الرئيس الباكستاني يفقد سيطرته على القضايا الدفاعية والخارجية.. والمؤسسة العسكرية المستفيد الأكبر

المحكمة العليا قد تقرر عدم أهليته لتسلم منصب الرئاسة

TT

في الوقت الذي يحتاج فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى التعاطي مع الشكوك الباكستانية بشأن خطته الجديدة لقتال طالبان و«القاعدة»، يقف حليف مهم هنا يناضل من أجل البقاء سياسيا. فبعد 15 شهرا من توليه السلطة في باكستان بات الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري عاجزا عن التحرك نتيجة لضغوط المؤسسة العسكرية وأحزاب المعارضة ووسائل الإعلام. كان زرداري قد أثبت نفسه كشريك موثوق به للولايات المتحدة بتأييده العمليات العسكرية التي تقوم بها وكالة المخابرات المركزية الأميركية من استهداف قادة «القاعدة» وطالبان في المناطق الحدودية مع أفغانستان والتي لم تلق قبولا من الشارع الباكستاني. ويشير المحللون إلى أن زرداري فقد السيطرة على قضايا الدفاع والخارجية، فمن المحتمل أن يكون الرابح الوحيد هو المؤسسة العسكرية التي تحظى بتاريخ طويل من التوترات مع واشنطن. وقد تخلى الرئيس، البالغ من العمر 54 عاما، عن العديد من سلطاته المهمة، مثل قيادة المؤسسة التي تشرف على الترسانة النووية، لرئيس وزرائه يوسف رضا جيلاني، كما يخطط هذا الشهر للتخلي عن سلطاته في حل البرلمان وإقالة رئيس وتعيين القادة العسكريين وهو ما يتركه رئيسا صوريا للبلاد. حتى إن ذلك قد لا يبدو كافيا لبعض منتقديه الراغبين في مقاضاته بسبب تهم الفساد التي تعود إلى أواخر الثمانينات عندما عمل في وزارة زوجته رئيسة الوزراء بي نظير بوتو التي قتلت قبل عامين. وعلى الرغم من عدم إدانته فإنه سجن في الفترة من 1997 إلى عام 2004 في قضايا ذات دوافع سياسية. ويتمتع زرداري في الوقت الحالي بالحصانة من الملاحقة القضائية. بيد أن المراجعة التي بدأتها المحكمة العليا يوم الاثنين يمكن أن تقرر عدم أهليته للانتخاب كرئيس ومن ثم يمكن محاكمته. وإحدى التهم الموجهة ضده تزعم استيلاءه على 1.5 مليار دولار. وقد يكون ذلك التوقيت، الذي يعاني فيه زرداري، مشكلة بالنسبة لأوباما. وقد أثار قرار أوباما تحديد يوليو (تموز) 2011 لبدء انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، قلق العديد من الباكستانيين الذين يرون أن الولايات المتحدة الأميركية ستترك جارتهم التي دمرتها الحرب قبل أن تضمن أمنها. وهي الخطوة نفسها التي اتهمت بها الولايات المتحدة في أعقاب انسحاب الاتحاد السوفياتي من أفغانستان قبل 20 عاما. كما تخشى باكستان أيضا من أن يؤدي نشر 30,000 جندي أميركي في أفغانستان إلى هرب مقاتلي طالبان عبر الحدود إلى داخل باكستان حيث تخوض القوات الباكستانية بالفعل معركة مع المتمردين في المناطق القبلية. ولن يكون بمقدور الولايات المتحدة إرسال قوات إلى باكستان بسبب المعارضة القوية هناك، لكن أوباما لديه عدد كبير من هجمات طائرات وكالة الاستخبارات الأميركية بدون طيار التي تعمل في المناطق القبلية بموافقة من إدارة زرداري. كما دعم زرداري أيضا ما جاء في اتفاقية المساعدات الأميركية لباكستان التي تقدر بـ 7.5 مليار دولار التي تطالب بإشراف مدني على الجيش الباكستاني على الرغم من الانتقادات الكبيرة التي تعرض لها من القادة العسكريين ووسائل الإعلام الباكستانية والمعارضة. وقد تفضل إدارة أوباما العمل مع الحكومة المدنية التي تشرف على الجيش بدلا من ذلك الذي يديره رجال الجيش مثل سلف زرداري برويز مشرف. لكن نتيجة لمتاعب زرداري السياسية يمكن للمؤسسة العسكرية الانتهاء إلى مزيد من السيطرة على شؤون البلاد خاصة السياسة الخارجية. ويعتبر جيلاني، الذي يضطلع بسلطات زرداري التنفيذية، أكثر صلة بالمؤسسة العسكرية. وكان مشرف قد جمع لنفسه بعض السلطات في السابق يضطلع بها رئيس الوزراء عندما تولى السلطة في انقلاب عسكري. ولم يخجل جيلاني من انتقاد الولايات المتحدة، فقبل إعلان الرئيس أوباما استراتيجيته، هاجم جيلاني قرار إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان. وقال إن ذلك سيدفع عناصر طالبان أفغانستان إلى الأراضي الباكستانية وسيعقد الأوضاع بالنسبة للجيش الباكستاني الذي يحاربهم. ويقول رسول بخاش رايس، المحلل السياسي المقيم في لاهور: «إن جيلاني أكثر احتراما لوجهة نظر المؤسسة العسكرية والاحتياجات الأمنية لباكستان».

