إيران تسعى للحصول على موطئ قدم في القرن الأفريقي.. وحديث عن قواعد عسكرية

المستشار الإعلامي لرئيس جيبوتي لـ «الشرق الأوسط»: إيران دولة صديقة.. ولكننا نتوخى الحذر

صورة أرشيفية للرئيس أحمدي نجاد خلال استقباله لرئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيلا في طهران أخيرا (أ.ب)
TT

تسعى إيران إلى الحصول على موطئ قدم لها في منطقة القرن الأفريقي بشكل حثيث مستغلة الأوضاع الاقتصادية المتردية لمعظم دول المنطقة وحاجتها الماسة إلى الحصول على مساعدات اقتصادية أو نفطية، في محاولة لتأمين الطرق التقليدية لحركة التجارة والملاحة الإيرانية من جهة، ولمواجهة الانتشار المكثف للقوات الأميركية والغربية فيها من جهة أخرى.

وأبدى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ووزير خارجيته منوشهر متقى اهتماما متزايدا بهذه المنطقة خلال العامين الماضيين، وفضلا عن قيامهما بزيارات متعاقبة لبعض عواصمها فقد أبرمت إيران العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية المعلنة، كما سعت للحصول على تسهيلات عسكرية بصورة سرية في بعض بلدان المنطقة التي باتت مؤخرا ساحة للتنافس السياسي والاستراتيجي الإقليمي المعلن واجتذبت أطرافا دولية مهمة كالولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا.

وعلى الرغم من أن عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية دائما ما يدعو إلى حوار عربي إيراني معمق لتسوية الخلافات الثنائية، فإن مصدرا رفيع المستوى في الجامعة العربية كشف لـ«الشرق الأوسط» النقاب عن أن إيران تحاول ملء الفراغ السياسي في منطقة القرن الأفريقي في ظل ما وصفه بالدور العربي المحدود هناك. وأضاف: «بالطبع هذا سيكون خصما من الدور العربي، وعلى سبيل المثال، تلقينا معلومات من أكثر من طرف أوروبي حول تورط إيران في دعم جهات صومالية متشددة، لكن في اتصالات عبر طرف ثالث نفى الإيرانيون الأمر».

وفى إطار الاهتمام الإيراني اللافت بجيبوتي أنهى وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقى زيارة مفاجئة يوم الجمعة الماضي إلى العاصمة الجيبوتية دامت عدة ساعات، كانت مثارا لاهتمام الأوساط العربية والغربية الدبلوماسية هناك. وخلال زيارته المثيرة للجدل إلى جيبوتي تفقد منوشهر مبنى الجمعية الوطنية (البرلمان) الذي تموله بلاده والذي لا تزال أعمال تشييده جارية على قدم وساق.

ولاحظت صحيفة «القرن» الأسبوعية والوحيدة الناطقة باللغة العربية في جيبوتي، أن هذه الزيارة تأتي بعد سبعة أشهر تقريبا من القمة الجيبوتية الإيرانية التي انعقدت في شهر فبراير (شباط) المنصرم في جيبوتي العاصمة برئاسة الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلا ونظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي زار جيبوتي في أول زيارة من نوعها لرئيس إيراني. وكان البلدان قد وقعا على هامش هذه القمة خمس مذكرات تفاهم للتعاون المشترك تضمنت الإعفاء من تأشيرات الدخول لمواطني البلدين، وإنشاء لجنة مشتركة ومساهمة في عملية التنمية في جيبوتي، وبناء مركز للتدريب بالإضافة إلى منح البنك الإيراني قروضا للبنك المركزي الجيبوتي وتقديم منح دراسية للطلاب الجيبوتيين في إيران.

وقال دبلوماسي عربي في جيبوتي لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف إن الملابسات التي أحاطت بتلك الزيارة كانت مثيرة للانتباه، مشيرا إلى أن الضيف الإيراني حل فجأة في جيبوتي من دون زيارة مبرمجة سابقا أو معلن عنها. والتقى منوشهر مع الرئيس الجيبوتي في منزله لمدة ساعتين بحضور وزير الخارجية محمود علي يوسف، قبل أن يغادر منوشهر البلاد متوجها إلى السودان.

