الناشطة الصحراوية أمينتو حيدر تعود إلى المغرب بجواز سفر مغربي بعد نجاح مساعٍ فرنسية

الناصري: ملفها أغلق إذا ما التزمت بالقانون > موراتينوس: مدريد لم تقدم أي تنازلات لحل القضية

TT

نجحت باريس، بفضل تدخلها لدى المغرب، الذي تربطها به علاقات وثيقة، وبفعل اتصالاتها مع إسبانيا ومع الولايات المتحدة في إيجاد مخرج لقضية الناشطة الصحراوية أمينتو حيدر.

وتم التوصل إلى هذا المخرج خلال زيارة لم يعلن عنها، قام بها وزير خارجية المغرب الفاسي الفهري إلى باريس يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، حيث التقى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ونظيره برنار كوشنير.

وسارع قصر الإليزيه، الليلة قبل الماضية، في بادرة يبدو أنها جزء من التسوية التي تم التوصل إليها مع المغرب، إلى إصدار بيان رسمي جاء فيه أن الرئيس الفرنسي طلب شخصيا من السلطات المغربية في 15 من الشهر الحالي بتسليم حيدر جواز سفر لدى عودتها إلى «الأراضي المغربية»، في إشارة إلى مدينة العيون، كبرى مدن محافظات الصحراء، وذلك عملا بتقاليد «الانفتاح والسخاء» المغربية.

وجاء في البيان أن العاهل المغربي أبلغ الرئيس الفرنسي، بعد يومين من استقباله للوزير الفاسي الفهري، قبول الدولة المغربية لطلبه. وعليه، فإن «بوسع حيدر العودة إلى المغرب».

وكانت الرباط اشترطت اعتذار حيدر لتزويدها مجددا بجواز سفر، وتمكينها من العودة إلى مدينة العيون.

وقالت الخارجية الفرنسية أمس إن باريس «مغتبطة» بالتوصل إلى حل «في الوقت المناسب، وإنقاذ حياة إنسانية»، معربة عن «ارتياحها» للبادرة التي صدرت عن الرباط.

وكشفت باريس عن اتصالات فرنسية مكثفة مع إسبانيا والولايات المتحدة، وتحديدا تلك التي قام بها وزير الخارجية كوشنير مع هيلاري كلينتون وميغيل أنخيل موراتينوس.

وكان قصر الإليزيه استفاد من فرصة البيان الرئاسي ليذكر بـ«الشراكة الاستراتيجية» التي تربط باريس والرباط، وبتعاون الطرفين حول الملفات الأساسية في العالم، مشيرا إلى المسائل الإفريقية والدولية.

وذكرت باريس بدعمها لمبادرة المغرب الهادفة إلى إيجاد حل لنزاع الصحراء في إطار إدارة ذاتية موسعة تحت إشراف الأمم المتحدة. وأضاف البيان أنه بانتظار الحل الموعود، فإن «القوانين المغربية هي النافذة».

وفي سياق ذلك نفى خالد الناصري وزير الاتصال (الإعلام) الناطق باسم الحكومة المغربية، أن يكون المغرب تَعرّض لضغوط من طرف الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من أجل السماح لحيدر بالعودة إلى مدينة العيون.

وقال الناصري لـ«الشرق الأوسط»، إن المغرب خرج منتصرا من هذه القضية خلافا للدعاية الجزائرية والدعاية الانفصالية، على حد تعبيره.

وكانت حيدر قد عادت الليلة قبل الماضية إلى العيون على متن طائرة طبية خاصة، قادمة من جزر الكناري، حيث تم استقبالها من طرف عدد من أفراد أسرتها، بعد أن خاضت إضرابا عن الطعام دام شهرا في مطار لانثاروتي بجزر الكناري، على أثر منع السلطات المغربية لها من دخول العيون، نتيجة رفضها للجنسية المغربية، وتخليها عن جواز سفرها المغربي.

وحسب ما ذكره مصدر حكومي مغربي لـ«الشرق الأوسط»، فإن حيدر دخلت إلى المغرب بجواز سفر مغربي، وقامت بشكل عادي بإجراءات الدخول إلى المطار، وعبأت استمارة دخول تشير إلى أنها «تدخل إلى المغرب»، قبل مغادرتها مطار العيون.

وذكر بيان لوزارة الداخلية المغربية أن الرباط استجابت لعودة حيدر بعد أن التمس عدد من قادة ورؤساء الدول الصديقة، دون أن يسمّيها، من السلطات المغربية «التحلي بفضيلتَي التسامح والصفح الجميل، والتعاطي مع وضعية حيدر من منظور إنساني صرف»، وكذا على «أساس وجوب الاحترام التام والتقيد الإلزامي بالقانون المغربي، من لدن الجميع ودون استثناء، وفي مجموع مناطق المغرب».

وأوضح الوزير الناصري أن «المغرب تعامل مع هذا الموضوع، انطلاقا من مفاتحة عدة دول صديقة من أجل إيجاد حل ينطلق من مقاربة إنسانية لا سياسية، أما الحديث عن ضغوطات فهو غير وارد على الإطلاق».

