أدلة حول إمكانية اجتذاب مسلمين اميركيين إلى التيارات الأصولية في الخارج

3 على الأقل من رجال فرجينيا الـ 5 المحتجزين في باكستان كانوا على اتصال بـ«القاعدة»

الأميركيون الخمسة المعتقلون في باكستان بشبهة الإرهاب (رويترز)
TT

يأتي الارتفاع الشديد الذي شهدته مؤخرا أعداد القضايا الإرهابية التي تورط فيها مواطنون أميركيون بمثابة تحد للافتراضات القائمة منذ أمد بعيد حول أن مسلمي أوروبا أكثر عرضة للسقوط في براثن التيارات الأصولية عن نظرائهم الأميركيين، الذين يتمتعون بدرجة أفضل من الاندماج داخل مجتمعهم.

سلطت 4 تحقيقات أجريت على مدار الـ12 شهرا الماضية، تضمنت إلقاء القبض على 5 رجال في باكستان هذا الأسبوع ينتمون إلى فرجينيا، الضوء على ما شددت عليه إدارة أوباما باعتباره تهديدا داخليا ناشئا عن الأميركيين الذين تلقوا تدريبا في الخارج على يد تنظيم القاعدة، وجماعات إرهابية أخرى على صلة به في باكستان. في هذا السياق، صرح الرئيس أوباما هذا الشهر، في إطار إعلانه إرسال 30000 جندي إضافي إلى أفغانستان، بأنه «ألقينا القبض على متطرفين داخل حدودنا أرسلوا إلى هنا من المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان لارتكاب أعمال إرهابية جديدة».

على الجانب الآخر، بدأت المنظمات الأميركية المسلمة، بدافع من مجموعة القضايا الأخيرة، التخلي عن ترددها المعتاد حيال تناول هذه القضية علانية. في الوقت الذي شددتا على أن أقلية ضئيلة فقط اعتنقت بالفعل الفكر الراديكالي، أعلنت منظمتان كبيرتان ـ وهما «المجلس الإسلامي للشؤون العامة» و«مجلس العلاقات الأميركية ـ الإسلامية» ـ هذا الأسبوع إطلاقهما برامج لمحاربة الفكر الراديكالي بين الشباب.

من جهة أخرى، أعرب الكثير من محللي شؤون الإرهاب الأميركيين والدوليين عن اعتقادهم بأن الأميركيين المسلمين، كمجموعة واحدة، لا يزالون أكثر ثراء وأفضل اندماجا في المجتمع العام المحيط وأكثر اعتدالا عن نظرائهم في أوروبا. إلا أنهم نوهوا، كذلك، بأن التوجهات العامة للهجرة، والانتشار العالمي للفكر الإسلامي المسلح والإجراءات المثيرة للجدل التي اتخذتها واشنطن وحلفاؤها منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، عززت فرص شن مسلمين أميركيين هجوما داخليا.

في هذا الإطار، علق ساغان غوهيل، مدير شؤون الأمن الدولي لدى «إيجا ـ باسيفيك فاونديشن»، وهي منظمة بحثية مقرها لندن، بقوله: «تعاين الولايات المتحدة الآن ما واجهته دول مثل المملكة المتحدة على امتداد سنوات كثيرة ماضية. ويتمثل الأمر المثير للقلق في ما يخص الولايات المتحدة في أنها ستتعرض لضربات مشابهة من الإرهاب النابع من الداخل».

قبل عام 2004، تطلع البريطانيون الذين تلقوا تدريبهم في الخارج نحو أهداف خارجية، مثل إسرائيل أو جنوب آسيا، حسبما أوضح غوهيل. وعلى مدار العامين التاليين، قاتلت قوات بريطانية مع أخرى أميركية في العراق وأفغانستان. وفي المقابل، تعرضت بريطانيا لـ4 مخططات تفجيرية على الأقل، تورط فيها بريطانيون على صلة بـ«القاعدة»، بجانب هجوم 7 يوليو (تموز) 2005 ضد مترو لندن الذي خلف وراءه 52 قتيلا.

من جهتها، قالت كريستين فير، وهي بروفسورة في جامعة جورج تاون، متخصصة في الشؤون الباكستانية: «مع استمرار تورطنا في هذه الصراعات، من الساذج الاعتقاد بأن شعوبنا لن تتأثر بالخطاب العالمي المتعلق بها». ومع ذلك، أشار الكثير من المحللين إلى أن المشكلة داخل الولايات المتحدة، على ما يبدو، لا تزال أقل ضخامة عن نظيرتها في أوروبا. على سبيل المثال، حذر رؤساء الاستخبارات الداخلية البريطانية عامي 2006 و2007 إزاء وجود 200 شبكة إرهابية، تضم 2000 شخص على الأقل يشكلون تهديدا أمنيا مباشرا، وربما تضم 2000 آخرين من الإرهابيين المحتملين غير المعروفين بعد.

إلا أنه في الوقت الذي كشفت السلطات البريطانية عناصر إرهابية في صفوف الجالية الباكستانية الكبيرة في البلاد البالغ إجمالي عدد أفرادها 800000 نسمة، احتجز أميركيون من أصول باكستانية هذا الخريف في إطار قضايا على صلة بمتطرفين في باكستان. وطبقا لما ذكرته السلطات الباكستانية، فإن 3 على الأقل من رجال فرجينيا الـ5 المحتجزين في باكستان كانوا على اتصال بأحد أعضاء «طالبان» المسؤولين عن نشاطات التجنيد.

