تقاطع آراء الخبراء بين الحفاظ على أهوار جنوب العراق.. وتجفيفها

علماء البيئة يعدونها «بيئة فريدة».. وخبراء النفط يدعون لتجفيفها واستغلال نفطها وغازها

امرأة تجذف في قارب بأحد الأهوار قرب مدينة الناصرية جنوب العراق (أ.ف.ب)
TT

تقاطعت الآراء بين علماء البيئة في محافظة البصرة الداعين إلى الحفاظ على الأهوار، وخبراء النفط الذين يقولون إن أهوار الجنوب مكامن هائلة للنفط والغاز وأن استمرار غمرها بالمياه هدر لكميات الغاز المتسربة منها، وأن استثمارها سيشكل نقلة نوعية في موارد العراق واحتياطه النفطي المضمون. تعد قضية الأهوار من المسائل الوطنية المركزية وتنال من اهتمام الخبراء والمسؤولين والقوى السياسية حيزا كبيرا لما تعرضت له خلال العقدين الأخيرين من تقلبات، فبعد أن حولها النظام السابق عام 1999 إلى أرض جرداء نتيجة تنشيفها وهدر ثرواتها المائية في البحر وتعرض سكانها إلى التهجير القسري لأسباب سياسية، عاد النظام الجديد بعد عام 2003 إلى غمرها من جديد كرد فعل على الإجراء التعسفي للنظام السابق في الوقت الذي تعاني فيه المنطقة والعراق بشكل خاص من الجفاف وانحسار مناسيب المياه في دجلة والفرات وإغلاق إيران لنهر الكرخة الذي يعد من أهم مغذيات الأهوار بالمياه مما تسبب في عودة الجفاف مرة أخرى إلى مساحات كبيرة في المنطقة وتعرض سكانها إلى الهجرة مرة أخرى.. ويأتي اختلاف الخبراء في أحاديثهم لـ«الشرق الأوسط» من تباين اختصاصاتهم، ففي الوقت الذي ينظر فيه علماء البيئة إلى ما فوق سطح أرض الأهوار وضرورة استمرار البيئة للحفاظ على حياة ما فيها من كائنات باعتبارها من المناطق الفريدة في العالم، ينظر خبراء النفط إلى ما تحت اليابسة التي تحتوي على بحيرات من النفط. أما طه ياسين محمد مدير بيئة البصرة فيعتبر الأهوار «إحدى البيئات الفريدة في العالم». وقال «إنها تحظى باهتمام كثير من العلماء والمراكز البحثية في دول العالم التي تراقب حركة هجرة الطيور القادمة إليها من سيبيريا ومناطق بعيدة»، مشيرا إلى أن «آخر تقرير عن الأهوار كما أوردته وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) يبين أن المساحة التي كانت مغمورة بالمياه والتي كانت تقدر بنحو 7%، بعد تنشيفها تزايدت عام 2007 من 30% إلى 40%، قبل أن تتناقص مساحة الغمر فيها هذا العام من جديد إلى 10% نتيجة الجفاف الذي أصاب المنطقة». في المقابل يرى الدكتور عادل الثامري، الخبير الاقتصادي في جامعة البصرة، أن معظم الدراسات الجيولوجية التي قام بها خبراء من الجامعة وشركات النفط «أكدت أن مناطق الأهوار التي تحتل مساحة 15 ألف كيلومتر مربع من مساحة العراق الكلية وهي موزعة بين محافظات البصرة وميسان وذي قار، كانت بعيدة عن أعين فرق الاستكشافات النفطية التي حددت أماكن حقول النفط في المنطقة الجنوبية في العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي كما لم يلتفت الخبراء النفطيون إلى هذه المنطقة بعد تنشيفها عامي 1999 و200، كانت الدراسات فيها محصورة بين علماء البيئة على مكوناتها». وأضاف أن «مكامن النفط والغاز في أراضي الأهوار والتي لم تحدد بعد مقادير مكوناتها الخزنية لا تختلف عن الحقول المحيطة بها مثل حقل مجنون الذي يقدر مخزونه الاحتياطي من 6 ـ 12 مليار برميل، وغرب القرنة الذي يعد واحدا من أكبر عشرة حقول نفطية في العالم باحتياطه المقدر من 9 ـ 12 مليار برميل وحقول اللحيس والناصرية والرفاعي والطيب والحمار والفكة». وأكد الثامري أن اكتشاف حقول الآبار النفطية في مناطق الأهوار ومن ثم استثمارها «قضية حتمية، وهذا يتطلب إجراء عمليات تنشيف مرة أخرى وما دام العراق يمر بأزمة مياه فمن المنطق عدم إهدار المياه في الأهوار مرة أخرى وتوجيهها إلى الزراعة والعمل على توفير حياة أخرى للسكان بدلا من الاستمرار في حياتهم البدائية». ورد على علماء البيئة بالقول «إن المياه باتت من الثروات الوطنية المهمة التي تسعى الدول إلى الاستفادة منها بدرجة قصوى وأن العراق معني بتطوير اقتصاده واستثمار ثرواته أكثر من الحفاظ على بيئة تؤمها طيور مهاجرة من بلدان شتى». ويرى سكان الأهوار أن المكامن النفطية تحت الأهوار أعلنت عن نفسها من خلال أعمدة الغازات المتصاعدة منها بعد عمليات التنشيف التي شهدتها المنطقة وظهور فقاعات من أسفل مياه الأهوار بشكل واضح يدل على خروج الغازات منها قبل أن يؤكدها خبراء النفط. وقال الشيخ سلام محسن عرمش المالكي رئيس عشائر بني مالك لـ«الشرق الأوسط»: «لم نكن نعلم أن أسفل أراضي الأهوار مخزون لثروات نفطية لكونها مساحات مغمورة بالمياه والقصب والبردي منذ قرون بعيدة ولكن بعد عمليات التنشيف أخذت تتصاعد من بعض مناطقها غازات على شكل أعمدة يصل ارتفاع بعضها إلى أكثر من مترين»، مشيرا إلى أنه «تم إخبار المسؤولين الحكوميين عنها حيث زارها عدد من خبراء النفط». وأوضح الشيخ هادي شلال رئيس عشائر الشرش «أن تصاعد الغازات في منطقة الأهوار كانت واضحة حتى وإن كانت المنطقة مغمورة بالمياه من خلال مشاهدة الفقاعات المتصاعدة من جوف الأرض إلا أن سكان المنطقة لم يدركوا هذه الظاهرة إلا بعد جفاف أجزاء منها».