ليبيا: استمالة عناصر «الجماعة المقاتلة» للتبرؤ من «القاعدة»

ثمرة عام من الحوار بين المسلحين والحكومة تحت إشراف سيف الإسلام القذافي

TT

قد تكون الدولة، التي اعتبرها الغرب يوما ضمن أبرز الدول الراعية للإرهاب، نجحت في انقلاب جديد من نوعه يستهدف تنظيم القاعدة، وذلك من خلال استمالة جماعة عقدت من قبل تحالفا قويا مع أسامة بن لادن، ودفعها للتبرؤ من شريكها السابق ووصفه بأنه غير إسلامي.

وتروّج الحكومة الليبية لنجاحها في إقناع قيادات وأفراد عاديين في «الجماعة الإسلامية المقاتلة» في ليبيا برفض أعمال العنف التي يقوم بها تنظيم القاعدة. ويقدّم القرار، الذي ذكره أعضاء سابقون في الجماعة ومسؤولون ليبيون، مثالا فريدا على تصالح بين حكومة وتنظيم إسلامي ينتهج العنف، كرّس نفسه سابقا للإطاحة بهذه الحكومة.

وقال أبو بكر أرميلة، قائد الجماعة الذي عاد من المنفى في عام 2005: «تعلمت الحكومة الجلوس مع المواطنين الذين كانوا يعارضوهم والتحاور معهم وفهمهم».

ويقول طارق مفتيه غوناي، الذي أُطق سراحه الشهر الماضي بعد تغيير حكم ضده بالسجن مدى الحياة: «كنت أعتقد أن الوسيلة الوحيدة لتغيير النظام هي عبر الحرب أو القتال. وعلى النقيض في الوقت الحالي أؤمن بالحوار والنهج السلمي».

ويُعد تقويض قوة جماعة تضعها الولايات المتحدة على لائحة المنظمات الإرهابية منذ عام 2004 ثمرة عام من الحوار بين المسلحين والحكومة. ودشن هذه المحاولة سيف الإسلام القذافي، ابن الزعيم الليبي معمر القذافي الذي تعلم في الغرب، والذي يقول الكثيرون إنه يتم إعداده لكي يحل محله.

وتعد استمالة مسلحين سعوا إلى الإطاحة بالحكومة خطوة تعزز من نفوذ القذافي الابن وتسهل أي عملية نقل إلى السلطة. وقد يساعد أيضا محاولات ليبيا كي تحسن صورتها المتردية في الغرب. وكانت طرابلس قد تعرضت لعزلة حتى قامت بتفكيك برنامجها النووي السري في 2004، وتسببت في حالة من السخط خلال العام الجاري عندما رحبت بعودة الرجل الوحيد الذي أدين في تفجير الطائرة بان آم (الرحلة 103) فوق لوكيربي، اسكوتلندا، عام 1988 بعد أن أطلق سراحه من سجن اسكتلندي.

ويقول روبرت باب، وهو متخصص في شؤون «القاعدة» في جامعة شيكاغو والأكاديمي الوحيد بين مجموعة من الصحافيين الأميركيين وُجهت إليهم دعوة لزيارة طرابلس من مؤسسة القذافي الخيرية، كي يجتمعوا مع مسلحين سابقين: «كانت هذه الجماعة مرتبطة بـ(القاعدة)، وكانوا يقومون بأشياء لصالح (القاعدة) في أفغانستان وبعد ذلك». وأضاف: «إنه تفسخ في (القاعدة)، ولا أتذكر أنه حدث (مثل) ذلك من قبل». ويعد التغير الذي طرأ على مسار «الجماعة الإسلامية المقاتلة» في ليبيا فصلا في تاريخ نهوض «القاعدة» وتوسعها وضعفها في النهاية. ويمكن أن يمثل أعضاء الجماعة مجموعة نفسية لديها معلومات استخباراتية هامة بالنسبة لمسؤولين أمنيين غربيين يحاولون بذر الفُرقة داخل الشبكة الإرهابية وهزيمتها، وإلقاء القبض على أسامة بن لادن.

