مهاجرات المغرب يجتمعن في مراكش لمناقشة «تأنيث الهجرة»

اليزمي: بلورة سياسات حكومية إزاء الهجرة تتطلب وجود وعي بتعددية الجالية المغربية

TT

شكلت الدورة الثانية لملتقى «مغربيات من هنا وهناك»، الذي نظم في مراكش حول موضوع «تأنيث الهجرة.. ديناميات دولية وخصوصيات مغربية» واختتمت أشغاله، يوم أمس، فرصة لـ400 امرأة مغربية مهاجرة، قدمن من 20 دولة، لتدارس أوضاع النساء المغربيات المهاجرات، ومناقشة قضايا تهم جوانب الانخراط في الشأن السياسي والولوج إلى الحقوق ومكافحة الهشاشة والشراكة وتعبئة الكفاءات.

وسلطت الورش المبرمجة، في إطار هذا الملتقى، الضوء على الظواهر الموجودة، والتي تظل «خفية» حتى الآن، والمتمثلة في شيخوخة المهاجرين والبطالة والتمييز والعنصرية، كما سلط الضوء على الفئات الجديدة والمتنوعة من المهاجرات: مثل الطالبات والمتقاعدات، ومساهمتهن في تحضير السياسات العمومية الجديدة حتى ترقى إلى انتظارات وطموحات جميع المهاجرين والمهاجرات. وثمن إدريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، قيمة الورش العلمية التي تم عقدها، بمشاركة باحثين وباحثات قدموا خلاصات أبحاثهم حول الظاهرة، مع وضع مقارنة مع النساء المهاجرات في دول أخرى، مثل المكسيكيات والفلبينيات، حتى يتم الوقوف على خصوصيات الهجرة المغربية.

ورأى اليزمي أن اللقاء يبقى فرصة لعقد شراكات عملية بين فاعلين وفاعلات في وسط الجالية، وفي داخل البلاد، مشيرا إلى الخطوات التي تم قطعها على مستوى السياسات العمومية تجاه إشكاليات تأنيث الهجرة، مثل فتح مداومات قانونية بالقنصليات لمساعدة المغربيات المهاجرات في وضعية هشة، ورصد موازنات لمساعدة المهاجرات المغربيات اللائي يقعن ضحية شبكة الاتجار في البشر. وشدد اليزمي على أن الهدف الأبرز من عقد الملتقى هو «تغيير الصور النمطية التي يحملها مغاربة الداخل عن الجالية المغربية، ومساعدة مغاربة العالم على تغيير الصور النمطية عن المغرب»، ملاحظا أن هذا العمل يتطلب عملا ونفسا طويلا.

وبما أن الجالية المغربية في بلدان المهجر هي جاليات مختلفة، فقد رأى اليزمي أنه لن تكون هناك بلورة لسياسات حكومية في مستوى التحديات إذا لم يكن هناك وعي بالتعددية: تعددية داخل الجاليات، وبين بلد هجرة وآخر، وعلى مستوى انتظارات الأجيال، وبين مختلف الفئات الاجتماعية داخل نفس الجالية.

وتحدث اليزمي عن بروز نخب بين المهاجرين، وأكد أن اللقاء يسمح بتقوية الروابط بينهم، مدللا على ذلك بإقامة شبكة بين المنتخبات المهاجرات. وتميزت أشغال الملتقى بحضور وزراء وشخصيات من عالم الاقتصاد والسياسة والثقافة، و30 باحثا من المغرب وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا وكندا والمكسيك، ومشاركة أكثر من 100 جمعية مغربية ودولية.

