الأمير سلطان.. أسرار إهداء «السبحة» و«الساعة» و«القلم»

قدمها للمبدعين والشجعان الوطنيين في محافل ومناسبة مختلفة.. ومختصون يفلسفون تأثيراتها الاجتماعية والنفسية

الأمير سلطان مع الرئيس اليمني أثناء زيارته له في المغرب في حديث باسم حول المسبحة
TT

يعمد الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، إلى مد يده إلى جيبه لالتقاط قلمه الفاخر أو «سبحته» أو فك ساعته من معصمه وتسليمها هدية منه إلى أحد رجالات الوطن المخلصين من المواطنين والموظفين، في عادة عرف بها منذ أكثر من 3 عقود.

وتمثل حالة الإهداء التي يقوم عليها الأمير سلطان بن عبد العزيز ذكاء فطريا، درج على القيام به ولي العهد خلال فترات ومناسبات وأحداث وفعاليات مختلفة، شريطة أن تجتمع في المهدى إليه عدة صفات أبرزها الشجاعة والإقدام وخدمة الوطن.

الأمير سلطان درج وهو يقوم بذلك الإهداء على خط سنة حسنة في تحفيز المهدى إليه، لا سيما أنه يقوم بذلك فقط لشريحة المبدعين والشجعان وشعراء الوطن، في إشارة واضحة إلى أن الهدية تقدم فقط لمن يبذل ويجتهد وينجح.

وغطت سياسة إهداء الأمير سلطان بن عبد العزيز شرائح واسعة من المجتمع، حيث حظي بشرف تسلمها العسكري والمدني والرياضي والمواطن العادي وحتى الأطفال، وتباينت مناسبات إهدائهم بين تحقيق منجزات خارجية وداخلية وإبداعية. ولكن المدقق في واقع إهداء الأمير سلطان سيكتشف وجود توقيت دقيق جدا، إذ يعمد الأمير وجود حدث قائم أو فعالية محددة يكون حاضرا فيها من وقعت عينه على إهدائه، حتى يأتي بالفعل دور هذا المواطن الذي يفاجئه الأمير سلطان بأجمل تكريم وأغلى تقدير، حينما يستل سلطان الخير سبحته من يده أو يفك ساعته من معصمه أو يرفع قلمه عن جيبه ليمده إليه بعد أن يسلم عليه بحرارة، ليمثل له ذلك هديتين، الأولى في «حرارة السلام»، والأخرى في إهدائه مقتنى غال.

وتمثل «ساعة اليد» و«السبحة» و«القلم» أبرز الهدايا «السريعة» التي يقدمها الأمير سلطان في حالة الحدث، إذ عرف عنه اهتمامه وعنايته بهذه الإكسسوارات، مما تكشف أنه حينما يقدمها إلى المهدى إليه فهو بذلك يعطي شيئا هو يحبه، مما يعني أنه يحب من يعطيه إليه الهدية.

تؤكد ذلك لقاءات كثيرة أجريت لمن أهداهم الأمير تلك الهدايا، أكدوا جميعهم أنهم يحتفظون بتلك الهدية ولن يقوموا ببيعها أو الاستغناء عنها مهما كلف الأمر أو وقع بهم من ظروف، نتيجة اعتبارهم القيمة المعنوية الشرفية التقديرية التي تمثلها لهم تلك الهدايا «قيمة» لا تقدر بثمن، رغم أن قيمتها بالفعل عالية جدا وتشكل ثروة لبعضهم.

الخبراء والعلماء النفسيون والاجتماعيون يدركون تفاصيل هذا الإهداء، ويدركون أهميته البالغة في شحن معنويات المهدى إليهم، والرفع من هممهم وزيادة طاقتهم لتقديم المزيد من الجهود والإبداع في مسيرة عملهم الذي تم على إثره الإهداء.

وكرم الأمير سلطان في إحدى زياراته للقاعدة الحربية بمنطقة الخرج طفلا يافعا بعد أن ألقى عليه قصيدة، حيث لمح الأمير مدى ذكائه وفطنته الفطرية، حيث ألقى قصيدة شعبية طويلة بكل فصاحة من دون تكأكؤ أو تردد أو تلعثم أمام حشود الحاضرين في الاحتفال، حيث طلب الأمير تقريبه إليه وإعطاءه ساعته الفاخرة.

ولم يقف الأمير عند الشعر فقط، بل كان للرياضة والرياضيين فرصة للتشرف بأخذ إحدى هداياه المعنوية، حيث حصل اللاعب مالك معاذ لاعب نادي الأهلي والمنتخب السعودي قبل عامين على تكريم ولي العهد الخاص، بعد تحقيقهم بطولة في الموسم (2007ـ2008)، حينما أهداه قلمه الخاص، في إهداء مماثل للاعب النادي ذاته حسام أبو داود قبل سنوات.

ويعرف عن الأمير سلطان بن عبد العزيز حبه لتلك الهدايا، ربما لأنها تعود إلى مضامين مهمة، فـ«السبحة» تعتبر رمزا للالتزام الديني والانضباط الخلقي كما تستخدم كثيرا لأغراض التسبيح والتهليل، بينما يمثل «القلم» رمزا للعلم والمعرفة وطلب التزود بالمهارات ورصد المعرفة، بينما تدل «الساعة» على الانضباط والدقة والالتزام بالمواعيد.