لا أحد لديه تصور حول تفاصيل تلك المحادثات التي أحيطت وفقا لمصدر عربي مطلع بالسرية ولم تكشف السلطات في جيبوتي المزيد عنها إعلاميا. وأضاف المصدر لـ«الشرق الأوسط»: «اللقاء كان قاصرا على الرئيس جيلا ومنوشهر متقى، والزيارة في مجملها أحيطت بسرية ولا أحد يعلم ما الذي دار فيها تحديدا». لكن المصدر نفسه قال في المقابل إن اهتمام إيران المتزايد بجيبوتي وغيرها من دول منطقة القرن الأفريقي استوجب بالضرورة وجود متابعة للنشاط الإيراني.

ولفت إلى أن هناك معلومات متواترة غير رسمية تتحدث عن اتفاقيات عسكرية وغواصة في المنطقة وسفن إيرانية تحاول أن تتعامل مع القراصنة المسلحين، قبالة السواحل الصومالية في مياه المحيط الهندي وخليج عدن.

على أن طاهر نجيب المستشار الإعلامي للرئيس الجيبوتي نفى لـ«الشرق الأوسط» أن تكون إيران قد طلبت الحصول على تسهيلات عسكرية في الأراضي الجيبوتية أسوة بالتسهيلات الممنوحة للقوات الفرنسة والأميركية. وأضاف «لا ترتيبات عسكرية. لم يطرح الموضوع من الأساس للنقاش. نحن دولة صغيرة لا تدخل في محاور»، معربا عن أمله في أن تكون علاقات بلاده مع إيران جيدة ولا يكون لها أي تدخل بملفات إقليمية أخرى. وتابع: «هذه العلاقات كما نتصور لن تأتى على حساب علاقاتنا مع العالم العربي، نحن في نهاية المطاف دولة عربية ولنا مصالح كبيرة ومشتركة مع الدول الأعضاء بالجامعة العربية».

وقال مستشار الرئيس الجيبوتي لـ«الشرق الأوسط»: «موقفنا من إيران هو أنها دولة صديقة ولدينا اتفاقيات اقتصادية ولكننا أيضا نتوخى الحذر»، في إشارة إلى أن بلاده لا تريد أن تسيء علاقاتها الناشئة مع إيران إلى علاقتها مع العالم العربي. لكن ثمة معلومات متواترة عن أن إيران تقيم علاقات عسكرية بدرجة أوضح وأكبر مع إريتريا، لكي تتمكن من تزويد المتمردين الحوثيين في اليمن والإسلاميين المتشددين في الصومال بالسلاح والعتاد العسكري. وبينما لا يوجد أي دليل على تورط إيراني مباشر في الصومال، فإن قادة وزعماء المعارضة الإريترية المناوئة لسياسات ونظام حكم الرئيس الإريتري أسياس أفورقي تتحدث بشكل مستفيض عن تغلغل إيراني على المستويين العسكري والأمني في الأراضي الإريترية.

وكان بشير عشق، مسؤول التحالف الديمقراطي الإريتري المعارض قد أعلن مؤخرا أن المتمردين الحوثيين يتلقون أسلحتهم من إيران عبر إريتريا، موضحا أن «الأسلحة تصل إلى مدن ساحلية في إريتريا، لا سيما مدينة عصب، ومن ثم يأتي المتمردون الحوثيون وينقلون هذه الأسلحة ليلا إلى اليمن». وتتوافق هذه المعلومات مع تأكيد تقرير صادر عن مركز «ستراتفور» للاستشارات الأمنية في ولاية «تكساس» الأميركية مؤخرا على وجود ما وصفه بتعاون إريتري إيراني لدعم الحوثيين، لافتا إلى أن القوات الإيرانية الموجودة في البحر الأحمر وخليج عدن تقوم بتأمين عملية تهريب الأسلحة من أحد الموانئ الإريترية في البحر الأحمر إلى الحوثيين.

وذكر أن عمليات تهريب للأسلحة كانت تتم من ميناء عصب الإريتري إلى السواحل القريبة من محافظة صعدة في مديرية «ميدي» ليتم تخزينها هناك ومن ثم يتم نقلها عبر مهربين إلى محافظة صعدة معقل الحوثيين.