وأضاف الناصري أن تعامل المغرب مع الدول التي طرحت عليه الموضوع تم في نطاق من الاحترام والتقدير، والدليل على ذلك، التصريح الصادر عن هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، والتصريحات الصادرة عن الحكومات الفرنسية والإسبانية والإيطالية، التي تؤكد كلها، في رأي الناصري، أنها تعاملت مع الموضوع من الناحية الإنسانية أولا، وأن هناك تقديرا للمجهودات الكبيرة التي يبذلها المغرب لإيجاد حل لهذه القضية.

وزاد الناصري: «كل الدول تؤكد أنها لم تنخدع بشأن تحويل ملف حيدر إلى ملف مركزي، فالملف المركزي هو النزاع القائم في المنطقة المغاربية، وفي الصحراء، والذي يعلم الجميع أنه نزاع ثنائي بين المغرب والجزائر، وأن جبهة البوليساريو ليست سوى أداة تحركها الجزائر».

وقال الناصري: «يهمنا وفقا لهذه المعطيات، أنه تم تأكيد المقاربة المغربية التي تسعى إلى إيجاد حل سياسي متوافَق عليه، من طرف الدول الفاعلة في المنطقة بما فيها الحكومة الإسبانية التي يؤثر عليها رأيها العام، إلا أنها وبكل بصراحة تعاملت ببعد نظر، وبكثير من روح المسؤولية في هذا الملف».

وأوضح الناصري أنه «لا بد من الإقرار بأن المغرب خرج منتصرا خلافا للدعايتين الجزائرية والانفصالية، لأن العالم أظهر أنه يظل متشبثا بالحل الجدي، والحل التوافقي السياسي، وهو ما سعت الجزائر إلى الابتعاد عنه».

وردّا على سؤال أن كانت قضية حيدر قد أغلقت نهائيا، قال الناصري إن القضية أُغلقت ما دامت حيدر تتشبث بالقانون.

وأضاف أن تصريحات الحكومتين الإسبانية والفرنسية تتحدث عن أن القانون المغربي يطبق من شماله إلى جنوبه، وأن هذه السيدة لن يكون مسموحا لها أن تباشر أي عمل عدائي، أو مساس بمقدسات البلاد، وبالاحترام الواجب للشرعية الوطنية في المغرب، فهذه أمور ثابتة ولا غبار عليها»، على حد تعبيره.

وفي السياق ذاته، قال سعد الدين العثماني رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض ورئيس مجموعة الصداقة المغربية ـ الإسبانية، في مجلس النواب، لـ«الشرق الأوسط»: «إن المغرب لم يكن ضد رجوع حيدر إلى العيون، إلا أنه اشترط أن يتم ذلك وفق شروط معقولة».

وردّا على سؤال حول ضغوط تعرض لها المغرب من طرف الأمم المتحدة وإسبانيا، للسماح برجوع حيدر إلى العيون، استبعد العثماني أن يكون المغرب تعرض لضغوط من طرف الأمم المتحدة، أما من إسبانيا، فقال إن الأمر وارد. وأضاف: «لأنه كما قال لنا بعض السياسيين الإسبان، عندما كنت في إشبيلية قبل أيام، فإن قضية حيدر عبارة عن (بطاطا ساخنة) وُضعت في أيدينا، ولا بد أن نتعاون للوصول إلى حل بشأنها».

وأوضح العثماني أنه من الطبيعي أن تمارس إسبانيا ضغوطا على المغرب لإيجاد حل للقضية، لأنها جزء من المشكلة.

وقال العثماني: «يجب أن لا ننسى أن إسبانيا كانت مستعمرة للصحراء المغربية، وأن المغرب استرجع صحراءه بالاتفاق مع إسبانيا سنة 1975، إضافة إلى أن في إسبانيا جهات مدنية تتعاطف بشكل كبير مع الجهات الانفصالية لأسباب متعددة ومعقدة، وبالتالي كان بين المغرب وإسبانيا نقاش مستمر حول هذا الملف، للتوصل إلى حل».

وختم العثماني كلامه بالقول إن «القضية أعمق بكثير من قضية امرأة، فالأمر يتعلق بقضية تجزئة بلدان المنطقة التي تغذيها جهات معينة، وهي خطر على كل الدول لا على المغرب فقط»، مؤكدا على أهمية مقترح المغرب للحكم الذاتي كحل تفاوضي سياسي لقضية الصحراء.

وفي بروكسل نفى وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس، تقديم بلاده أي تنازلات لحل قضية حيدر.

وعبّر موراتينوس، الذي كان يتحدث أمس في مؤتمر صحافي لعرض أولويات الرئاسة المقبلة لبلاده للاتحاد الأوروبي، عن رضا الحكومة الإسبانية عن الحل الذي تم التوصل إليه بشأن قضية حيدر، مشيرا إلى أن مدريد فعلت ما بوسعها لضمان عودتها إلى بلادها مع كل الضمانات اللازمة لذلك.

