«القاعدة» تغير تكتيكها لاختراق موجات الجوال ونشر مواد «تحريضية»

اللواء التركي لـ «الشرق الأوسط» : الحل تطبيق نظام الجرائم المعلوماتية

TT

تَكشّفت لـ«الشرق الأوسط» معلومات تشير إلى لجوء تنظيم القاعدة إلى محاولة استغلال التقنية والاستفادة منها، وتحديدا الهواتف الجوالة، في خطوة تهدف إلى توسيع نشاط التنظيم الإعلامي، وتجنيد أعضاء جدد، ونشر المواد «المحرضة» وإيصالها إلى شريحة أكبر في مختلف أرجاء العالم.

ويأتي هذا التوجه الجديد من تنظيم القاعدة كمحاولة للالتفاف على الملاحقة الأمنية الحثيثة التي نجحت إلى حد كبير في صد النشاط الإعلامي للتنظيم عبر الشبكة العنكبوتية باختراق مواقعها وحظرها، وإلقاء القبض على عدد كبير من القائمين والمشرفين عليها.

وفي هذا السياق، كشف أحد أبرز المواقع الإلكترونية المعتنقة لفكر التنظيم المتشدد عن البدء بإطلاق مشروع جديد سمّاه «فريق جوال الأنصار»، الهادف إلى بث الفكر المتطرف عبر الهواتف الجوالة، في خطوة منه لدعم رسالتهم.

ودعا الموقع إلى إعداد فريق متخصص في إنتاج ونشر جميع المواد التي تعمل على الهاتف الجوال، كالمواد العلمية والتحريضية والدعوية، على أن يخضع هذا النشاط لإشراف إدارة شبكة أحد المواقع المتطرفة.

ويتكون «فريق جوال الأنصار» من فرق عدة، منها فريق «الهندسة الصوتية» الذي يتولى هندسة المقاطع الصوتية من محاضرات المنظرين وإلقاء القصائد والأناشيد وغيرها، وفريق «التفريغ» المكلف باختيار وكتابة ونشر المجلات الجهادية والقصص المؤثرة والمقالات «المبدعة» وأهم البيانات بصيغة ملاحظات، أو أي صيغة أخرى يدعمها المحمول، إضافة إلى فريق «التصاميم» المختص بتصميم ونشر صور عملياتهم إلى أي صيغة يقبلها المحمول ورفع المقاطع، وأخيرا فريق «التحويل والرفع»، وتتلخص مهامه في تحويل صيغ أفلام التنظيم إلى أي صيغة يقبلها المحمول.

يشار إلى أنه سبق للأجهزة الأمنية السعودية رصد توجيه تنظيم القاعدة رسائل مخزنة في كروت ذاكرة أجهزة هواتف محمولة، منها رسالة بصوت أيمن الظواهري نائب زعيم تنظيم القاعدة، تتضمن تزكية لجمع الأموال بحجة دعم المحتاجين من الأسر في باكستان وأفغانستان. كما أعلن في وقت سابق رسالة أخرى مصورة تتضمن تسجيلا محفوظا في شريحة هاتف جوال، يوجه من خلاله المطلوب الأمني سعيد الشهري، نائب قائد تنظيم القاعدة في اليمن، رسالة يطلب فيها الدعم المالي، ويظهر إلى جواره أحد المطلوبين اليمنيين.

ويأتي ذلك، وسط تنبيهات رسمية، صدرت على شكل برقية من الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، لظاهرة استخدام الجوال لجمع التبرعات، بواسطة بث أرقام حسابات بنكية غير مرخصة لجمع الأموال، في خطوة قد يستفيد منها تنظيم القاعدة تمويليا.

من جانبه، اكتفى اللواء منصور التركي المتحدث الأمني باسم وزارة الداخلية السعودية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن هناك نظاما يجرّم استغلال مثل هذه التقنية وهو نظام الجرائم المعلوماتية، الذي اعتمدته السعودية منذ أكثر من عامين.

ويعرّف هذا النظام الجريمة المعلوماتية بأنها «استخدام الأجهزة التقنية الحديثة، مثل: الحاسب الآلي والهاتف النقال، أو أحد ملحقاتها أو برامجها، في تنفيذ أغراض مشبوهة وأمور غير أخلاقية لا يرتضيها المجتمع، لأنها منافية للأخلاق العامة».

ويفرض النظام عقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، وغرامة لا تزيد على خمسة ملايين ريال، أو إحدى هاتين العقوبتين، على كل شخص ينشئ موقعا لمنظمات إرهابية على الشبكة العنكبوتية المعلوماتية، أو بأحد أجهزة الحاسب الآلي، أو نشره لتسهيل الاتصال بقيادات تلك المنظمات، أو ترويج أفكارها، أو نشر كيفية صنع المتفجرات.