وكانت المؤسسة العسكرية الباكستانية قد أبدت قلقها من العلاقة الوثيقة بين زرداري وواشنطن. ويعتقد الأميركيون أنهم وجدوا حليفا آخر في الجنرال أشفاق كياني، قائد الجيش الذي قام بعمليات واسعة ضد المقاتلين الإسلاميين هذا العام في وادي سوات وإقليم جنوب وزيرستان المضطرب على الحدود مع أفغانستان. لكن الولايات المتحدة لا تزال قلقة بشأن تركيز الجيش الباكستاني على جارته الهند كعدو رئيس، في الوقت الذي تقوم فيه طالبان وحلفاؤها بشن عمليات شبه يومية في البلاد، وإنفاق مليارات الدولارات من المعونة الأميركية على الأسلحة التقليدية خشية إمكانية حدوث قتال مع الهند بدلا من المسارعة إلى شن حملة لمكافحة الإرهاب ضد طالبان. علاوة على ذلك تستمر هواجس واشنطن من احتفاظ عملاء الاستخبارات العسكرية والاستخبارات الباكستانية بعلاقاتهم الوثيقة مع قادة طالبان أفغانستان كتحوط ضد اليوم الذي تترك فيه القوات الأميركية أفغانستان وكنوع من التوازن ضد النفوذ السياسي والاقتصادي للهند في أفغانستان. وقال أحمد رشيد، المحلل الأمني الباكستاني ومؤلف كتاب «عقد من الفوضى» الذي يعد نظرية نقدية للسياسة الأميركية في أفغانستان وباكستان: «إذا ما ذهب زرداري وحدثت هزة سياسية ستكون لها تداعيات خطيرة. وهو ما سيشير إلى تولي المؤسسة العسكرية السيطرة الكاملة على مقاليد الأمور ـ على الأقل السياسة الخارجية تجاه الهند وأفغانستان، ولا أعتقد أن ذلك ينبئ بخير». لم يحظ زرداري بدعم الباكستانيين في المعركة السياسية الأخيرة لأنه بات مكروها بدرجة كبيرة، فغالبية الباكستانيين يرونه فاسدا ويلقون عليه باللوم في المتاعب الاقتصادية التي تشهدها البلاد من انتشار الفقر وانقطاع التيار الكهربي بصورة متكررة. ويقول مساعدو زرداري إن الانتقادات الموجهة ضده غير مبررة، إذ لم يدن بأي اتهامات بالفساد، ويقولون إنه يستحق الثقة على العمليتين العسكريتين اللتين استهدفتا اجتثاث مقاتلي طالبان. وأضافوا أنه لم يتخل عن سلطاته الرئاسية بسبب ضغوط منتقديه ولكن لأنه يعتقد أن باكستان يجب أن تتبنى حكومة كتلك التي كانت عليها قبل مشرف، حيث يوجد برلمان ورئيس وزراء قوي. وقالت المشرعة والمتحدثة فرحناز إصبهاني إن زرداري سيستعيد قدرا كبيرا من سلطاته كرئيس للحزب الحاكم الذي ينتمي إليه جيلاني. وقالت: «هذا ليس النظام الأميركي حيث يمثل الرئيس الشخصية الأقوى في شؤون الحكم. لذا سيتخلص من السلطات غير الدستورية التي كرسها الديكتاتور العسكري لنفسه». ويرى المحللون الباكستانيون أن زرداري لا يملك بديلا. فمستقبله السياسي تعرض للخطر بانتهاء العفو الذي أصدره الجنرال مشرف في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007 الذي طبق على السياسيين والبيروقراطيين المتهمين بالفساد والتهم الجنائية بين عامي 1986 و1999 العام الذي تولى فيه مشرف السلطة. كان القانون يعني السماح لبوتو بالعودة من المنفى دون مواجهة اتهامات بالفساد. وعندما اغتيلت بوتو في ديسمبر (كانون الأول) تولى زرداري قياد الحزب ثم انتخب بعد ذلك كرئيس للدولة من قبل المشرعين المحليين والوطنيين. وهناك حوالي 8 آلاف اسم على لائحة السياسيين ومن بينهم زرداري ووزير الداخلية ووزير الدفاع الذين استفادوا من العفو والذي يخضع الآن لمراجعة المحكمة العليا. وسيرضي ذلك خصم زرداري الأول رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف رئيس حزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز شريف). وقد واجه نواز شريف مثل زرداري اتهامات بالفساد. وقال المتحدث باسم حزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز شريف)، إحسان إقبال، بأن حزبه يمكن أن يحيا في ظل رئاسة زرداري الضعيفة وحكومة يقودها جيلاني. وقال إقبال، العضو في البرلمان أيضا: «يتولى جيلاني السلطة وهذا ما نرغب به. ونعتقد أن الديمقراطية ستكون آمنة إذا ما قمنا بإصلاحات بنيوية فورية. فنحن بحاجة إلى سلطة قضائية مستقلة وبرلمان يشرف على السلطة التنفيذية. ونعتقد أننا إذا وصلنا إلى الحكم وكان النظام لا يزال فاشلا فسوف نفشل نحن أيضا».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»