سلمان بن عبد العزيز الأمير.. الأخ.. الوفي

الأمير سلطان بن عبد العزيز ويجلس بجواره على الأرض الأمير سلمان في صورة التقطت قبل أكثر من عام في مجمع ولي العهد البري (تصوير: بندر بن سلمان)
TT

سلمان بن عبد العزيز والوفاء متلازمتان لا تغيب. من يعرف الأمير، يعرف مدى حرصه على أمرين اثنين؛ حديثه عن العاصمة السعودية الرياض التي انطلق منها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله لبناء الصرح الكبير المملكة العربية السعودية، وكذلك حرصه على الوفاء، ومن هنا تبدأ القصة. فطوال غياب ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز عن المملكة العربية السعودية في رحلة علاجه، كان الحديث المرادف عن غياب ولي العهد هو غياب أمير الرياض. فمعروف عن الأمير سلمان بن عبد العزيز ولعه بالرياض، ولذا كان الجميع يتحدث عن غيابه، ومدى وفائه لأخيه، وملازمته له طوال الرحلة العلاجية خارج السعودية. كان حديث الناس ينصب على درجة وفاء الأمير سلمان، والتزامه، حيث لم يصرح، أو يظهر إعلاميا بكثرة، ولم يظهر في الصورة، كان فقط وفيا لأخيه، وان ظهر فيبدو الساهر على راحة أخيه، والممتثل لأمره. تراه مستقبلا ضيفا، ومودعا آخر، ويفسح للحضور المجلس، حيث كان المهم بالنسبة له هو أميره سلطان بن عبد العزيز، الذي دائما يقول عن أمير الرياض«سلمان هو الأمير».

والوفاء خصلة من خصال الأمير سلمان، بل وهاجسه، حتى أن أفضل نصيحة تقدمها لمن يتعامل مع الأمير هي انه إذا أردت أن لا تغضب الأمير سلمان فكن وفيا. لكن وفاء الأمير سلمان ليس قصة تروى عنه مع إخوانه، أو أفراد الأسرة الحاكمة فقط، رغم وفائه لكل إخوانه الملوك الذين انتقلوا إلى رحمة الله، أو من هم على قيد الحياة، وحتى وفاؤه وتقديره لمن يكبره سنا، أو لأخواته من الأميرات. وبات أمرا مألوفا لكل من يرافق الأمير سلمان في تحركاته داخل مدينة الرياض أن يطلب منهم الأمير سلمان التوقف عند احد منازل الأسرة ليتناول الشاي مع أخته، أو المرور للسلام على أخ أو أخت أخرى.

فالوفاء عند الأمير سلمان، أو أمير نجد، كما يحب أن يطلق عليه محبوه، أمر لا يمكن المساومة فيه، فكثر الذين سمعوه بعد تولي الملك عبد الله بن عبد العزيز للحكم قوله إذا كان الأمر رأيا قلنا رأينا فيه، أما إذا كان حديث الملك أمرا فأمر الملك أمر ينفذ. وهذه مسالة لا مساومة فيها عند الأمير سلمان بن عبد العزيز وهو الذي قال في خطاب احتفال أهالي الرياض أمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز «لقد أثبت التاريخ أن هذه الأسرة أسرة تكاتف وتعاون وتواد ومحبة، وكان يقول القائلون في أواخر عهد الملك عبد العزيز: ماذا سيحل بهذه البلاد وهذه الأسرة بعد عبد العزيز ثم بعد سعود ثم بعد فيصل ثم بعد خالد ثم بعد فهد؟ والحمد لله أي إنسان يرصد الأوضاع ويعرفها يجد والحمد لله أن إخوتكم والحمد لله ملتفون حولكم يدا بيد وأسرتكم جميعا وشعبكم والحمد لله..».