ويضم نظام الهاتف الجوال وبرامجه وملحقاته ضمن طرق تنفيذ الجرائم الإلكترونية، معتبرا الهاتف الجوال وخواصه المتطورة، التي أصبحت تقارب في خصائصها أجهزة الحاسب الآلي الوسيلة الأسهل في تناقل الأخبار والصور ومقاطع البلوتوث على نطاق أوسع. من جهتها، امتنعت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات على لسان متحدثها الرسمي باسمها سلطان المالك عن التعليق على المشروع الجديد من قِبل الحركات المتطرفة قائلا: «الهيئة تتحفظ على الرد للمصلحة الوطنية العليا». واعتذر عن إيضاح أي من الاستراتيجيات والآليات التي يمكن اعتمادها للحيلولة دون تحقيق مثل هذا المشروع المتطرف، والنجاح باختراق الأجهزة المحمولة للعامة.

إلى ذلك، اعتمدت الجماعات المتطرفة على الهاتف الجوال كإحدى الوسائل التقنية الحديثة لتمرير التعليمات ومخططاتهم الخاصة، بعد إتقان خواص تشفيرية تمنع تسلل واختراق الأجهزة الأمنية لاتصالاتها ورسائلها الإلكترونية. ويقدم حاليا مركز الدراسات والبحوث التقنية التابع لأحد المواقع المروجة للإرهاب» برنامج أسرار الجوال، في نسخته التجريبية، لتشفير الرسائل والملفات عبر الهواتف المحمولة، موفرا خاصية تمويه التشفير للمكالمات، وتشفير النصوص للرسائل القصيرة، إضافة إلى تشفير الملفات الصغيرة، ويدعم هذا البرنامج 3 لغات: العربية والإنجليزية والفرنسية، للجوالات الحديثة كافة. وهنا، أكد أحد المختصين في مجال الاتصالات ـ طلب عدم ذكر اسمه ـ أن اختراق الهواتف المحمولة أمر ممكن، مؤكدا أن «أي نظام إلكتروني واتصال عن بعد يمكن اختراقه»، ويعتمد الأمر على طرفَي العملية «الجهة المخترِقة، والأخرى المستهدَفة»، وخصوصا مدى قدرة الجهة المستهدفة على تأمين أجهزتها ببرامج الحماية، وإلى حجم قدرة الجانب المخترق وإمكانياته التقنية ومدى احترافه.

من جهته، أوضح أحمد الكيالي باحث في شؤون الإعلام الإلكتروني، سعي الجماعات المتشددة، إلى الانتقال بعد الضربات المتتالية لها، من الحرب الميدانية، إلى الحرب الإعلامية، وعوضا عن أن تقتصر على العالم الافتراضي (الإنترنت) عممت أيضا على العالم الواقعي عبر الجوال وذلك باستغلال الشركات المزودة للرسائل النصية للمجموعات، والتي تسمح بإرسال ما لا يقل عن 200 رسالة نصية شهريا في وقت واحد.

أما في ما يتعلق بالمقاطع الصوتية والمشاهد التصويرية، فقد كشف الكيالي صعوبة اعتماد تقنية رسائل المجموعات حيث إنها تقتصر فقط على خدمة الرسائل النصية، منوها بأن خدمة البلوتوث هي الوسيلة الأنجح لبث المقاطع التي تعمل على تهييج مشاعر الشباب، بغية الوصول إلى الهدف الأهم، وهو ـ بحسبه ـ تجنيد أكبر عدد من الشباب سواء كان في الجامعات أو مختلف أماكن تجمعاتهم.

في المقابل، يرى الدكتور فايز الشهري، وهو أكاديمي ومتابع للمواقع الإلكترونية، أن استخدام التقنية والجوال من قبل الجماعات المتشددة، بدأ منذ مراحل مبكرة، بداية من البلوتوث الدعوي ببث رسائل تحريضية ومقاطع دينية بالإضافة إلى تحميل مشاهد على شبكة الإنترنت بصيغ مختلفة تتلاءم مع الجوالات، مؤكدا أنه لا غرابة من محاولة الجماعات المتشددة استغلال الوسائل كافة بغية التحريض والتجنيد لمعتقداتهم في الوقت الذي نجد فيه استخداما كبيرا للهواتف المحمولة بهويات مجهولة.

وأوضح أنه، ومن خلال هواتف مجهولة الهوية، سيتمكن الأفراد من إرسال رسائل نصية مقتحمة الهواتف المحمولة للأفراد وبصورة عشوائية.

وحمّل الشهري شركات الاتصالات المسؤولية الكبرى في مكافحة مثل هذه الخطط والمشروعات، بتغليب المسؤولية الاجتماعية والأمنية على غرض الربح، منبها إلى خطورة التدفق الكبير للبطاقات المسبقة الدفع، والتي تساعد ـ من وجهة نظره ـ في حدوث الكثير من التجاوزات، نظرا إلى سهولة تداولها وشرائها من قِبل مجهولي الهوية، داعيا إلى ضرورة تنظيم هذه «السوق الفوضوية» للاتصالات.