باريس ترد بـ«اعتدال» على تطويق القوات الإسرائيلية للمركز الثقافي الفرنسي في القدس الشرقية

مصادر دبلوماسية: فرنسا تتحاشى إغضاب إسرائيل مخافة فقد دورها في عملية السلام

TT

اكتفت السلطات الفرنسية بردة فعل «الحد الأدنى» وتحاشت التصعيد أو تأزيم العلاقات مع إسرائيل إزاء ما قامت به قواتها الأمنية أول من أمس في القدس الشرقية حيث طوقت مبنى المركز الثقافي الفرنسي وعمدت إلى القيام بحملة تفتيش بحثا عن الفلسطينية رانيا الياس التي كانت، على ما يبدو، تسعى لاعتقالها. وكان المركز الثقافي الفرنسي يشهد احتفالا يشارك فيه أطفال وبحضور رسميين فلسطينيين بينهم رفيق الحسيني، مدير مكتب الرئيس محمود عباس وهو من القدس وذلك بمناسبة انتهاء احتفالات «القدس عاصمة الثقافة العربية». ووصفت الخارجية الفرنسية أمس انتشار القوات الإسرائيلية وممارساتها بهذه المناسبة بأنها «مبالغ فيها» وذلك برأيها لسببين: الأول أن المكان الذي طوق هو مركز ثقافي مفتوح وللمشاركة». والثاني: أن النشاط الجاري ثقافي، لكن الناطق باسم الخارجية امتنع عن إدانة الممارسات الإسرائيلية ولم يلجأ إلى استخدام أي من العبارات المستخدمة في مثل هذه الأحوال مثل «نأسف» أو «ندين» أو «نعبر عن احتجاجنا» وما شابه. كذلك نفى برنار فاليرو أن تكون الخارجية قد استدعت السفير الإسرائيلي في باريس دانيال شيك للاستفسار عما جرى أو لتسليمه احتجاجا رسميا.

وكان قنصل فرنسا في القدس قد أكد أن سبب قيام التظاهرة في المركز الثقافي الفرنسي بأنه «تعبير عن دعم فرنسا للثقافة الفلسطينية». ولم يدخل رجال الأمن الإسرائيليين إلى المركز الثقافي ولم يستخدموا العنف واكتفوا بتطويق المكان والسؤال عن رانيا إلياس التي شاركت في التحضير للتظاهرة.

وليست هي المرة الأولى التي تتعرض فيها إسرائيل لنشاطات فرنسية أو لرسميين فرنسيين أو للمصالح الفرنسية. وآخر حدث على ذلك أنها رفضت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن يزور وزير الخارجية برنار كوشنير غزة انطلاقا من إسرائيل مما حمل الأخير على تأجيل زيارته ولاحقا إلى إلغاء الانتقال إلى غزة ولقاء الرئيس الفلسطيني في عمان. وسبق أن تعرض موظفون فرنسيون رسميون في القدس، أكثر من مرة، لمعاملات مهينة على الحواجز الإسرائيلية التي منعوا من اجتيازها للانتقال إلى غزة.

ولا تعترف باريس بضم إسرائيل للقدس الشرقية التي تعتبرها أرضا محتلة. وكانت فرنسا مؤخرا وراء «التسوية» التي توصل إليها وزراء الخارجية الأوروبيون باعتبار القدس عاصمة الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية بديلا عن المقترح السويدي الأصلي الذي نص على أن القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية. ورغم ذلك، فقد تخلت فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية عن التقليد الذي كان يفترض أن كل زيارة لمسؤول أوروبي إلى القدس تستلزم التوقف في «بيت الشرق» وهو كان أبرز المؤسسات الفلسطينية في القدس. وتعيد الأوساط الدبلوماسية في باريس ردة الفعل الفرنسية «الخجولة» إزاء الاستفزاز الإسرائيلي برغبة فرنسا في المحافظة على علاقات جيدة مع إسرائيل. وكانت هذه العلاقات شهدت تحسنا كبيرا منذ وصول الرئيس ساركوزي إلى السلطة في ربيع عام 2007. وتسعى فرنسا للعب دور دبلوماسي في البحث عن حل للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وتقوم لذلك بمشاورات دبلوماسية مكثفة بغرض تأمين الظروف للدعوة إلى مؤتمر سلام في الشرق الأوسط في العاصمة الفرنسية.

وتعود آخر «أزمة» بين البلدين إلى ما قبل شهرين حينما تغيبت باريس عن التصويت على تبني تقرير القاضي الجنوب أفريقي غولدستون عن حرب إسرائيل على غزة حيث كانت تريد من باريس التصويت ضده وليس التغيب عن التصويت. كذلك عبرت السلطات الإسرائيلية عن حنقها إثر الرسالة المشتركة التي بعث بها ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون إلى نتنياهو يطالبانه فيها بإنشاء لجنة تحقيق مستقلة لجلاء ظروف حرب غزة والنظر في اتهامات تقرير غولدستون الذي يقول إن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب وربما جرائم ضد الإنسانية. من جهة أخرى، تسعى فرنسا لضمان الإفراج عن المواطن الفلسطيني ـ الفرنسي صلاح الحموري في إطار صفقة التبادل المنتظرة بين إسرائيل وحماس حيث من المفترض أن يطلق سراح جلعاد شاليط الحامل للجنسيتين الفرنسية والإسرائيلية مقابل عدة مئات من الفلسطينيين.

وقال برنار كوشنير أول من أمس في جلسة لمجلس الشيوخ إن باريس «بكل تأكيد، تمارس كل أنواع الضغوطات الممكنة ليكون الحموري من بين المفرج عنهم».