ووفاء الأمير سلمان يمتد حتى بعيدا عن أواصر القربة، ويصل لكل من عرفهم وعرفوه، فمن شدة وفائه وقربه للناس تجد أن كل من عرفه يعتقد انه هو الأقرب للأمير. ذات يوم قال لأحدهم في مجلسه إن من تراهم حولي من الشباب هم من اخذوا أماكن آبائهم الذين توفاهم الله، فمن وفىّ لا أضيع وفاءه، وأبقى له على العهد مع أبنائه.

ومجالسو الأمير، ومرافقوه، يرونه كل يوم وهو يهاتف هذا مواسيا، وذلك مهنئا، ويطمئن على أصدقاء، وان روى قصة أعطى الناس حقها، خصوصا انه يتمتع بذاكرة مميزة للأسماء والأماكن.

ولذا فنادرا ما يخلو حديث للأمير سلمان، أو خطاب من خطبه، عن قيمة الوفاء، أو التذكير به، ففي خطابه أمام الملك عبد الله بن عبد العزيز في حفل أهالي الرياض في 22 نوفمبر 2005 الذين احتفلوا بتولي خادم الحرمين سدة الحكم في السعودية قال الأمير سلمان مخاطبا الملك عبد الله «يا خادم الحرمين الشريفين.. عندما نتحدث عن الوفاء فسأكون شاهد عيان.. لقد كنتم وفيين جدا لأخيكم المرحوم الملك فهد، خصوصا في فترة مرضه، وهذا والحمد لله ما تعودناه من هذه الأسرة وهذا الشعب». ووفاء الأمير سلمان لأخيه ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز ما هو إلا امتداد لوفائه لإخوانه، وكذلك لكل من عرفه. ومرافقة الأمير سلمان لأخيه الأمير سلطان طوال فترة غيابه خارج السعودية، من أميركا إلى أوروبا، ثم المغرب هي قصة على كل لسان في السعودية، بل ومضرب للمثل، عن أخلاق الأمير، ووفاء الأخ، وكذلك عن غياب الأمير عن مدينته الرياض، والتي تعد من اكبر مناطق المملكة، والتي قال عنها الأمير سلمان ذات يوم أمام الملك عبد الله ما يكشف رؤيته للعاصمة السعودية حيث قال «سيدي إنكم الآن بين شعبكم شعب المملكة العربية السعودية، وكما تعلمون يا خادم الحرمين الشريفين أن عاصمتكم الرياض تضم كل أفراد شعبكم من قراهم ومدنهم وباديتهم وحاضرتهم، لذلك فهي مدينة المملكة العربية السعودية».

ومعروف عن الأمير سلمان ولعه بمسقط رأسه مدينة الرياض، كيف لا وهو حاكمها منذ قرابة الخمسين عاما، حتى إن أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل أهدى عمه الأمير سلمان قصيدة غزل في الرياض يقول مطلعها «سريت ليل الهوى لين انبلج نوره.. أمشي على الجدي وتسامرني القمرا» إلى أن يقول الشاعر فيها «يا نجد الأحباب لك حدر القمر صوره.. طفلة هلال وبنت أربع عشر بدرا».

إلا أن ولع الأمير سلمان بالرياض، التي ولد فيها، لا يعني تحيزا لمدينة سعودية ضد أخرى، فهو أيضا رئيس مركز تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولا يغيب عن مدينة جدة، ومن يراه في مجلسه بقصره في جدة فسيرى أصدقاء قدام لكل واحد منهم قصة متشعبة تفاصيلها، إلا أن عنوانها العريض هو الوفاء.

والأمر نفسه مع مدن السعودية الأخرى وأبنائها، فحب الأمير سلمان للرياض، واعتزازه بها هو مؤشر على رمزية حبه للسعودية ككل، ودليل على وفاء رجل لمدينته، ولا غرابة أن السعوديين اليوم عندما يعبرون عن سعادتهم بعودة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز سليما معافى إلى الرياض يقولون «ومعه رمز الوفاء الأمير سلمان»، وكما قال الشاعر العربي من قبل «وجربنا وجرب أولونا... فلا شيء أعز من الوفاء».