأخوة الحقة، وأكدت عمق الترابط الصادق الحميم، رغم مشاغله كنت سأكتفي بزيارة أو اثنتين، ولكن كان إصراره على المتابعة والزيارة يؤكد لي يوميا أن هذا ديدنه مع كل مواطن ومسؤول على حد سواء، أسأل الله جلت قدرته أن يجزيه عني خير الجزاء.

أيها الإخوة الكرام.. إن تفقد إخواني أصحاب السمو الملكي الأمراء وأصحاب المعالي الوزراء والفضيلة العلماء، وسائر أفراد الشعب السعودي الكريم بزيارات متتالية تركت في داخلي شعورا عميقا بالامتنان والتقدير. فلكم مني جميعا خالص الشكر، مع الدعاء بطول العمر.

إن بلادنا الغالية، بلاد الحرمين الشريفين، تعرضت، وبكل أسف، لموجة من العنف والإرهاب على يد بعض الخارجين من أبنائها، شباب غرر بهم، واستغلوا أسوأ استغلال، نجح الآخرون في استخدامهم كأداة لتنفيذ مخططات إجرامية وإرهابية بأفكار مضللة، وسلوكيات منحرفة، أجمع علماؤنا كافة، وفضلاؤنا، وأصحاب الحل والعقد منا على أنها سلوكيات إجرامية على هذا الشعب الأبي الوفي. ولا نسميها حربا لأن كلمة حرب أكبر من أن تطلق على هذه الفئة الضالة.. بل إنها فقاعة في فنجان ما أسرع أن تزول.

إن الوطن مفتوح للجميع، وقلوبنا مفتوحة لكل من عاد إلى الحق، ورحمة الله وسعت كل شيء، ولن نكون أكرم من هادي البشرية عليه أفضل الصلاة والسلام عندما عفا عن الذين عادوه وقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء، وهذه هي عظمة الدين الإسلامي، فالدين الإسلامي دين تراحم، وتلاحم، وعطف، وسلام، لا دين حرب وإرهاب، وقتل.

أسأل الله جلت قدرته أن يجنبنا الشرور والفتن، وأن يقينا وإياكم شر تقلبات الزمن، وأن يمتعكم بموفور الصحة والسعادة».

بعدها أدلى الأمير سلطان بتصريح صحافي أجاب خلاله عن سؤال عن رأيه في الإشارات المتضاربة التي تأتي من الولايات المتحدة الأميركية، حيث إن وزارة الخارجية الأميركية تقول بأن المملكة متعاونة في مكافحة الإرهاب وتثني عليها، فيما أن بعض أعضاء الكونغرس أو مجلس النواب يقولون بأن المملكة لا تتعاون وهناك من يقترح قطع المساعدات عن المملكة.. قال ولي العهد:

«أولا ليس هناك مساعدات من الولايات المتحدة الأميركية للمملكة مطلقا.. هناك تعاون في التدريب العسكري.. يعني مصاريف.. نفقات.. ضباط يذهبون ويعودون.. والحكومة السعودية مستعدة لأن تقوم بها.. أما عن من يؤيدنا ومن لا يؤيدنا في الولايات المتحدة فنحن نتقبل من الجميع».