مذكرة نووية إيرانية بالفارسية تثير حيرة وكالات التجسس الأميركية والأوروبية

استخباراتيون قالوا إنها دليل دامغ على عمل طهران لإنتاج قنبلة ذرية.. وآخرون يشككون

TT

على امتداد شهور كثيرة حتى الآن، عكفت وكالات الاستخبارات الأميركية والأوروبية على صياغة نظريات حول وثيقة من صفحتين مكتوبة بالفارسية، حال ثبوت صحتها، توحي بقوة بأن العلماء في إيران كانوا يخططون لإجراء بعض التجارب النهائية اللازمة لإنجاز صنع قنبلة ذرية. بيد أنه مثلما الحال مع الكثير من قطع الأدلة المرتبطة بالمواجهة بين الغرب وإيران، تثير الوثيقة، التي تحدد الخطوات التالية من عملية علمية معقدة، تساؤلات عدة. من جهتهم، قال مسؤولون استخباراتيون إنهم لم يتحققوا بعد من صحة الوثيقة، التي تصف بحثا بشأن تقنية متطورة يتعين على طهران الاضطلاع به لتفجير سلاح نووي، حال إقدامها على صنع مثل هذا السلاح. وأوضح المسؤولون أنه حتى حال ثبوت صحة الوثيقة، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت تكشف معلومات جديدة حول وضع الأبحاث النووية العسكرية في إيران. من ناحية أخرى، أثار دبلوماسيون احتمالية أن يكون نشر المذكرة على موقع صحيفة التايمز البريطانية على شبكة الإنترنت، الأحد الماضي، جزءا من جهود ترمي إلى إثارة قلق دولي إزاء النيات الإيرانية أو التقدم الذي أحرزته طهران على صعيد تطوير القدرات العسكرية النووية. من جهتهم، لم يعلق الإيرانيون على المذكرة، أو أي مادة أخرى واجههم المفتشون النوويون الدوليون بها وتوحي بأنهم يسعون ـ وربما لا يزالون ـ لوضع تصميم لقنبلة نووية. ويفسر الصمت الإيراني، الذي لم يقطعه سوى توجيه اتهامات من وقت إلى آخر لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وجهات أخرى «بتلفيق» مثل هذه الوثائق، إعلان محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي غادر منصبه لتوه، أن التحقيقات حول برنامج الأسلحة النووية الإيرانية وصلت إلى «طريق مسدود». تصف الوثيقة خطة لقياس ناتج آلة تُدعى «محفز النيوترون»، وليس لها استخدام سوى تحفيز انفجار نووي. من ناحيتها، تتعامل وكالات الاستخبارات مع الوثيقة كما لو أن الورق المكتوبة عليه ذاته يحمل إشعاعا! يُذكر أن وكالة الاستخبارات المركزية سبق أن تعرضت لضرر بالغ جراء قبولها دلائل تفيد بأن العراق يسعى للحصول على يورانيوم اتضح لاحقا زيفها. وعليه، لم تعلن الوكالة حتى الآن ما إذا كانت تؤمن بصحة الوثيقة، طبقا لمسؤولي استخبارات من دول عدة. وتبدي وكالات الاستخبارات الأوروبية حذرا مشابها.

في هذا الصدد، علق مسؤول أوروبي رفيع المستوى بالقول: «يعتقد البعض أن هذا دليل دامغ، بينما يرى آخرون أنه من العسير للغاية إثبات صحته». داخل الوكالات الاستخباراتية، اجتذبت الوثيقة اهتماما كبيرا لأن موضوعها مألوف بالنسبة إلى أي شخص على معرفة بالتجارب النووية الإيرانية، حيث تصف نظام اختبار من شأنه مساعدة طهران على إتقان علم تشغيل «محفز النيوترون»، وهي آلة تعمل على توليد انفجارات لجزيئات دون ذرية تُعرف باسم «نيوترونات»، تحفز وتسرع وتيرة سلسلة التفاعلات التي تؤدي إلى تفجير رأس حربي. عندما ظهرت الوثيقة في تقرير معلن، الأحد، أجبرت مسؤولين أميركيين على الشروع في الحديث عنها. لكنهم أصروا على أنه حتى حال ثبوت صحتها، فإن ذلك لن يثمر سوى تعزيز إيمانهم القوي بأن طهران تعمل على إنتاج سلاح نووي. أشار مسؤول أميركي، أصر على عدم الإفصاح عن هويته لمناقشته معلومات استخباراتية حساسة، إلى أن «هذه المعلومات يجري تداولها منذ أكثر من عام، وليست بالأمر الجديد على العاملين في حقل الاستخبارات. لقد علموا بأمرها. إذا كانت وثيقة أصلية، فإنها تكشف أن الإيرانيين في مرحلة ما كانوا مهتمين باختبار جهاز تحفيز. ويختلف هذا عن اختبار رأس حربي أو لب قنبلة نووية. وإنما يعد ذلك مؤشر آخر يذكّرنا ـ رغم أننا لسنا بحاجة إلى تذكيرنا ـ بأن الإيرانيين أمامهم الكثير من التساؤلات التي ينبغي أن يجيبوا عنها في ما يخص الصعيد النووي».