وتحدثت صحف إسرائيلية عن أن إيران تمكنت من بناء قاعدة عسكرية بحرية بالقرب من ميناء عصب الإريتري، في قطاع صحراوي منعزل في (شمال) إريتريا، بالقرب من الحدود مع جيبوتي، مضيفة أن طهران «نقلت إلى القاعدة بواسطة السفن والغواصات، جنودا ومعدات عسكرية وصواريخ باليستية بعيدة المدى»، ومشيرة إلى أن «الإيرانيين يستخدمون طائرات صغيرة من دون طيار، لحماية القاعدة».

واعتبرت صحيفة معاريف الإسرائيلية، مؤخرا، أن «العلاقات بين إيران ودول القرن الأفريقي، تثير الخشية لدى الغرب عموما، ولدى إسرائيل خاصة، إذ يستطيع الإيرانيون أن يستخدموا الميناء الإريتري (والقاعدة الإيرانية) لتهريب السلاح لحركة حماس وحزب الله، كما باستطاعتهم أيضا إغلاق المضائق في حال حصول طارئ، وشل حركة التجارة الدولية والتشويش على النشاط البحري الإسرائيلي»، مشيرة إلى أن «القاعدة (الإيرانية) قريبة من مضيق باب المندب في مدخل البحر الأحمر، حيث تمر مسارات التجارة الدولية، ونحو أربعين في المائة من النفط العالمي، في ناقلات تصل من الخليج».

لكن يمان غبريمسكل مدير مكتب الرئيس الإريتري أسياس أفورقي قال في المقابل إنه: «لا إسرائيل ولا إيران لديهما قواعد عسكرية في إريتريا، فالسياسة الإريترية تقوم منذ زمن طويل على عدم منح أي قاعدة لأي قوة (إقليمية)». وأضاف: «إيران لا يمكنها نشر قوات في عصب لأنه ليس لديها قاعدة هناك».

وزعمت تقارير عدة أنه سيتم نشر قوات إيرانية في عصب، وهو ميناء استراتيجي في جنوب إريتريا يقع بالقرب من مدخل مضيق باب المندب، الذي يتحكم في مدخل البحر الأحمر وخليج عدن، وهو المجرى الملاحي الذي يمر عبره 10% من النفط في العالم. وتقر إريتريا مع ذلك بأن علاقاتها الدبلوماسية مع إيران باتت مؤخرا وثيقة للغاية، وتؤكد في المقابل حقها كدولة ذات سيادة في الدخول في تحالفات اقتصادية أو عسكرية مع أي دولة تختارها. ودخلت إيران على خط تمتين العلاقات مع أسمرة بعدما تبنت الأخيرة، نهجا معاديا للغرب، وهي معزولة دبلوماسيا في المنطقة حيث تشهد علاقاتها مع جارتيها إثيوبيا وجيبوتي توترا بالغا.

وسعت جيبوتي إلى الحصول على تأكيدات إيرانية رسمية بعدم وجود أي تعاون عسكري بين طهران وأسمرة، إلا أن السلطات الإيرانية لم تعط إلى الآن إجابات شافية. وقال مسؤول جيبوتي: «بالطبع سألناهم (الإيرانيين) عن مغزى تلك العلاقات العسكرية مع أسمرة، فنفوا الأمر، لكن ما زالت لدينا شكوك قوية، بالنظر إلى طبيعة نظام أفورقي. على أن أبرز دليل على وجود إيران في المنطقة هو علاقتها الوثيقة مع أرخبيل جزر القمر الذي يعد أصغر وأفقر الدول الأعضاء بالجامعة العربية».

وقال مسؤول عربي لـ«الشرق الأوسط»: «لسنا في حاجة إلى التحذير من مخاطر هذه العلاقات، هناك محاولات لتشييع تلك الدولة عبر منهج منظم، وليس سرا أن بعض حراس الرئيس القمري عبد الله سامبي ينتمون إلى الحرس الثوري الإيراني». واعتاد سامبي الشهير بلقب «آية الله» بالنظر إلى الفترة الطويلة التي أمضاها طالبا في حوزات إيران الفقهية، نفي هذه الاتهامات والتأكيد في المقابل على أن ما يربط البلدين مجرد علاقات طبيعية لا ينبغي أن تثير حساسة لدى أي طرف.