الحريري يلتقي الأسد في سورية.. في زيارة «كسرت الجليد وبددت ذيول الماضي»

وصل مصحوبا بمدير مكتبه دون وفد مرافق في زيارته الأولى إلى دمشق منذ اغتيال والده

الاسد يرحب بالحريري في باحة قصر تشرين (أ. ف. ب)
TT

وصل رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في زيارة رسمية إلى دمشق أمس، والتقى الرئيس السوري بشار الأسد، ليضع بذلك حدا لتكهنات بدأت منذ ما قبل زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى العاصمة السورية، حول موعد زيارته المرتقبة لها، بصفته رئيسا لحكومة لبنان «التوافقية»، ورئيسا لتيار «المستقبل» وابنا لرئيس الحكومة رفيق الحريري الذي شكل اغتياله مفصلا مهما في العلاقات مع سورية التي وجهت إليها أصابع الاتهام. وأعلنت المستشارة السياسية والإعلامية للأسد بثينة شعبان، بعد اللقاء، أن لقاءً ثانيا آخرً سيعقد بين الأسد والحريري اليوم. وقالت شعبان في بيان إلى أن «الحريري سيقيم في قصر الضيافة»، مضيفة أن «الإجتماع دام ثلاثة ساعات، وأن الجو كان صريحاً وإيجابياً وودياً»، ولفتت إلى أن «زيارات مستقبلية ستكون لمسؤولين لبنانيين إلى سوريا بهدف تفعيل العلاقات بين البلدين». وجددت التأكيد أن «الإجتماع بين الرئيسين كان بنّاءً وودياً، حيث تم كسر الجليد بين الطرفين».

وأعلنت شعبان أنه «تمت مناقشة مسألة ترسيم الحدود بين البلدين بالإضافة إلى مواضيع أخرى»، وأكدت أن «خطوات ستؤخذ في هذا الإطار»، مشددة على أن «الذيول الماضية للعلاقة قد بددت، وأن ضمان عدم تكرار هذه الذيول هو في إرادة الرئيسين الأسد والحريري أن لا تتكرر، وبناء علاقات إيجابية تصب في مصلحة الشعبين والبلدين».

وأوردت وكالة «سانا» السورية للأنباء أن الرئيسين الأسد والحريري إتفقا على فتح آفاق جديدة تعزز تعاون البلدين في جميع المجالات.

ووصل الحريري إلى قصر تشرين الرئاسي دون وفد مرافق، في زيارة هي الأولى له لدمشق منذ اغتيال والده في فبراير (شباط) عام 2005. وأبدى الأسد حفاوة كبيرة بضيفه الذي وصل بمفرده إلى باحة القصر، وتصافح الرجلان وتبادلا القبلات، قبل أن يدخلا إلى القصر لعقد جلسة مباحثات ثنائية. ورافق الحريري في زيارته إلى سورية التي ستستمر يومين، أي تنتهي اليوم، مدير مكتبه نادر الحريري. ولم يرافقه أي من مستشاريه أو النواب الذين وردت أسماء من مذكرات الاستنابات القضائية التي نصت على دعوة شخصيات للاستماع إليها في قضية مرفوعة أمام القضاء السوري تتصل باغتيال الحريري. وتأتي هذه الاستدعاءات في إطار شكوى تقدم بها المدير العام السابق للأمن العام اللبناني اللواء الركن جميل السيد ضد «خمسة شهود زور» سوريين و«شركائهم اللبنانيين»، محملا إياهم مسؤولية اعتقاله لمدة تناهز أربع سنوات في قضية اغتيال الحريري.

وقالت مصادر سورية إن زيارة الحريري «بداية طيبة لعودة العلاقات إلى الحالة الطبيعية بين البلدين». ورافق الحريري، إضافة إلى مدير مكتبه، وفد إعلامي يضم أكثر من 25 صحافيا. وكان وصل رئيس الوزراء اللبناني إلى مطار دمشق الدولي قادما من بيروت، وكان في استقباله وزير شؤون رئاسة الجمهورية السوري منصور عزام والسفير اللبناني في سورية ميشال الخوري. وتعد هذه الزيارة للحريري الأولى لدمشق منذ تسلمه مهماته، ومنذ أيضا اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005، إذ لم يجر الحريري أي اتصالات رسمية مع سورية. إلا أنه وبعد تشكيل الحكومة الجديدة، تلقى الحريري برقية تهنئة من نظيره السوري محمد ناجي عطري.

كما أقام الأسد مأدبة عشاء على شرف رئيس الحكومة اللبناني، ودعا القصر الرئاسي السوري الوفد الإعلامي المرافق للحريري وعددا من الإعلاميين السوريين إلى مأدبة عشاء. ورجحت مصادر مطلعة أن يتناول الأسد وجبة الإفطار مع الحريري صباح اليوم، قبل أن يختتم زيارته عائدا إلى بيروت. وعلمت «الشرق الأوسط» بأن الوفد الإعلامي المرافق بُلّغ بأن الزيارة مدتها يوم واحد، وتفاجأوا بأنهم سيبيتون في دمشق. وفي بيروت، أكدت مصادر دبلوماسية عربية لـ«الشرق الأوسط» أن الحريري يحمل معه إلى سورية برنامج عمل قوامه «المصارحة والمصالحة»، مشيرة إلى أن الحريري يسعى إلى إقامة «علاقات شفافة» بين لبنان وسورية، وأنه «صادق في مسعاه هذا، وفي سعيه إلى علاقات متوازنة بين الدولتين الجارتين».