وجاءت إهداءات الأمير معبرة تقريبا عن كل تلك المضامين التربوية، حيث سبق أن سلم في عام 1991 الطيار الحربي السعودي العميد عايض بن صالح الشمراني ساعته الشخصية، بعد نجاحه في إسقاط طائرتين عراقيتين اخترقتا حدود المملكة خلال حرب الخليج الثانية، في حكاية تناقلتها وكالات الأنباء العالمية.

ويعني تشريف الأمير للشمراني بتلك الساعة مدلولا واضحا على الشجاعة والإقدام مع دقة التوقيت ونجاح الهدف، كما فعل العميد الشمراني حينها، حيث رحب به الأمير سلطان ترحيبا بالغا مشجعا إياه بمزيد من البذل والنجاح.

ويصف الطالب خالد بن عبد العزيز الصنيع، الحاصل على المرتبة الأولى في تخصصه بنظم المعلومات الإدارية بكلية الإدارة الأهلية بجدة، شعوره حينما سلمه الأمير سلطان في حفل تخرج عام 2006، بأنه كان لا يوصف عند تسلمه شهادة تخرجه من يده الكريمة، مبينا أن تلك اللحظة تعد تاريخية في حياته. وما زاد بهجته حينما قام ولي العهد بإهدائه قلمه الخاص تثمينا منه لتفوقه في تخصصه، وتلك الليلة يصفها خالد بأنها خاتمة رائعة لمشواره في التعليم الجامعي، وحافز للوصول إلى الأفضل وهو يجد التحفيز من سلطان بن عبد العزيز أبو الجميع. وهنا، يذكر الدكتور عبد العزيز الغريب، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن شخصية بقامة الأمير سلطان حينما تهدي أي مواطن تذكارا فهو يرغب أن تمثل حقيقية إنجاز كبير لهذا الشخص، بل إن السلام على الأمير في حد ذاته يمثل شرفا لأي إنسان. وأضاف الغريب أن الجميل في إهداءات الأمير لمقتنياته أنها طالت شرائح كثيرة ومستويات متنوعة من المجتمع، وهي تعبر بوضوح عن نظرته الاجتماعية المهمة في تثبيت المنجز المحقق من المهدى إليه، والذي سيعتبرها علامة تذكارية لا يمكن نسيانها، وجائزة تقديرية بالغة الخصوصية له.

وقال الغريب في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «يوصف الأمير سلطان بأنه مؤسسة خيرية واجتماعية بذاته، ولديه من الأبوة والحنان الشيء الكبير، وعلى ذلك حينما يختار بعض الشخصيات لتكريمهم فهو يؤكد بقوة على من حقق إنجازات، لذا يسعى أن يربط سلامه بذكرى خالدة للمكرم متجسدة في وسام يبقى له مدى الحياة».

وأضاف الغريب «الجميل أن الأمير يسعى لإهدائه أمام الأشخاص أو أمام زملائه، في إشارة صريحة إلى أنه يشجع الإبداع والناجحين، إضافة إلى تعبير آخر يكشف عن شخصيته المتواضعة وقربه لأوضاع المجتمع، ليحمل هذا الشخص ذكرى لذلك الموقف لا تنسى».

ويلفت الغريب إلى أن الإهداء كذلك هو رسالة لكل الناجحين والمبدعين، وحضن أبوة، لا سيما حينما أهدى الأمير في مشهد ذلك الطفل المعاق نتيجة تحقيقه نتائج عالمية في مسابقات دولية، مفيدا بأن «كل لاعب عقب هذا الموقف يتمنى أن يسلمه هدية ليبادره بعلامة عفوية وأبوة حانية».

من ناحيته، يرى الدكتور سعد المشوح، وهو أستاذ علم النفس في جامعة الإمام محمد بن سعود، أن حالة الإهداء التي يقوم بها الأمير تمثل حالة الإنسان حينما يأخذ شيئا من ذاته، فيطمح أن يكون لدى من يقوم بإعطائه ذلك الجزء في مشابهة للطموح الذي يأمله نتيجة أن ما أعطاه يمثل أعز ما يملك. وأضاف الدكتور المشوح في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن علم النفس يشدد على ضرورة ألا تُنتزع من الطفل حاجياته وأدواته إلا بالاستئذان منه، نتيجة للطبيعة التي يجسدها برفضه انتزاعه منه، بينما يمكن انطباق الحالة على عملية الإهداء الشخصي، فكيف بعملية الإهداء لمقتنيات يحبها الشخص؟

وقال المشوح «ما أقصده أنه حينما يسلم الأمير سلطان هدية عبارة عن مقتنى يحبه كـ(المسبحة) أو (الساعة) مثلا فإنه يدل دلالة واضحة على أنه ارتضى إهداء شيء يمثل قيمة له لطرف يمثل أكثر قيمة بمنجزه أو بإبداعه مثلا»، مضيفا «فكيف هو الأمر حينما يأتي الإهداء من موقع المسؤولية والحدث لشخصية قيادية كبرى في البلد؟ حيث يمكنها أن تدفع المهدى إليه إلى مزيد من النجاح».

ويضيف أستاذ علم النفس أن التأثيرات النفسية لن تنحصر في المهدى إليه فقط، بل ستتجه بقوة نحو الآخرين، حيث يشعر سلوك الإهداء الآخرين بضرورة الاهتمام بالمرؤوسين، كما يسمى في علم النفس بـ«سلوك التعلم والاتصال»، مشيرا إلى أن فيها دلائل تشجيعية للنمو الذاتي والاجتماعي للمهدى إليه.