وأشار موراتينوس إلى أن الحكومة المغربية اقتنعت في نهاية الأمر أن الحل الأمثل للمشكلة يتمثل في السماح لحيدر بالعودة إلى بلادها، وهذا ما حصل. وزاد قائلا: «هذا يدل على ضرورة التعاون من أجل البحث عن حلول إيجابية وسلمية للمشكلات».

وشدد موراتينوس على القول إن إسبانيا «ليست جزءا من الأزمة» في قضية حيدر، وإن دورها كان ينحصر في إيجاد حلول مرضية للوضع الصعب للناشطة.

وأعاد موراتينوس التذكير بموقف بلاده الداعي إلى البحث عن تسوية سلمية وعادلة ونهائية ومقبولة من قِبل جميع الأطراف تسمح بحكم ذاتي واسع النطاق لمنطقة الصحراء، مجددا دعم بلاده لجهود الأمم المتحدة الرامية إلى تحقيق الهدف.

وبشأن العلاقات الأوروبية ـ المغربية، أعلن موراتينوس عن نية بلاده الدعوة إلى عقد قمة أوروبية ـ مغربية في غرناطة في ربيع العام المقبل، مؤكدا أن المغرب يستطيع الاستفادة من الإمكانيات كافة التي توفرها له صفة «الشريك المتقدم» مع أوروبا، وأضاف: «ستكون القمة خطوة في سبيل تعزيز العلاقات وتوسيع آفاقها».

يُذكر أن موراتينوس أعلن في بداية أغسطس (آب) الماضي أن بلاده تعمل من أجل انعقاد قمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في إحدى المدن المغربية خلال الأشهر الستة الأولى من العام المقبل، حينما تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد.

ولم يتسنَّ معرفة سبب اختيار مدينة غرناطة بدل مدينة مغربية للقمة المغربية ـ الأوروبية.

وفي سياق ردود الفعل على السماح لحيدر بالعودة إلى المغرب قالت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية إنها سُرّت عندما سمعت «بقرار الحكومة المغربية السماح باستقبال حيدر، وذلك لأسباب إنسانية بعد خوضها إضرابا عن الطعام مدة شهر في إسبانيا».

وقالت كلينتون في بيان صادر وزارة عن الخارجية الأميركية، إن هذه «البادرة الإنسانية تعكس الكرم والروح الحقيقية للشعب والحكومة المغربيين، وتشدد على ضرورة التعجيل لإيجاد حل دائم لنزاع الصحراء».

وزادت كلينتون قائلة: «أضمّ صوتي إلى صوت بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، للدعوة إلى عقد جولة خامسة من المباحثات في أقرب وقت ممكن، وأعرب أيضا عن دعمي القوي لجهود كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة من أجل إيجاد حل».

إلى ذلك، أعرب كي مون مساء أول من أمس عن أمله في أن تتعاون أطراف النزاع مع مبعوثه الشخصي (روس) من أجل استئناف المفاوضات الخاصة بالصحراء في أقرب الآجال.

وأكد المتحدث باسم كي مون في تصريح له بنيويورك، أن الأمين العام للأمم المتحدة «يعرب عن أمله في أن تتعاون الأطراف مع مبعوثه الشخصي لاستئناف المفاوضات في المستقبل القريب، من أجل التوصل إلى تسوية لقضية الصحراء».

وفي سياق ذلك، أعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية أندري نيستيرينكو أمس في موسكو، أن روسيا «تجدد التأكيد على دعمها لجهود الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل سياسي توافقي بخصوص قضية الصحراء».

وأضاف نيستيرينكو خلال لقاء صحافي أن روسيا «تجدد التأكيد على أن موقفها يطابق الموقف الذي جاءت به القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، خصوصا ما يتعلق بقرار مجلس الأمن رقم 1871، والذي ينص على ضرورة الالتزام بتحقيق حل سياسي ودائم ومقبول من الأطراف كافة».

وأبرز أنه «انسجاما مع قرارات مجلس الأمن»، فإن روسيا «تدعو بدورها الأطراف كافة إلى التعاون بشكل كامل مع الأمم المتحدة لتحقيق تقدم نحو إيجاد حل سياسي ودائم بالمنطقة والتجاوب مع جهود الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة» بخصوص الموضوع.

وفي روما، أعرب وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني أمس عن ارتياحه لقرار المغرب السماح بعودة حيدر لأسباب إنسانية. وقال فراتيني في بيان نشرته وزارة الخارجية «إنه خبر يسعدني جدا». وأكد المسؤول الإيطالي أنه «يقدر كثيرا الموقف الإنساني الذي أبان عنه الأصدقاء المغاربة». وأعرب فراتيني، الذي أشاد بـ«الإرادة الطيبة» للسلطات المغربية، عن الأمل في «استئناف بناء للحوار بين الأطراف تحت إشراف الأمم المتحدة».