أعلنت الشرطة الباكستانية، أمس، أن 5 أميركيين أوقفوا في باكستان بشبهة أنهم كانوا يخططون لتنفيذ اعتداءات، اتصلوا بشخص قريب من القاعدة ولكن اعتقلوا قبل أن يلتقوه.

وأضاف أحد المحققين لوكالة الصحافة الفرنسية، طالبا عدم كشف اسمه، «اتصلوا بشخص يدعى سيف الله وهو مرتبط بـ(القاعدة)، وكان يفترض أن يتوجهوا إلى ميان والي للقائه في اليوم الذي اعتقلوا فيه». وأوضح أن «سيف الله طلب منهم التوجه إلى ميان والي، حيث كان سيتصل بهم أحد رجاله، وبحسب معلوماتنا فإن المجموعة كانت تريد التوجه إلى وزيرستان عبر ميان والي لتلقي تدريبات على الإرهاب». ويوم الأربعاء اعتقلت الشرطة الباكستانية 6 أشخاص في شرق باكستان في منزل رجل يشتبه في انتمائه إلى مجموعة إسلامية مسلحة محلية، بحسب الشرطة. وأكد المحققون أن الموقوفين الأميركيين الـ5 هم 2 من أصل باكستاني و3 من أصول مختلفة، إثيوبي وإريتري ومصري، مؤكدين أن الموقوف السادس هو والد الأميركيين من أصل باكستاني ويحمل أيضا الجنسية الأميركية.

وفي الولايات المتحدة، أكدت جمعية مسلمة أن الموقوفين طلاب سبق أن أبلغت عائلاتهم عن فقدانهم، وزودت مكتب التحقيقات الفيدرالية بشريط فيديو يظهر أحدهم «يودع» رفاقه، مع إشارات إلى القرآن والجهاد ضد الغرب.

ومن بين الأمثلة الأخرى ديفيد سي هيدلي، مواطن أميركي من شيكاغو وجهت إليه، هذا الأسبوع، اتهامات بالتواطؤ في هجمات نوفمبر (تشرين الثاني) الإرهابية في مومباي.

كما جرى توجيه اتهامات في سبتمبر (أيلول)، إلى نجيب الله زازي (24 عاما)، وهو أحد المقيمين بصورة دائمة في الولايات المتحدة، ويعمل سائقا في مطار دينفر، باختبار متفجرات لشن هجوم، ربما في نيويورك. يذكر أن زازي أفغاني المولد وترعرع في باكستان.

ولا تقتصر حالات التحول إلى الفكر الأصولي على الأميركيين الباكستانيين، ففي يناير (كانون الثاني)، اعترف بريانت إن فيناس (26 عاما)، أميركي من أصول لاتينية اعتنق الإسلام، بتلقيه تدريب على يد «القاعدة» في باكستان العام الماضي.

هذا الصيف، وجهت اتهامات إلى دانييل بي بويد، وهو أبيض من أبناء نورث كارولينا، اعتنق الإسلام، بالتخطيط لمهاجمة أفراد عسكريين أميركيين في كوانتيكو، وتزعم مجموعة من 7 أفراد للقتال في الشرق الأوسط في أعقاب حرب إسرائيل عام 2006 ضد جماعة حزب الله. أعلنت السلطات الأميركية، الشهر الماضي، أحدث 14 قرار إدانة على صلة بتجنيد أكثر من 20 من الشباب الأميركيين ذوي الأصول الصومالية من سكان مينيسوتا، وذلك للانضمام إلى حركة تمرد إسلامية في الصومال.

جدير بالذكر أن القوات الإثيوبية المدعومة من الولايات المتحدة أسقطت حكومة إسلامية في الصومال عام 2006. الملاحظ أن الأميركيين من أصول صومالية من بين أكثر المهاجرين إلى الولايات المتحدة فقرا، وأحدثهم وفودا إلى البلاد، حيث وصل 60% منهم منذ عام 2000، ويعاني 51% منهم الفقر. وعلى هذا الصعيد، أكد تشارلز ألين، ضابط بارز في وكالة الاستخبارات المركزية، ورئيس شؤون الاستخبارات في وزارة الأمن الداخلي منذ عام 2005 حتى هذا العام، على أنه «علينا إمعان النظر فيمن قدموا إلى البلاد خلال الـ10 أو الـ15 عاما الأخيرة. إننا نجابه هذه المشكلة مع الصوماليين والباكستانيين، وستظهر دول أخرى لاحقا».

من ناحيتها، أعلنت السلطات الأميركية أن المجتمع الأميركي المسلم يشكل أهمية محورية لجهود التصدي للتطرف. يذكر أنه في القضيتين المتعلقتين بمينيسوتا وفرجينيا، سالفتي الذكر، دق الآباء والأمهات وقيادات المجتمع المسلم المحلي ناقوس الخطر عندما اختفى الشباب.

من ناحية أخرى، توصلت دراسة أجراها «مركز بيو للأبحاث» عام 2007 إلى أن غالبية الأميركيين المسلمين «متوافقون تماما مع المستويات الأميركية» في ما يخص الدخل والتعليم والتوجهات، ويرفضون التطرف بمعدلات أكبر بكثير من نظرائهم من أبناء الأقليات المسلمة في أوروبا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»