ويذكر أن أعضاء «الجماعة الإسلامية المقاتلة» تدربوا في أفغانستان مع بن لادن، وتبعوه خلال الأعوام التي قضاها داخل السودان وتشاركوا مع «القاعدة» في الأفراد والتكتيكات والنظرة الدينية السلفية التصوفية حتى مطلع العقد الحالي. وخلال هروبهم في منطقة الشرق الأوسط ألقي القبض على الكثير منهم وأعيدوا إلى ليبيا، وحكم عليهم هناك بالسجن مدى الحياة.

وانفصلت الجماعة عن تنظيم القاعدة وتبرأوا من نهجها في استخدام أعمال العنف في وثيقة جاءت في 400 صفحة استكملت في سبتمبر (أيلول) وجاءت تحت عنوان «دراسات تصحيحية». ووصف فاحيد براون، من مركز محاربة الإرهاب في «ويست بوينت» الوثيقة في تحليل على الشبكة الإلكترونية بأنه «تبرؤ شامل للجهادية السلفية وجميع أشكال الإسلامية الثورية بصورة عامة».

وقال المقاتل السابق طارق إن حماسه للعنف السياسي تلاشى فعليا بحلول عام 1999 عندما وجد نفسه مكبلا بالأصفاد ويحمل على طائرة في الأردن ويعاد إلى وطنه ليبيا ليواجه تهما بالانضمام إلى تنظيم إرهابي. كان في السابعة عشرة من عمره عندما لبى داعي الجهاد في عام 1990. واتخذ الزعيم معمر القذافي إجراءات صارمة واسعة النطاق على التنظيمات الإسلامية بعد انتفاضة عام 1989 ضد حكمه. وتم استدعاء طارق، وهو طالب قرآن في مدرسة دينية، للتحقيق معه، وبقي تحت المراقبة.

وبعد أن استحوذت عليه مشاهد فيديو تظهر الوحشية السوفياتية داخل أفغانستان، واستحثه رجال دين مسلمون حماسيون، استخدم طارق جواز سفر مزورا واجتمع مع ستة ليبيين آخرين وسافر إلى مصر والسعودية وباكستان قبل أن يعبر ممر خيبر للوصول إلى أفغانستان.

وقضى طارق شهرين يتعلم فن القتال داخل معسكر تدريب الفاروق السيئ السمعة، والذي خرج منه الكثير من عناصر «القاعدة» المعروفة، ومنها الأميركي الطالباني جون ولكر لينده وأربعة من الخاطفين التسعة عشر الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر داخل الولايات المتحدة.

وقال طارق خلال مقابلة من منزله داخل العاصمة الليبية طرابلس: «كنت متجها للقتال هناك، فقد كنت أشاهد ما يقوم السوفيات داخل أفغانستان وعمليات القتل والأشياء المريعة التي كانت تحدث هناك. كنت آمل أن أقتل من أجل الإسلام».

وكان طارق يعمل على منصة إطلاق صواريخ ويحشد المجاهدين الذي يقاتلون القوات الحكومية من أجل السيطرة على مدينة جلال آباد الأفغانية. ومع انهيار الحكومة التي تدعمها موسكو، دخلت البلاد في حرب أهلية وغادر طارق وليبيون آخرون البلاد.

وركزوا انتباههم على السعي وراء القذافي بعد أن رحلوا من أفغانستان، وذهبوا للعمل السري واستخدم طارق اسما مستعارا «أبو إبراهيم»، وكان يحصل على تعليمات من «الجماعة الإسلامية المقاتلة» المشكلة أخيرا في صورة شفرة غير رسمية. في هذه الأيام كانت «خِفاف» تعني جوازات سفر، وكانت «أكواخ القش» تعني سفارات. وتحايل طارق على السلطات وذهب إلى موريتانيا والسنغال واليمن والأردن كداعٍ إلى الجماعة المقاتلة، التي بدأت في التسعينات اغتيال أعضاء في القوات الأمنية الليبية.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز»

* خاص بـ«الشرق الأوسط»