الجزائر: غموض حول تصريحات جميلة بوحيرد طلبت فيها المساعدة المالية للعلاج

مسؤولون بالأسرة الثورية: لم تتقدم لنا.. والدولة لم ترفض مساعدة أي مجاهد أو مجاهدة

الرئيس الجزائري لدى وصوله الى كوبنهاغن أمس (أ.ف.ب)
TT

رفض وزير المجاهدين الجزائري التعليق على تصريحات جميلة بوحيرد، المناضلة البارزة في صفوف مجاهدي حرب الاستقلال، (1954 ـ 1962)، التي اشتكت من ضعف إمكانياتها المادية للعلاج بفرنسا. وتحفظ الوزير محمد شريف عباس عن الخوض في القنبلة التي فجرتها بوحيرد مطلع الأسبوع الحالي، عندما سأله صحافيون بالعاصمة أمس عن مدى صحة رسالة نشرتها صحيفة «الوطن»، تذكر المجاهدة الشهيرة فيها أنها بحاجة إلى مساعدة الجزائريين للعلاج في الخارج «لأنني أعاني من عدة أمراض».

أما رئيس أكبر جمعية تهتم بشؤون المجاهدين، فأشار إلى أن بوحيرد لم تطلب المساعدة. وسئل السعيد عبادو، أمين عام «منظمة المجاهدين»، عما نسب لأشهر مجاهدة، والتي يعتقد كثيرون أنها شهيدة، فقال «نحن لم نرفض مساعدة أي مجاهد أو مجاهدة طلب أو طلبت منا المساعدة»، وبدا عبادو غاضبا من تداول الموضوع في الإعلام. وقال قيادي في المنظمة لـ«الشرق الأوسط» رفض نشر اسمه، إن بوحيرد لم تطلب المساعدة لا من المنظمة ولا من وزارة المجاهدين. وذكر أنه «يستغرب أن تتخلف الدولة عن مساعدة مجاهدة في مكانة جميلة بوحيرد».

وفي سياق ردود الفعل المتتالية على رسالة بوحيرد التي جاء فيها أيضا أنها عاجزة عن سداد ما تشتري من مواد غذائية عند بقال وجزار الحي، رفضت لويزة إيغيل احريز، المجاهدة التي لا تقل شهرة عن بوحيرد والتي عرفت بتعرضها لأبشع أنواع التعذيب أيام الاستعمار الفرنسي، التصديق أن جميلة «تعاني العوز». وذكرت للصحافة أمس «إن هذا الأمر لا يمكن أن يصدقه عاقل. إنه غير صحيح، إن هذه المرأة تخدم أجندة فرنسية»، من دون توضيح ماذا تقصد.

واشتهرت بوحيرد (74 سنة) عندما كان عمرها لا يتجاوز 20 عاما بأنها من رواد «معركة الجزائر العاصمة» التي اندلعت في عز ثورة التحرير، وكانت بمثابة حرب عصابات حقيقية بين مجموعة من المجاهدين والإدارة الاستعمارية. وبفضل استماتتها وشجاعتها في ميدان المعركة، عينها قائد حرب الشوارع في العاصمة ياسف سعدي، «ضابط اتصال»، ومساعدة خاصة له. وتخصصت بوحيرد في وضع القنابل في الأماكن التي يتردد عليها الفرنسيون بالعاصمة، وشاركت في اشتباكات كثيرة بالسلاح الناري مع جنود الاحتلال، وأصيبت في أحدها بجروح بليغة، تسببت في القبض عليها واعتقالها.

وقال سعدي في اتصال أجرته معه «الشرق الأوسط» إن «معركة الجزائر» فقدت واحدة من أهم قياداتها بالقبض على بوحيرد، مشيرا إلى أن الشرطة الاستعمارية «مارست عليها أبشع أنواع التعذيب خلال سنة 1957». وخضعت بوحيرد لمحاكمة كان الحكم فيها معدا سلفا، حيث أدينت بالإعدام بالمقصلة، لكن الحكم لم ينفذ بفضل ضغط كبير مارسه فريق من أشهر المحامين الفرنسيين، عرفوا برفضهم احتلال الجزائر من طرف فرنسا، ومن أبرز هؤلاء المحامين جاك فيرغاس ذو الأصول الفيتنامية. ونجح المحامون في جلب تأييد دولي لطلب الإفراج عنها، وتم ذلك في 1962. وتزوجت جميلة من فيرغاس واشتغلت معه بمكتبه طويلا، وأنجبت منه مريم وإلياس. وبعد سنوات طويلة من الزواج انفصلت عنه لأسباب ترفض بوحيرد التحدث عنها كلما سئلت في الموضوع.

وتعرف العالم على هذه الشخصية المتميزة من خلال فيلم «جميلة» الذي يحكي مسارها النضالي، والذي أخرجه الراحل يوسف شاهين عام 1958. وذكر سعدي أنه «لا يعلم إن كانت جميلة تعاني من المرض أو أنها فقيرة إلى درجة العجز عن تكاليف غذائها اليومي، لكن ما أعرفه أن جميلة لا تكذب». وتعيش المجاهدة الكبيرة اليوم في شقة بحي المرادية، وهو من أرقى الأحياء بالعاصمة، الذي يوجد به مقر رئاسة الجمهورية ومبنى وزارة الخارجية، ويقيم به عبد العزيز بلخادم، وزير الدولة الممثل الشخصي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. ويقول جيرانها إنها تقيم بمفردها في البيت، وإن خادمة ترعى شؤونها طول النهار على نفقة الدولة.