ترجع المخاوف من احتمال أن تكون طهران عاكفة على تجريب أجهزة تحفيز للنيوترون إلى ستة أعوام ماضية على الأقل. عام 2003 عثرت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» على أدلة داخل إيران أثارت الشكوك بهذا الشأن.

في ما يخص القضية الراهنة، يتمثل الادعاء الأبرز في أن الوثيقة غير المؤرخة يعود تاريخها إلى عام 2007. وبالنظر إلى أن وكالات الاستخبارات الأميركية قدرت أن إيران جمّدت جهودها لبناء رأس حربي نووي عام 2003 ـ تقديرا لا يتفق مع أي من الأوروبيين أو الإسرائيليين ـ فإن تاريخ 2007، حال ثبوت صحته، سيعني أن التقدير الأميركي جانَبه الصواب. ولأن الوثيقة تصف خطة بحثية تمتد لأربع سنوات، فإن الجهود الرامية إلى إنتاج أسلحة قد تكون بلغت الآن، على الأقل نظريا، ذروتها. الواضح أن الاعتقاد بوجود مخاطر كبرى وراء إطلاق أجراس الخطر الآن يمتد إلى خبراء نوويين ينتمون إلى القطاع الخاص، لا الوكالات الاستخباراتية فحسب. على سبيل المثال، أعلن «معهد العلوم والأمن الدولي»، وهو منظمة في واشنطن تقتفي آثار الانتشار النووي، في تقرير أصدره، الاثنين، أنه «يحث على التزام الحذر والعمل على طرح مزيد من التقييم» للوثيقة، خصوصا في ما يتعلق التأكد من تاريخها. ونوه التقرير بأن «الوثيقة لا تذكر أسلحة نووية، ولم نعاين أدلة على صدور قرار إيراني بصنع أسلحة نووية».

من جهة أخرى، ادّعت صحيفة «التايمز» البريطانية أن الوثيقة تكشف أن إيران «تعمل على اختبار عنصر نهائي حيوي من قنبلة نووية». واستعرضت الوثيقة علانية بصورتها الأصلية باللغة الفارسية، وقدمت أيضا ترجمة إنجليزية لها، مما أثار موجة قوية من التغطية الإعلامية وردود الأفعال من قِبل الخبراء. على سبيل المثال، حيث قال ريتشارد إم بارلو خبير شؤون الانتشار النووي والمحلل السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية، إنه يعتقد أن الوثيقة تبدو أصلية. وأردف: «إذا كانت زائفة فإنه تزييفها جيد للغاية».

يرجع تاريخ الادعاءات والدلائل على اهتمام إيران بأجهزة تحفيز النيوترون إلى عقدين ماضيين، تحديدا الأيام الأولى للنشاط الإيراني النووي المشتبه فيه. في فيينا، قدّم المفتشون الدوليون الكثير من التقارير حول كيفية شروع إيران في تجارب نووية في أواخر الثمانينات حول تخليق نيوترون باستخدام بلونيوم ـ 210 ـ وهو صورة من عنصر معدني ذي طاقة إشعاعية قوية.

نفذ الإيرانيون تجارب على البلونيوم داخل «مفاعل طهران البحثي»، محور الأزمة السياسية الراهنة حول ما إذا كانت طهران ستصدر معظم اليورانيوم المخصب بحوزتها مقابل وقود جديد للمفاعلات. وبمقدور المفاعل إنتاج نظائر طبية. على مر السنوات، لم تكن إيران صريحة في تناولها للاستخدامات العسكرية المحتملة للمفاعل. في الكثير من التقارير، بداية من عام 2004، حذرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن المفاعل البحثي المعتمد على البلونيوم يحمل أهمية محتملة بالنسبة إلى جهود صنع «جهاز تحفيز نيوترون في بعض تصميمات الأسلحة النووية». في فبراير (شباط) 2005، أعلنت جماعة معارضة إيرانية تُدعى «المجلس الوطني الإيراني للمقاومة» عثورها على أدلة تفيد باقتراب المفاعل البحثي الإيراني المعتمد على البلونيوم من إنتاج أداة «تثير سلسلة من التفاعلات لتفجير قنبلة نووية». هذا الأسبوع، قال خبراء نوويون إن البحث المتضمَّن في الوثيقة سالفة الذكر يوحي بأن الجهود النووية المعنية بأجهزة التحفيز النووي قد تكون تجاوزت النموذج المعتمد على البلونيوم.

* خدمة «نيويورك تايمز»