وأجمعت تدخلات كل من نزهة الصقلي، وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن المغربية، ومحمد عامر، الوزير المنتدب لدى رئيس الوزراء المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، ولطيفة أخرباش، كاتبة الدولة (وزيرة دولة) في الخارجية والتعاون، في افتتاح الندوة، على الأهمية التي توليها الحكومة المغربية لإشكالية الهجرة، بشكل عام، وهجرة النساء بشكل خاص. وتحدثت الوزيرة الصقلي عن الانشغال بالصعوبات والمشاكل التي تواجه المغربيات المهاجرات في ظروف صعبة، واللواتي يعشن أوضاعا مزرية، ويتعرضن لمختلف أشكال الضغط والعنف. وقالت إن الاختيارات الاستراتيجية التي انخرط فيها المغرب لا رجعة فيها، والتي تقوم في جانب منها على أساس «التعلق التام بحقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها، والإرادة القوية لاستكمال بناء دولة الحق والقانون، وجعل النهوض بأوضاع النساء والمساواة حجر الزاوية في بناء مشروع المجتمع الحداثي والديمقراطي المدعوم من القوى الحية في البلاد».

أما وزير الجالية المغربية المقيمة بالخارج، فاعتبر ملتقى النساء المغربيات المهاجرات «فضاء للظهور الجلي لنساء الهجرة المغربيات في الفضاء العام، واستمرارية طبيعية لعنفوان الحياة المتدفقة في كيان المجتمع المغربي الراهن، عبر إرادة سياسية وطنية تهدف إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، وإنصاف النساء المغربيات، ونساء الهجرات منهن خصوصا».

من جهتها، أكدت لطيفة أخرباش أن «المغرب ما فتئ يبذل الجهود في المحافل والملتقيات الدولية، وفي إطار العلاقات الثنائية للذود عن حقوق المهاجرين وعائلاتهم، فضلا عن دعوته إلى التعاطي مع ظاهرة الهجرة السرية، وفق مقاربة شمولية، عوض معالجتها من منطلق المنطق الأمني فقط».

وأضافت أخرباش أن «المغرب كان سباقا للتفاعل مع متغيرات الهجرة ومستجداتها، بحكم تجربته الكبيرة كمصدر لها وكبلد استقبال وعبور».

ومن أجل احترام الاختيارات الفردية والمشاريع الشخصية لكل فرد من أفراد الجالية المغربية بالخارج، وتشجيع الكفاءات المقيمة بالمهجر للمشاركة في التنمية بالمغرب، أوضحت أخرباش أن المغرب عمل على بلورة رؤية ديمقراطية إزاء ظاهرة الهجرة، وترسيخ وتحديد علاقته مع الجالية المغربية بالخارج.

وانطلقت الأرضية الخاصة بأشغال الملتقى من النظرة التي ظلت تعتبر هجرة المرأة المغربية نتيجة «مباشرة» لهجرة الرجل، وتزايد الإقبال على التجمع العائلي منذ عقد السبعينات من القرن الماضي. وهو واقع يحيل على اعتقاد تقليدي في مجال الهجرة، مفاده أنه لا يمكن «للمرأة التنقل إلا برفقة رجل»، غير أن الأبحاث العلمية، حول مسارات المهاجرات، تكشف وجود تنوع كبير في أوضاع هؤلاء النساء (معيلات أسر، طالبات، متقاعدات، إلخ)، كما تبين أن النساء يلعبن، حتى في إطار التجمع العائلي، دورا فاعلا في تحضير المشروع الأسري المرتبط بالهجرة، وأنهن قادرات على تطوير استراتيجيات خاصة بهن تمكنهن من الاضطلاع بدور هام في المهجر؛ سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي.

وكانت ظاهرة الهجرة النسوية المغربية قد شهدت نقطة تحول خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، وذلك من خلال ظهور نمط الهجرة لضمان العمل المستقل وبروزها بشكل تدريجي؛ خاصة في اتجاه دول الاستقبال الجديدة (إسبانيا وإيطاليا ودول الخليج).

واليوم، تشكل النساء في فرنسا وبلجيكا وهولندا، حسب بعض الإحصائيات، نصفَ الجالية المغربية تقريبا، في حين يمثلن في إسبانيا نسبة 33 في المائة، وفي إيطاليا 30 في المائة. وأرجع بعض الباحثين هذا التطور إلى التحول الذي شهدته وضعية المرأة داخل المجتمع المغربي، وتطور حاجيات سوق العمل الذي أصبح منفتحا أكثر فأكثر على العالم، وارتفاع الطلب على اليد العاملة الأجنبية (مجالات الخدمة المنزلية والعناية الطبية والسياحة والترفيه).