روح تشاوشيسكو تطارد رومانيا بعد سقوط الشيوعية

بعد 20 عاما من إعدامه في انتفاضة دموية

TT

ما زالت روح نيكولاي تشاوشيسكو تعرقل جهود رومانيا للتغلب على الفقر والفساد بعد 20 عاما من إعدامه في الانتفاضة الدموية الوحيدة التي تمثل انهيار الشيوعية في شرق أوروبا.

وبعض المعارضين للشيوعية يصفونها «بالثورة المسروقة» ويتهمون النخبة المرتبطة بالنظام الذي أطيح به بالمحافظة على سلطتهم من خلال اختطاف ثروة البلاد في الفوضى التي أعقبت ذلك. ويرى المتعاطفون مع الدكتاتور السابق في تقرير لـ«رويترز» أن النخبة الجديدة بالغة الثراء نهبت رومانيا.

وتشاوشيسكو من أكثر الزعماء الذين لقوا حبا أو كراهية. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «جورج سوروس» أن تشاوشيسكو هو أفضل زعيم في القرن الماضي. كما تم تصنيفه على أنه الرئيس الذي سبب أكبر أذى. والانتخابات الأخيرة تسلط الضوء على الانقسامات.

وأولئك الذين يشعرون بحنين للأزمنة القديمة يقولون إن التحول إلى الديمقراطية وعضوية الاتحاد الأوروبي سرق منهم الاستقرار ودفع البلاد في الاتجاه الخاطئ.

وذكرت هيرتا مولر الكاتبة الرومانية المولد من استوكهولم بعد أن تسلمت جائزة نوبل في الآداب هذا العام: «هناك تراث في رومانيا.. تراث الدكتاتورية».

وقالت إن «الشرطة السرية السابقة واسم الحزب السابق متأصلان في رومانيا... تمكّنَا من احتلال كل المناصب الرئيسية تقريبا في المجتمع».

وغادرت مولر رومانيا مع زوجها عام 1987 قبل عامين من الإطاحة بتشاوشيسكو بعد أن تعرضت لمضايقات من الشرطة السرية لرفضها الإبلاغ عن أصدقاء وزملاء وتم إرسال والدتها إلى معسكر عمل سوفياتي.

واستخدمت الشرطة السرية نصف مليون ضابط وملايين المرشدين لخلق مناخ من الخوف المستمر.

وتوجد مصاعب أخرى أيضا. فقد عانى كثير من الرومانيين من الجوع بسبب توزيع الطعام بنظام الحصص ولأن الأرفف كانت خالية في المتاجر. وتحملوا صقيع الشتاء من دون مواقد تدفئة في الوقت الذي كان فيه تشاوشيسكو يبني فيه النصب التذكارية الهائلة ويقيم الحفلات الباذخة لدائرته الضيقة.

لكن بينما كان خمس سكان اليوم يعيشون على أقل من ثلاثة دولارات يوميا ومستويات المعيشة تقل عن نصف المتوسط في الاتحاد الأوروبي وأقل من ربع السكان لديهم أعمال رسمية، فإن كثيرين يتوقون إلى الماضي.

وقال فاسيل بوبيسكو، وهو عامل عمره 45 عاما في مصنع بمدينة تيميشوارا الغربية، عندما سئل بشأن تشاوشيسكو: «إنني أشعر برعشة تجتاح جسدي. إنني على وشك البكاء».

وقال: «سواء كنت أريد ذلك أم لا، فإنني أشعر بحنين لتشاوشيسكو». وأضاف: «في هذه الأيام من الصعب لفرد من العامة أن يعيش». وما زال يمكن توقع حشود صغيرة من أفراد يضيئون الشموع عند مقبرته في بوخارست في يوم عيد الميلاد.

ولم يحصل الرومانيون على تفسير مرض عن السبب في أن ثورتهم كانت الأكثر دموية في المنطقة أو حتى كيف قامت. ويقول المؤرخون إن القوات قتلت أكثر من 1500 مناهض للشيوعية في أنحاء رومانيا يوم 16 ديسمبر (كانون الأول). وبعد أسبوع أدين تشاوشيسكو في محاكمة صورية مع زوجته في فناء إحدى ثكنات الجيش.

وتمت الإطاحة بالنظم الشيوعية من دون إراقة دماء في أنحاء شرق أوروبا من ألمانيا الشرقية حتى بولندا وتشيكوسلوفاكيا لأن موسكو أوضحت أنها لن تستخدم قواتها في دعمهم. وشهد الاتحاد السوفياتي عددا من الانقلابات المتعاقبة والحروب الأهلية أثناء تفككه.

وفي العقد التالي صعد الجيل الثاني من القادة الشيوعيين ومن بينهم ايون اليسكو وهو من الموالين لتشاوشيسكو إلى السلطة. واليسكو الذي تلقى تعليمه في موسكو متهم من جانب الجماعات المؤيدة للديمقراطية «بسرقة» ثورة رومانيا.

ويقول بعض المحللين إن هيمنة اليسكو على الساحة السياسية الرومانية على مدى ثلاث فترات كرئيس، سمح للأشخاص الذين يشتبه في أنهم عملاء للشرطة السرية أو أعضاء في الصف الثاني للقيادة في النظام بتحويل أصول الدولة من نظام تشاوشيسكو إلى نظام يتخفى تحت عباءة الديمقراطية أو الرأسمالية.

وكمثال على عملية التفكيك الضخمة، التعاونيات الزراعية التي وصفتها وسائل الإعلام «بالسرقة» وتخصيص ملايين الأفدنة من المزارع في التسعينات لعملاء النظام.

وقال عالم الاجتماع برونو ستيفان: «رومانيا تمكنت من البقاء حيث بدت النخبة الشيوعية السابقة تسيطر على الاقتصاد.. وهذا يمنع تحقيق أي تطور آخر في رومانيا ويجعل الانتقال.. مؤلما».