وبينما كان الحريري يلقى استقبالا «رئاسيا» في دمشق التي تستضيفه لمدة يومين، والتي أوفدت لاستقباله في المطار وزير شؤون الرئاسة منصور عزام، واستقبله الرئيس السوري بشار الأسد في قصر تشرين الذي يستقبل فيه الرؤساء والملوك، بصفته «ضيفا رئاسيا» لا بصفته رئيسا لحكومة يزور رئيسا لحكومة، كانت القيادات السياسية في لبنان تترقب بانتباه واهتمام هذه الزيارة التي وصفت بـ«التاريخية» والتي لم يكن قد تأكد موعدها علنا إلا قبل ساعات معدودة من حصولها. وتبلغت وسائل الإعلام اللبنانية صباح أمس بضرورة إيفاد ممثلين لها لتغطية الزيارة ليتأكد بعدها الخبر وينتشر، بعد أسابيع من الترقب حددت فيها مواعيد للزيارة من قبل مصادر لبنانية وسورية مختلفة.

ورأت النائب بهية الحريري أن زيارة ابن شقيقها إلى دمشق «طبيعية لأنه يزورها كرئيس لحكومة كل لبنان»، مشيرة إلى أنه بعد نيل الثقة وبدء جولة عربية وأوروبية من الطبيعي أن يزور سورية «وهي الأقرب لنا». وقال وزير التربية حسن منيمنة (تيار المستقبل) إن زيارة الحريري إلى دمشق «مهمة جدا»، معتبرا أنها «مبادرة من الحكومة اللبنانية باتجاه الإعلان عن نيّة حقيقية لبناء علاقة صحيحة ومتساوية مع سورية».

واعتبر عضو تكتل «لبنان أولا» الذي يرأسه الحريري النائب عاطف مجدلاني أن زيارته إلى سورية «طبيعية وتدخل ضمن العلاقات بين بلدين»، مؤكدا أن هذه الزيارة «تأتي بعد مسيرة نضالية، ويقوم بها رئيس حكومة لبنان إلى دمشق، وإلى رئيس حكومة سورية ورئيس جمهوريتها»، مشددا في هذا السياق على أن «هذه الزيارة هي زيارة مؤسساتية، وليست زيارة لزعيم تيار (المستقبل) أو الغالبية النيابية، بل لرئيس حكومة لبنان». ورأى مجدلاني أن الحريري «ذاهب إلى سورية كرئيس قوي»، معتبرا أن هذه الزيارة «ما كانت لتكون، لو أننا لم نربح الانتخابات، ولو أنه ليس هناك من علاقات دبلوماسية بين البلدين»، معربا عن اعتقاده بأنه «مثلما للبنان مصلحة أن تكون العلاقة مع سورية طبيعية، كذلك سورية لها مصلحة أن تكون علاقتها بلبنان طبيعية لأن هناك مصالح مشتركة اقتصادية واجتماعية».

وإذ اعتبر الاستنابات القضائية السورية بحق عدد من اللبنانيين «خطأ أتى بمنطق الزكزكة، وهي نوع من إشارة لحلفائهم، بأنهم لن يتخلوا عنهم»، قال مجدلاني: «هذه ليست استنابات بل استدعاءات لبعض الأشخاص للمثول أمام القاضي في سورية»، مؤكدا أن «فريق تيار المستقبل لم يتخط يوما على ما أذكر، الحدود (مع سورية) بل اتهامنا لها كان بمثابة اتهام سياسي». ورأى أن من اغتال الرئيس الشهيد رفيق الحريري «لا يريد للبنان أن يكون دولة مستقلة». وأضاف: «لا شك أن هناك مسؤولية سورية بموضوع اغتيال الرئيس الحريري»، مشيرا في هذا السياق إلى أنه «كان هناك نظام أمني لبناني - سوري يقيّد كل لبنان وكل لبناني، وهناك محكمة دولية أثبتت موضوعيتها، ونحن نثق بها».

وأكد عضو تكتل «لبنان أولا» النائب عمار حوري أن «لا غموض في زيارة الرئيس سعد الحريري إلى دمشق، ولا تكتمّ في التفاصيل»، مشيرا إلى أن هذه الزيارة «هي زيارة رئيس حكومة لبنان إلى دولة شقيقة، وستتبعها زيارات إلى دول شقيقة أخرى». وأكد أن «الزيارة تتم على أساس منطق دولة لدولة»، وأضاف «إنها زيارة ستشكل بوابة للدخول إلى مرحلة جديدة وهي خطوة باتجاه إيجابي». مشيرا إلى أن «لا جدول أعمال مسبقا للمحادثات التي ستشمل تطوير العلاقات بين البلدين».

وفي المقابل اعتبر عضو كتلة «التحرير والتنمية» (التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري) النائب علي بزي أن «سورية تستقبل رئيس الحكومة سعد الحريري كونه رئيس حكومة الوحدة الوطنية في لبنان»، مؤكدا أن «صفحة جديدة قد بدأت بين سورية وحكومة لبنان برئاسة سعد الحريري». وأكد أن «العلاقة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والقيادة السورية أكثر من ممتازة»، مضيفا: «التاريخ علّمنا أنه طالما العلاقة بين البلدين طبيعية ومميزة، فانعكاساتها ستكون إيجابية لمصلحة البلدين والشعبين». ورأى عضو تكتل «التغيير والإصلاح» (برئاسة ميشال عون) النائب زياد أسود أن «زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى سورية سوف تحقق استقرارا على جميع المستويات لأن من مصلحة السوريين واللبنانيين أن يكون هناك استقرار في لبنان»، وقال: «اليوم رئيس الحكومة يمثل كل لبنان وبالتالي يمكنه طرح المواضيع العالقة بيننا وبين سورية، ولا أعتقد أن سورية لديها مشكلة في حلّها».